شرح قول المصنف : باب ما جاء في السحر حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمان الرحيم
قال رحمه الله تعالى : " باب ما جاء في السحر "
السحر في اللغة : عبارة عما خفي سببه ولطف. ومنه سمي السحر لآخر الليل; لأن الأفعال التي تقع فيه تكون خفية وكذلك سمي السحور; لما يؤكل في آخر الليل; لأنه يكون خفيا. فكل الأشياء الخفية تسمى سحرا وحتى وقتنا هذا تسمى الأشياء التي يخفى سببها مثل الألعاب البهلوانية وما أشبه ذلك تسمى سحرا حتى إن الساعات أول ما ظهرت سميت سحرا لأنه يخفى حركتها وتقديرها للزمن والآن الكمبيوتر في وقتنا هذا سحر لأن سببه خفي فيه الآن سيارات يقولون لي ... وأنا فعلا ركبتها إذا كان الباب ما أغلق تماما يقول لك غلق الباب وإذا انتهى البنزين تقول انتبه للبنزين وما أشبه ذلك.
الطالب : ... .
الشيخ : أي غريبة هذه. هذه في الحقيقة لو جاءت في الزمن السابق قبل أن نعرف التطور لقالوا هذه شياطين في جوف هذا الحديد نعم إنما السحر في اللغة هو هذا.
وأما في الشرع; فإنه ينقسم إلى قسمين:
أحدها : عقد ورقى; يعني: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد.
والثاني : عبارة عن أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور على بدنه وعقله وإرادته وميله; فتجده يميل اوينصرف. وهو ما يسمى عندهم بالعطف والصرف العطف والصرف ... الإنسان ينعطف مثلا على زوجته أو على امرأة أخرى حتى يكون كالبهيمة كالبهيمة تقوده كما تشاء والصرف بالعكس (( فيتعلمون منه ما يفرقون به بين المرء وزوجه ))
فالحاصل أن السحر في الشرع عبارة عن عقد ورقى يتوصل بها إلى استخدام الشياطين لتضر المسحور وهذا هو الذي ذكره الله تعالى في سورة البقرة (( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر )) نعم
والثاني قلنا فيه ماذا ؟ أدوية وعقاقير تجمع وتعطى للمسحور أو نحو ذلك فتؤثر عليه إما في بدنه أو في عقله أو في تصوره وإدراكه
في بدنه يبدأ البدن يضعف شيئا فشيئا حتى يهلك
في تصوره يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه
في عقله ربما يصل إلى الجنون يصل إلى الجنون والعياذ بالله. إذن فالسحر يكون قسما من أقسام الشرك وقسما من أقسام العدوان. الشرك أي الأقسام منه؟ القسم الأول الذي يكون بواسطة الشياطين وأما العدوان فهو القسم الثاني الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير ونحوها.
وهذا التقسيم الذي ذكرناه نتوصل به إلى مسألة مهمة وهي : هل يكفر الساحر أو لا يكفر؟ فقد اختلف في هذا أهل العلم : فمنهم من قال : إنه يكفر ومنهم من قال : إنه لا يكفر.
ولكن التفصيل الذي ذكرناه في أقسام السحر يتبين به حكم هذه المسألة. فمن كان سحره بواسطة الشياطين; فإنه يكفر وإلا لا؟ يكفر. ومن كان بالأدوية والعقاقير ونحوها فإنه لا يكفر ولكنه يعتبر عاصيا من السحر أيضا.
... هؤلاء يخطؤون طبعا هم على كل حال مخطئون من الأصل لكن يخطئون في فرع من فروع الدين وهو أنهم يتجاوزون الميقات بدون إحرام لأن هذه ... تطير بهم وتمر بالميقات ولا يحرمون
ولهذا لو قيل لنا هل العلماء السابقون تكلموا على تجاوز الميقات بدون إحرام عن طريق الجو ماذا نقول؟ نقول هي الطيارة ما وجدت إلا أخيرا لكن هذه المسألة التي ذكرها شيخ الإسلام نقول نعم تكلموا عليها في مسألة السحرة الذين تحملهم الشياطين إلى مكة ويتجاوزون الميقات بدون إحرام.
طيب من هذا أيضا ما حصل لموسى عليه السلام مع سحرة فرعون ألقوا الحبال والعصي فماذا رآها؟ (( يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى )) أنها تسعى وأنها حيات ... وهي في الحقيقة ليست بحيات ولكنها حبال وعصي إلا أنهم (( سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ))
ومن هذا ما يذكره الناس يذكرون وقائع من هذا النوع ويقال لنا إن رجلا من السحرة كانوا يخرفون النخل تعرفون النخل يخرفونه يعني يجنون ثمره وانهم ... هذا الرطب في قدر فقال لهم الساحر أنا أستطيع أن أخوض هذا الرطب ولا يتأثر امشي ... ولايتأثر ابدا قالوا مو صحيح ما يمكن قال أوريكم الآن فأراهم أنه يخوض الرطب وهو يدور من وراء القدر وهم ... المهم هذه حالة غريبة ضجوا ما يصير ما يصير ما يصير الخراف في النخلة قال تراه يدور من وراء القدر فألقى إليه من السحر فقال ... الآن صحيح يدور من وسط القدر نعم ألقى عليه السحر هذه مشهورة عندنا
المهم أن السحر يؤثر بلا شك يؤثر لكنه لا يقلب الأعيان إلى أعيان أخرى لأنه ما يقدر يقلب الأعيان إلى أعيان أخرى إلا الله عز وجل إنما يخيل ان هذا الشيء انقلب وهذا الشيء تحرك وهذا الشيء مشى وما أشبه ذلك.
قال وقول الله ... إذا قال قائل : ما وجه إدخال باب السحر في كتاب التوحيد؟
نقول : لأن من أقسام السحر ما لا يتأتي غالبا إلا بالشرك. فالشياطين ما تخدم الإنسان بدون في الغالب ما تخدمه إلا لمصلحة. ومعلوم أن الشيطان مصلحته أن يغوي بني آدم ويدخلهم في الشرك والمعاصي. ولهذا المؤلف رحمه الله أدخله في باب التوحيد.
الطالب : شيخ.
الشيخ : نعم.
الطالب : من يتعلم السحر لإزالة السحر على الناس هذا جائز؟
الشيخ : ما يجوز سيأتينا إن شاء الله في النشرة هذه تسمى النشرة.
قال : وقول الله تعالى.
الطالب : ...
الشيخ : أي صحيح. والعلماء اختلفوا هل هو حقيقة وإلا خيال؟ والصحيح أنه حقيقة لكنه باعتبار قلب الأشياء خيال وإلا هو مؤثر ... مؤثر ولهذا قال الله : (( سحروا أعين الناس )) فجعل الأعين مسحورة تتاثر. لكن هل إن العصي والحبال هل هي متغيرة حقيقة؟ ها. لا لكن تخييلا فهو في الحقيقة مؤثر وغير مؤثر من جهة انه أن المسحور يرى الشيء الساكن متحركا ويرى الشيء على غير وجهه هذا تأثير حقيقي ومن جهة أن الأعيان باقية على ما هي عليه هذا تخييل.
الطالب : ... .
الشيخ : والله ما بعرف إن الخيال إلا بمعنى إنه خيال من وجه حقيقة من وجه.
الطالب : ... .
الشيخ : لا ما يمكن لكن الإضرار بالجسم أو تغيير النظر أو السمع أو ما أشبه ذلك هذا حقيقي.
قال : وقول الله تعالى : (( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ )). هذه الآية أو هذا جزء من آية وهي قوله تعالى : (( ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ )) ومعنى (( اشتراه )) ; أي : تعلمه تعلمه.
وقوله نعم : (( مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ )) أي : ما له من نصيب. وكل من ليس له خلاق في الآخرة فمعناه أن عمله حابط باطل. لكن إما أن ينتفي النصيب انتفاء كليا فيكون ذلك كفرا أو ينتفي كمال النصيب فيكون ذلك فسقا.
قال : " وقول الله تعالى : (( يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ )) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( الجبت : السحر والطاغوت الشيطان ) ". (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت )). بالسحر.
واليهود كانوا من أكثر الناس تعلما للسحر وممارسة له ولهذا الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم من هو؟ لبيد بن الأعصم اليهودي وهم الذين تعلموا السحر وادعوا أن سليمان صلى الله عليه وسلم علمهم إياه.
فيقول : (( يؤمنون بالجبت و الطاغوت )). والطاغوت ما هو؟ الطاغوت أصح ما قيل أو أجمع ما قيل فيه : أنه كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع. طبعا من معبود بعلمه ورضاه.
و قوله : (( يؤمنون بالجبت و الطاغوت )).
الشاهد من هذه الآية : قوله : (( بالجبت )) حيث فسرها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بأنها السحر. وأما تفسيره للطاغوت بالشيطان ; فإن هذا من باب التفسير بالمثال.
والسلف رحمهم الله كانوا يفسرون الآية بمثال منها يحتذى عليه. ونضرب مثلا لهذا بقوله تعالى : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه )).
قال بعض المفسرين : الظالم لنفسه : الذي لا يصلي إلا بعد خروج الوقت. والمقتصد : الذي يصلي في آخر الوقت. والسابق بالخيرات : الذي يصلي في أول الوقت. هل هذا هو ما تدل عليه الآية على وجه الشمول أو مثال من الأمثلة؟ هذا مثال من الأمثلة.
ولهذا فسرها بعضهم بأن الظالم لنفسه من لا يخرج الزكاة والمقتصد من يخرج الزكاة ولا يتصدق والسابق بالخيرات من يخرج الزكاة ويتصدق.
عمر رضي الله عنه لما فسر الطاغوت بالشيطان نقول هذا تفسير بالمثال وإلا فالطاغوت أعم من الشيطان الطاغوت أعم فالأصنام تعتبر من الطواغيت أو لا؟ كما قال الله تعالى : (( وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ )). وكذلك أيضا الأمراء أو العلماء الذين يضلون الناس يعتبرون طواغيت; لأنهم طغوا وزادوا وفعلوا ما ليس لهم به حق.