ما هو الذي يوزن يوم القيامة: العمل أو العامل أو صحائف الأعمال؟ حفظ
وقوله تبارك وتعالى: (( مثقال ذرة )) يفيد أن الذي يوزن هو الأعمال، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم:
فمن العلماء من يقول: إن الذي يوزن العمل. ومنهم من يقول: إن الذي يوزن صحائف الأعمال. ومنهم من يقول: إن الذي يوزن هو العامل نفسه. ولكل دليل، أما من قال: إن الذي يوزن هو العمل فاستدل بهذه الآية (( فمن يعمل مثقال ذرة )) لأن تقدير الآية فمن يعمل عملاً مثقال ذرة، واستدلوا أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان "، وهذا القول كما ترى له دليل من القرآن ومن السنة، لكن يشكل على هذا أن العمل ليس جسماً يمكن أن يوضع في الميزان بل العمل عمل انتهى وانقضى.
ولهذا يجاب عن هذا بأن يقال:
على المرء أن يصدق بما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب، وإن كان عقله قد يحار فيه، يعني ويتعجب ويقول كيف يكون هذا؟ فعليه التصديق لأن قدرة الله تعالى فوق ما نتصور، هذه أول جواب عن هذا الإشكال، الجواب عرفتموه الآن؟ هو كيف يوزن العمل وهو معنى وحركة انتهت؟ فيقال الواجب على المسلم أن يسلم ويستسلم ولا يقول كيف؟ لأن أمور الغيب فوق ما يتصور، هذا واحد.
ثانياً: أن الله تعالى يجعل هذه الأعمال أجساماً توضع في الميزان وتثقل وتخف، والله تعالى قادر على أن يجعل الأمور المعنوية أجساماً، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلّم في أن الموت يؤتى به على صورة كبش ويوقف بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة فيشرئبون ويطلعون، لماذا نودوا؟ ويقال: يا أهل النار فيشرئبون ويطلعون، لماذا نودوا؟ فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، مع أنه في صورة كبش والموت (معنى) ليس جسماً ولكن الله تعالى يجعله جسماً يوم القيامة، فيقولون: هذا الموت فيذبح أمامهم ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت، وبهذا يزول الإشكال الوارد على هذا القول.
ما هو القول؟ أن الذي يوزن هو العمل، طيب.
أما من قال: إن الذي يوزن هو صحائف الأعمال فاستدلوا بحديث صاحب البطاقة الذي يؤتى يوم القيامة به، ويقال: انظر إلى عملك فتمد له سجلات مكتوب فيها العمل السيء، سجلات عظيمة، فإذا رأى أنه قد هلك أتي ببطاقة صغيرة فيها لا إله إلا الله فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال له: إنك لا تظلم شيئاً، ثم توزن البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، فترجح بهن البطاقة وهي لا إله إلا الله، قالوا فهذا دليل على أن الذي يوزن هو صحائف الأعمال، طيب.
وأما الذين قالوا: إن الذي يوزن هو العامل نفسه فاستدلوا بحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان ذات يوم مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهبت ريح شديدة، فقام عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فجعلت الريح تكفئه، لأنه نحيف القدمين والساقين، فجعل الناس يضحكون، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: "مم تضحكون؟ أو مم تعجبون؟ والذي نفسي بيده إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد" وهذا يدل على أن الذي يوزن هو العامل.
فيقال: نأخذ بالقول الأول: أن الذي يوزن العمل، ولكن ربما يكون بعض الناس توزن صحائف أعماله، وبعض الناس يوزن هو بنفسه.
فإن قال قائل: على هذا القول أن الذي يوزن هو العامل، هل ينبني هذا على أجسام الناس في الدنيا وأن صاحب الجسم الكبير العظيم يثقل ميزانه يوم القيامة؟
فالجواب: لا، لا ينبني على أجسام الدنيا، يؤتى بالرجل السمين الغليظ الكبير الواسع الجسم يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، وهذا عبدالله بن مسعود يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد"، فالعبرة، العبرة بثقل الجسم أو عدمه، ثقله يوم القيامة بما كان معه من أعمال صالحة، يقول عز وجل: (( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شًّرا يره )) .