تفسير قوله تعالى:" إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " والكلام على الصفة الأول من هذه الصفات الأربع وهو الإيمان بالله وذكر أركانه وبيان أقسام الناس فيه حفظ
(( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )): استثنى الله سبحانه وتعالى هؤلاء المتصفين بهذه الصفات الأربع: الصفة الأولى: الإيمان، الإيمان الذي لا يخالجه شك ولا تردد بماذا؟ بما بينه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم حين سأله جبريل عن الإيمان قال: ( أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ). وشرح هذا الحديث يطول لو تكلمنا عليه الآن، لكنه قد تكلمنا عليه في مواطن كثيرة، فالذين آمنوا بهذه الأصول الستة هم المؤمنون، ولكن يجب أن يكون إيماناً لا شك معه ولا تردد، بمعنى: أنك تؤمن بهذه الأشياء وكأنك تراها رأي العين، والناس في هذا المقام ثلاثة أقسام: القسم الأول: مؤمن خالص إيماناً لا شك فيه ولا تردد. والقسم الثاني: كافر جاحد منكر. والقسم الثالث: متردد. فمن الناجي من هؤلاء الأقسام الثلاثة؟ الناجي القسم الأول الذي يؤمن إيماناً لا تردد فيه، يؤمن بالله، بوجوده، بأسمائه بصفاته، بألوهيته، وربوبيته، وغير ذلك مما هو معلوم من صفات الله جل وعلا، ويؤمن بالملائكة وهم عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور، وكلفهم بأعمال منها ما هو معلوم، ومنها ما ليس بمعلوم، فجبريل عليه الصلاة والسلام مكلف بالوحي ينزل به من عند الله إلى الأنبياء والرسل، وميكائيل مكلف بالقطر والنبات يعني: وكله الله على المطر وكل ما يتعلق بالمطر وعلى النبات، وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور، ومالك: موكل بالنار، ورضوان موكل بالجنة، ومن الملائكة من لا نعلم أسمائهم ولا نعلم أعمالهم أيضاً، لكن جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ما من موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع، أو ساجد، كذلك نؤمن بالكتب التي أنزلها الله على الرسل عليهم الصلاة والسلام، ونؤمن بالرسل الذين قصهم الله علينا، نؤمن بهم بأعيانهم، والذين لم يقصهم علينا نؤمن بهم إجمالاً، لأن الله لم يقص علينا جميع أنباء الرسل، قال الله تعالى: (( منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك )). واليوم الآخر هو يوم البعث يوم يخرج الناس من قبورهم للجزاء حفاة، عراة، غرلاً، بهماً، فالحفاة يعني الذين ليس عليهم نعال ولا خفاف أي: أن أقدامهم عارية، والعراة: الذين ليس عليهم ثياب، والغرل: الذين لم يُختنوا، والبهم: الذين ليس معهم مال يحشرون كذلك، ولما حدث النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم عراة قالت عائشة: يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: ( الأمر أعظم من ذلك ) أي من أن ينظر بعضهم إلى بعض، لأن الناس كل مشغول بنفسه، قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت، فيجب أن تؤمن بفتنة القبر أي: بالاختبار الذي يكون للميت إذا دفن وتولى عنه أصحابه، فإنه يأتيه ملكان يسألانه عن ربه، ودينه، ونبيه، وتؤمن كذلك بأن القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، أي أن فيه العذاب أو الثواب، وتؤمن كذلك بالجنة والنار وكل ما يتعلق باليوم الآخر فإنه داخل في قولنا ( أن تؤمن بالله واليوم الآخر )، والقدر: تقدير الله عز وجل يعني: يجب أن تؤمن بأن الله تعالى قدر كل شيء وذلك أن الله خلق القلم فقال له: اكتب. قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، إذاً فالإيمان في قوله: (( إلا الذين آمنوا )) يشمل الإيمان بالأصول الستة التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام.