شرح قول المصنف : وقول الله تعالى : (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم )) . حفظ
الشيخ : وقول الله تعالى : (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ))
(( لَقَدْ جَاءَكُمْ )) هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات : القسم، واللام، وقد. فهي مؤكدة لجميع مدخولها جميع مدخولها أنه رسول وأنه من أنفسنا، وأنه عزيز عليه ما يشق علينا وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم. فالقسم منصب على كل هذه الأوصاف الأربعة في هذا الرسول صلى الله عليه وسلم.
(( لقد جاءكم رسول )) الخطاب في قوله : ((جاءكم )) قيل : إنه للعرب; لقوله : (( من أنفسكم )) ; فالرسول صلى الله عليه وسلم من العرب لقوله تعالى : (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهم )) ويحتمل أن يكون عاما للأمة كلها، ويكون المراد بالنفس هنا الجنس الجنس يعني : ليس من الجن ليس من الملائكة، بل هو من جنسكم كما قال تعالى : (( هو الذي خلقكم من نفس واحدة )). (( خلقكم من نفس واحدة )). على التقدير الثاني على الاحتمال الثاني لا إشكال في الآية.
وعلى الاحتمال الأول فيه إشكال; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الناس من العرب والعجم بعث إلى جميع الناس من العرب والعجم فكيف نجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت من عموم رسالته؟
نقول في الجواب على ذلك : أنه خوطب العرب بهذا; لأن منة الله عليهم به أعظم من منة غيرهم، حيث كان منهم، فإن ذلك تشريف للعرب بلا ريب أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام منهم فيكون هنا تخصيص وعرض للخطاب لماذا؟ لأن منة الله بهم أعظم من منته على غيرهم. نعم. ولكن العموم أولى لأن الله قال : (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يتلو عليهم )). ولما كان المراد العرب صدر بقوله : (( منهم )) لا (( من أنفسهم )). قال تعالى عن إبراهيم وإسماعيل : (( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ )) وقال : (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ )) و... (( لقد من على المؤمنين )) عاما ... رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته.
الطالب : ... .
الشيخ : ... يترجح عندي أن المراد أن الخطاب لمن؟ لا للعموم للعموم لأنه لما أريد العرب قيل منهم كما في آية الجمعة وفي سورة البقرة (( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم )) ويدل على العموم (( لقد من الله على المؤمنين )) عامة (( إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم )).
الطالب : ... .
الشيخ : ... .
و قوله : (( رسول )) منين؟ من الله كما قال تعالى : (( رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً )) فعول هنا بمعنى مفعل; أي: مرسل.
و قوله : (( رسول من أنفسكم )) : تقدم لنا أن المراد من جنسكم من جنسكم على سبيل العموم فيها قراءة شاذة من أنفسكم لكنها شاذة لا تجوز القراءة بها لأن الشاذ يحرم القراءة به
وقوله : (( عزيز عليهم ما عنتم حريص عليهم )) نشوف أولا إعراب عزيز عليكم :
... ما مصدرية وليست موصولة أي عنتكم عزيز عليهم عنتكم أي مشتقكم لأن العنت بمعنى المشقة كما في قوله تعالى فيمن يباح له نكاح الأمة في سورة النساء قال : (( ذلك لمن خشي العنت منكم )) أي المشقة فعنتكم أي مشقتكم أي ما يشق عليكم فما مصدرية والفعل بعدها يؤول إلى مصدر مرفوع لكن لماذا هو مرفوع ؟ يختلف باختلاف إعراب عزيز.
إن قلنا إن "عزيز" صفة لرسول; صار المصدر المؤول فاعلا بعزيز.
إن قلنا إن "عزيز" صفة لرسول; صار المصدر المؤول فاعلا به يعني : عزيز عليه عنتكم فهو فاعل به. وإذا قلنا : إن عزيز ليس صفة لرسول بل هو خبر مقدم خبر مقدم المبتدأ في مكانه أو مبتدأ في مكانه إن كان خبر مقدم صار عنتكم نعم؟ مبتدأ وعزيز خبر مقدم أي عنتكم عزيز علي أي شاق علي. وحينئذ تكون الجملة كلها صفة لرسول، أو نقول : عزيز مبتدأ، وعنتكم فاعل سد مسد الخبر على رأي الكوفيين الذي أشار إليه ابن مالك في قوله :
" وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد ". نعم. طيب على كل حال المعنى أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم يشق عليه يصعب عليه يصعب ما يشق على أمته.
والعزيز بمعنى الصعب; لأن الأصل في اللغة العربية الأصل المادة العين والزاي أنها تدل على الصلابة. ومنه : أرض عزاز ايش معنى أرض عزاز؟ صلبة قوية. فالمعنى: أنه يصعب عليه ما يشق عليكم. ولهذا بعث بالحنيفية السمحة وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. وهذا من محبة التيسير الذي أعطيه النبي عليه الصلاة والسلام على أمته.
طيب (( حريص عليكم )) (( حريص عليكم )) الحرص : بذل الجهد لإدراك أمر مقصود الحرص إن الإنسان يبلغ جهده لإدراك أمر مقصود مثل نقول فلان حريص على الدرس يعني يعني باذل جهده لإدراك هذا الأمر ... فحريص عليكم يعني قد بذل الجهد غاية الجهد فيما فيه مصلحتكم فيكون وصف الرسول جامعا بين أمرين بين دفع المكروه عنه الذي أفاده قوله : (( عزيز عليه ما عنتم )) وبين وحصول الخير لنا الذي أفاده قوله : (( حريص عليكم )). فكان النبي عليه الصلاة والسلام جامعا بين هذين الوصفين، وهذا والحمد لله من نعمة الله علينا وعلى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون على هذا الخلق العظيم الممثل بقوله تعالى : ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم )).