شرح قول المصنف : وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب , والنياحة على الميت ) . حفظ
الشيخ : " وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اثنتان في الناس هما بهم كفر ) " ( اثنتان في الناس )، اثنتان مبتدأ وسوغ الابتداء به وهو نكرة أيش ؟ التخصيص، أو يقال إنه مفيد للخصوص، ابن هشام رحمه الله قال: " إن جميع الفوائد التي قال ابن مالك: ولا يجوز الابتداء بالنكرة ما لم تفد "، قال: " إن فائدتها أن تكون دالة على العموم أو على الخصوص ".
وقوله: ( هما بهم كفر ) الباء هنا يحتمل أن تكون بمعنى مِن، يعني: هما منهم كفر، ويحتمل أن تكون بمعنى في، أي: هما فيهم، وقوله: ( كفر ) أي: هاتان الخصلتان كفر، ولا يلزم من وجود خصلتين من الكفر في المؤمن أن يكون كافرا، كما لا يلزم من وجود خصلتين في الكافر من خصال الإيمان أن يكون مؤمنا، فالشجاعة من الإيمان، والحياء من الإيمان، والكرم من الإيمان، فلو وُجدت هذه الثلاث في كافر يكون مؤمنا؟ لا، كذلك هاتان الخصلتان اللتان ذكرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لو وجدتا في الإنسان وهو مؤمن لا يلزم أن يكون كافرا، فقد يجتمع في المؤمن خصال كفر مع بقائه على أصل الإيمان، قال شيخ الإسلام رحمه الله : " بخلاف قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) فإنه هنا عبر بقوله: ( بين الرجل والكفر ) الدالة على الحقيقة، يكون الكفر المذكور في الحديث الأخير المراد به الكفر المخرج عن الإسلام، بخلاف أن يأتي كفر نكرة مطلق، فلا يدل على خروج الإنسان من الإسلام به ".
ما هما ؟ ( الطعن في النسب )، أيش معنى الطعن في النسب؟ يعني العيب فيه، أنه يعيب نسبه، يقول أنت وش أنت، أنت من القبيلة الفلانية، ما فيها خير، أو يقول أنت لست من القبيلة، ما لك أصل، لأنك لست قبيليا، هذا أيضا طعن في النسب.
ويقال إن واحد من الناس قال: هؤلاء الذين ليسوا من القبائل، هؤلاء ليسوا من بني آدم، أعوذ بالله، ليش؟ قال: لأنه بني آدم معروفين ينسبون إليه، هؤلاء ما ينسبون إليه، نقول: هذا هو الجهل.
الطعن في النسب سواء احتقرته أو نفيته عنه وقلت إنك ناقص بسبب إنك غير منسوب إلى القبائل، فإن هذا من الكفر، عمل كفري.
الثاني: ( النياحة على الميت )، وهذه الجملة هي الشاهد في الباب، النياحة يعني أن يبكي الإنسان على الميت بكاء على صفة النوح، يعني نوح الحمام، تعرفون نوح الحمام؟ لأن هذا والعياذ بالله يدل على ... وعدم الصبر، فهو مناف للصبر، الواجب فلهذا كان ..
الرضا في هذه الأمور لنا فيه نظران: النظر الأول، أيش؟ باعتباره قضاءً لله وفعلا له فيجب الرضا به، لأنه من تمام الرضا بالله ربا. والنظر الثاني باعتبار أيش؟ المقضي، فباعتبار المقضي هو ينقسم إلى قسمين: قسم يتعلق بالشرع، وقسم يتعلق بالكون يعني أمر كوني ما هو شرعي، فإن كان أمرا شرعيا فإن كان طاعة وجب الرضا به، وإن كان معصية حرم الرضا به، وإن كان مباحا فلا يتعلق به الرضا ولا عدمه، المباح مباح. وأما بالنسبة للمقدور إذا كان كونيا فالصبر واجب، والرضا مستحب، على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة، وبعض العلماء يرى أنه واجب، وسيأتي إن شاء الله في الحديث ما يدل على أحد القولين.
طيب، ذكرنا أيضا حال الإنسان باعتبار الأقدار المؤلمة كم حالة له؟
الطالب : ثلاثة.
الشيخ : وهي؟
الطالب : أن يرضى.
الشيخ : نعم.
الطالب : أن يتسخط.
الشيخ : نعم.
الطالب : وأن يصبر.
الشيخ : وأن يصبر، وفي بعد حالة رابعة؟
الطالب : الشكر.
الشيخ : أن يشكر.
الطالب : ...
الشيخ : وباللسان وبالجوارح، فهو يكون بالقلب، وأيش بعد؟ وباللسان وبالجوارح.
أما التسخط بالقلب فأن يسخط الإنسان على ربه ويغضب لماذا قدر كذا وكذا علي وما أشبه ذلك، وهذا قد يؤدي والعياذ بالله إلى الكفر، وهو كقوله تعالى: (( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ))، وكم من أناس والعياذ بالله صارت المصائب عليهم سببا للكفر. وأما التسخط باللسان فمثل الدعاء بالويل والثبور، وما أشبه ذلك، نعم، من الأقوال المحرمة.
وأما التسخط بالأفعال بالجوارح فمثل لطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك، وتكسير الأواني ، ولا ما يوجد؟ يوجد، يوجد من يكسر الأواني.
طيب، هذه كلها تسخط، فصار التسخط بالقلب والقول أيش بعد ؟ والفعل، أي نعم.
أما القسم الثاني وهو الصبر، الصبر كما قال الشاعر :
" الصبر مثل اسمه مر مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل"
يرى الإنسان الشيء هذا ثقيلا عليه، ويكرهه، لكنه يتحمله، فليس وقوعه وعدم وقوعه سواء عنده، ليس سواء، بل هو يكره هذا، ولكنه يحميه إيمانه من السخط، عرفتم ؟ واضح؟
طيب، الرضا أعلى من ذلك، أن يكون الأمران عنده سواء، يعني أصيب أو ما أصيب كله عنده واحد، لأنه رجل يسبح في القضاء والقدر، أيما ينزل به القضاء والقدر فهو نازل به، على سهل أو على جبل، ما يهم، فإن أصيب بنعمة أو أصيب بضدها الكل عنده سواء، لا لأن قلبه ميت، لكن لتمام رضاه بربه سبحانه وتعالى، يتقلب في تصرفات الرب عز وجل، ولكنه عنده سواء، لأنه ينظر إليها باعتبارها قضاء لربه، فلا يهمه، هذا واحد، هذا الفرق بين الرضا والصبر.
أما الشكر فأن يشكر الله على ما أصابه على المصيبة، وهذه درجة أو منزلة قد يقول القائل: أين يكون ذلك؟ وكيف يكون؟ فنقول: يكون في عباد الله الشاكرين، ويكون ذلك إذا عرف الإنسان أن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته، وربما لزيادة حسناته، قد تثمر هذه المصيبة في الإنسان حالات ليست له من قبل، بحيث ينيب إلى ربه ويرجع إليه، ويعرف قدر نفسه، ويعرف حكمة ربه، فيزداد بذلك إيمانا لم يكن عنده من قبل أن تصيبه هذه المصيبة، أليس كذلك؟ فهو يشكر الله عز وجل بما يحصل بهذه المصيبة من الثمرات العظيمة، ولو لم يكن منها إلا أنها تكفير للذنوب، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما يصيب المرء المؤمن من هم ولا غم ولا شيء إلا كفر له به عنه، حتى الشوكة يشاكها )، كل المصائب تكفير، هذه بدون استثناء، لكن هل هي فيها زيادة حسنات؟ إن قارنها شيء يستوجب زيادة الحسنات صار فيها زيادة حسنات، وإلا فإنها تكفير بكل حال.
أظن انتهى الكلام على الصبر على الأقدار، صارت أحوال الناس بالنسبة لأقدار الله كم؟ أربعة حالات، نعم.
المراتب أربعة كل واحدة أعلى من الثانية، ففهمنا الفرق، وهذا هو الذي يشكل على كثير من الناس، الفرق بين الرضا وبين الصبر، لأن بعض الناس ما يدرك الفرق بينهما، ولكن هذا هو الفرق، أن الصبر الإنسان يجد من نفسه كراهة لهذا الأمر لكنه حابس نفسه عن فعل ما يحرم، وأما الرضا فلا يؤثر شيئا على شيء، الكل عنده سواء، لكن لا ينافي هذا الحزن، أو لا يمنع الحزن والبكاء، وما أشبه ذلك، والإنسان قد يبكي مثلا لفقد محبوبه، وقد يبكي رحمة على ما يرى ويشاهد، مثل ما بكى عليه الصلاة والسلام حين ... إليه صبي فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: ( إنها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) فهذا لا شك أن الرسول بكى، لكن ما حزنا كما بكى على ابنه إبراهيم، إنما رحمة بهذا الصبي في هذه الحال الشديدة، نعم.
الطالب : ...
الشيخ : الله يثني عليه بالشكر أيضا، (( إنه كان عبدا شكورا )) يثني عليه بهذا وهذا.
الطالب : ...
الشيخ : الله أعلم، لكن يجوز أنه مثلا كرهوا هذا الأمر، لكن صبروا على ذلك يجوز، والإنسان قد تفوته بعض المراتب وله مراتب أخرى تكمل، الله أعلم، طيب نأخذ الدرس؟