تفسير قوله تعالى:" فليعبدوا رب هذا البيت " وتعريف العبادة، بيان حرمة الكعبة وفضلها حفظ
لما ذكرهم بهذه النعمة، وهي نعمة عظيمة، لأنه يحصل منها فوائد كثيرة ومكاسب كبيرة من هذه التجارة، أمرهم الله عز وجل أن يعبدوا رب البيت عز وجل قال: (( فليعبدوا رب هذا البيت )) شكراً له على هذه النعمة، والفاء هذه إما أن تكون فاء السببية، أي فبسبب هاتين الرحلتين ليعبدوا رب هذا البيت، أو تكون فاء التفريع، وأيًّا كان فهي مبنية على ما سبق، أي فبهذه النعم العظيمة فيجب عليهم أن يعبدوا الله، والعبادة هي التذلل لله عز وجل محبة وتعظيماً، أن يتعبد الإنسان لله يتذلل له بالسمع والطاعة، فإذا بلغه عن الله ورسوله أمر قال: سمعنا وأطعنا، وإذا بلغه خبر قال: سمعنا وآمنا، على وجه المحبة والتعظيم، فبالمحبة يقوم الإنسان بفعل الأوامر، وبالتعظيم يترك النواهي خوفاً من هذا العظيم عز وجل، هذا معنى من معاني العبادة، وتطلق العبادة على نفس المتعبد به، وقد حدّها شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بهذا المعنى فقال: " إن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال، والأعمال الظاهرة، والباطنة "، ولهذا لو سألك سائل: الصلاة ماذا؟ أعبادة أم عادة؟ قل: عبادة. ولو سألك سائل: أنت الآن تصلي فما معنى صلاتك هذه؟ فقل معناها: العبادة لله، نتعبد لله عز وجل، نتذلل له بالسمع والطاعة، وبما أمر أهل العلم. وقوله: (( رب هذا البيت )): يعني به الكعبة المعظمة، وقد أضافها الله تعالى إلى نفسه في قوله تعالى: (( وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ))، وهنا أضاف ربوبيته إليه: (( رب هذا البيت ))، وهل هو رب لغيره؟ الجواب: نعم، لكن إضافة الربوبية إليه على سبيل التشريف والتعظيم، طيب (( طهر بيتي للطائفين )) أليس كل شيء هو لله؟ لله ملك السماوات والأرض، كل شيء لله، كل شيء ملك لله، لماذا أضاف الله البيت إليه؟ تشريفاً وتعظيماً، إذاً خصصه بالربوبية أي خصص البيت بالربوبية مرة، وأضافه إلى نفسه مرة أخرى تشريفاً وتعظيماً، في آية ثانية: (( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها )) وبعدها قال: (( وله كل شيء )) احتراز من أن يتوهم واهم بأنه رب البلدة وحدها فقال: (( وله كل شيء )) ، ولكل مقام صيغة مناسبة، ففي قوله: (( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء )). مناسبة بيان عموم ملكه، لئلا يدعي المشركون أنه رب للبلدة فقط، أما هنا فالمقام مقام تعظيم للبيت فناسب ذكره وحده ،