وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء , وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم .... فمن رضي فله الرضا , ومن سخط فله السخط ) حسنه الترمذي . حفظ
الشيخ : وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء )، إن عظم مع عظم يعني يتقابل، ( عظم الجزاء مع عظم البلاء ) وكلما كان البلاء أشد وصبر الإنسان صار الجزاء أعظم وأكبر، لأن الله عز وجل عدلٌ، فإذا كان كذلك فإنه لا يجزي المحسن بأقل من إحسانه، فإذا عظم البلاء وصبر الإنسان عظم جزاؤه، وإذا خفّ خفّ الجزاء، ليست مثلا ليس الجزاء على الشوكة يشاكها كالجزاء على كف يكسره، أيهما أعظم؟ الكسر أعظم فيكون الجزاء أعظم، وليس فقد عشرة من المال كفقد مئة من المال، وليس فقد واحد من الأولاد كفقد اثنين من الأولاد مثلا، فعظم الجزاء من عظم البلاء، وهذا لا شك أنه دليل على كمال عدل الله عز وجل، وأنه لا يظلم.
( وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ) إذا أحب قوما ابتلاهم، شف قد يقول قائل: إن الأمر يقتضي العكس إذا أحب قوما أرضاهم، ولا لأ؟ مثل ما أنك الآن إذا أحببت أحدا أنعمت عليه، ولكننا نقول: الله حكيم جل وعلا، يبتليهم ثم بعد ذلك يعطيهم أكثر مما كان، ( فإذا أحب قوما ابتلاهم ) يعني اختبرهم بما يقدّر عليهم من الأمور الشرعية أو الأمور الكونية، حطوا بالكم، من الأمور الشرعية أو الأمور الكونية، ليس الإبتلاء بالأمور الكونية فقط كالأمراض وفقد الأموال والأهل وما أشبه ذلك، حتى الأمور الشرعية، انظر إلى قول الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: (( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك )) فذكّره بالنعمة وأمره بالصبر، لأن هذا الإنزال الذي أنزل الله عليه له تكليف يكلف به، فهذا من الابتلاء، كذلك إذا أحب الله قوما ابتلاهم يبتليهم بأمور تعترض لهم، لينظر هل يصبروا عن محارم الله، نعم، أو لا يصبروا، كما جاء في الحديث في ( رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ) هذا ابتلاء ولا لأ ؟ وش جزاؤه؟ يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فالابتلاء لا تظن أنه فقط في الأمور الكونية كالمصائب التي، في الأمور الكونية والأمور الشرعية، إذا أحبك الله عز وجل ابتلاك بشيء حتى يمحصك.
( فمن رضي فله الرضى ) من هذه شرطية، وجملة ( فله الرضا ) جواب الشرط، يعني: فله الرضا من أين ؟ من الله، وإذا رضي الله على شخص أرضى عنه الناس أيضا.
( ومن سخط فله السخط ) وظاهر هنا أن المراد بالسخط يعني ما يكون من المصائب القدرية الكونية، يعني كالذي يحصل على البدن أو على المال أو ما أشبه ذلك، وقوله ( ومن سخط فله السخط ) لماذا لم يقل فعليه، مع أن مقتضى السياق أن يقال فعليه، مثل قوله تعالى (( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ))؟ مثل هذا السياق يقول بعض العلماء إن اللام فيه بمعنى على، كقوله تعالى (( أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار )) لهم اللعنة يعني عليهم اللعنة. وقال بعض أهل العلم: لا، اللام على ما هي عليه، للاستحقاق ، فتكون أبلغ من على يعني كأنه استحق هذا يعني صار عليه السخط باستحقاق ولا لأ؟ باستحقاق، مثل ( أولئك لهم اللعنة ) حقت عليهم اللعنة باستحقاق ولا بغير استحقاق؟ باستحقاق، فهو أبلغ من قولهم عليهم اللعنة، وإن كان يعبر بعلى أيضا في مواضع أخرى (( أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )) وهذا أصح، أن اللام إذا دخلت على شيء يكون مقتضى السياق أن يعدى إليه الحكم بعلى فإن فيها فائدة أن هذا الشيء مستحق له، وأن اللام فيه للاستحقاق.
وفي هذا الحديث إثبات المحبة لله عز وجل وإثبات السخط وإثبات الرضا، ثلاث صفات، من صفات الأفعال أو الذات؟ من صفات الأفعال، لأن صفات الأفعال ضابطها: كل ما يتعلق بمشيئة الله، كل شيء يتعلق بمشيئته فهو صفة فعل، فمثلا إذا أحب قوما متعلقة بمشيئته ولا لأ؟ بمشيئته، إذا أحب، إذا للمستقبل، فإذن الحب يحدث فهو من الصفات الفعلية.
وها هنا مسألة وهي أن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدا هل هو يحبه من الأزل أو يحبه عند وجود سبب المحبة ويبغضه لو وجد سبب البغض؟
الطالب : ...
الشيخ : هذا هو الصحيح وهو موافق للمعقول، فحينئذٍ يكون هذا الشخص في يوم من الأيام يحبه الله، وفي يوم يبغضه الله عز وجل، نعم، لأن الحكم يدور مع علته.
وفيه أيضا إثبات الرضى لله وإثبات السخط، وهما صفتان فعليتان.
وقاعدة أهل التأويل في هذه الصفات الثلاث أنهم ينكرونها، يقولون إن الله ما يحب، وبعضهم يقول ولا يُحَب أيضا، يقولون إن الله تعالى لا يحب ولا يرضى ولا يسخط، لأن هذه الصفات تقتضي النقص ومشابهة المخلوق، وقد سبق مرارا وتكرارا الرد عليهم والحمد لله، وهم يؤولون مثلا المحبة والرضى بماذا؟ بالثواب أو إرادة الثواب، والسخط بالعقوبة أو إرادة العقوبة.
والصواب أن هذه صفات ثابتة لله عز وجل كسائر صفاته التي يثبتها من يتأول في هذه الصفات، ولكنها ثابتة لله على الوجه اللائق به، وأنه يجب علينا في كل وصفٍ وصف الله به نفسه يجب علينا فيه أمران: إثباته على حقيقته وظاهره، والأمر الثاني: الحذر من التكييف أو التمثيل.
كل شيء وصف الله به نفسه يجب عليك أن تثبته، هل أنت تحكم على الله أو الله هو الذي يحكم عليك ؟ الله هو اللي يحكم، كيف تقول الله ما يحب وهو أثبت لنفسه المحبة، كيف تقول ما يرضى وهو أثبت لنفسه أنه يرضى، كيف تقول لا يغضب وهو أثبت لنفسه أنه يغضب؟! أأنت أعلم بالله من الله ؟! كلا، إذن أثبت ما أثبته الله لنفسه، ولكن تبرأ من التكييف والتمثيل، وبهذا تسلم، فإذا وقفت بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، وقال ما الذي بلغك في كتابي أو على لسان رسولي أنني أحب وأنت تقول إنني لا أحب، وش جواب الإنسان؟ نعم؟ ما له جواب، ما له جواب، لأن الأمر واضح، كلمة صريحة واضحة لكن احذر من التمثيل أو التكييف وتسلم، وحينئذٍ تكون آخذا بالنصوص إثباتا ونفيا، (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )). نعم.