شرح قول المصنف : وفي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، إن أعطى رضى ، وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس . وإذا شيك فلا انتقش . حفظ
الشيخ : " وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار ) ".
يقال تَعِس ويقال تَعَس، ومعناه الخيبة، تعس يعني خاب، ولا مانع أن نقول: خاب وهلك.
وقوله: (( عبد الدينار )) أضافه إلى الدينار لأن الدينار هو النقد من الذهب، والدينار الإسلامي قيمته كم؟ مثقال، قيمته مثقال، وأضافه إلى الدينار لكونه جعله بمنزلة الرب، فأحبه حبا وصار لا ينظر ..
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضى ) إلى آخره.
هذا الحديث أراد به المؤلف رحمه الله في هذا الباب أن يبين أن من الناس من يعبد الدنيا، يعني: يتذلل لها ويخضع لها فتكون هي غايته ومناه، فيغضب إذا فقدت، ويرضى إذا وجدت، ولهذا سمى النبي عليه الصلاة والسلام من هذا شأنه سماه عبدا لها، فقال: ( تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم ) وهذا الذي يعتني بجمع المال، ( تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة )، هذا الذي يعتني بمظهره وأثاثه، إذ ليس له هم إلا هذا الأمر، فإذا كان هذا عابدا لهذه الأمور، لأنه خصص له جهوده وصرف له همته، فكيف بمن أراد بالعمل الصالح شيئا من الدنيا، فجعل الدين وسيلة للدنيا، يكون هذا أعظم وأشد.
ثم قال مبينا لوجه كونه عابدا لها ( إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط ) إن أعطي يحتمل أن يكون هذا إعطاء الله فيكون الإعطاء هنا قدريا، يعني: إن قدر الله له الرزق والعطاء رضي عن الله واطمأن وانشرح صدره، وإن منع وحرم المال فإنه يسخط بقلبه وربما يسخط بقوله، لماذا أنا كنت فقيرا وهذا الرجل غنيا وما أشبه ذلك، فيكون ساخطا على قضاء الله وقدره، لأنه سبحانه وتعالى منعه.
وليُعلم أن الله تعالى قد يعطي لحكمة وقد يمنع لحكمة، وهو سبحانه وتعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولكن لا يعطي الدين إلا من يحب، والواجب على المؤمن حقا أن يرضى بقضاء الله، إن أعطي شكر وإن منع صبر، ولا يكون من الذين إذا منعوا سخطوا وغضبوا.
ويحتمل أن يكون الإعطاء هنا يراد به الإعطاء الشرعي، فالمعنى أنه إذا أعطي مما يستحق إعطاءه من الأموال الشرعية رضي واطمأن، وإن لم يعط سخط. وكلا المعنيين حق، وكلتا الحالين تدل على أن هذا الرجل لا يرضى إلا بمال ولا يسخط إلا لمال، فلهذا سماه الرسول صلى الله عليه وسلم عبدا له.
ثم قال: ( تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش ) تعس بمعنى خسر وهلك، وانتكس يعني انتكست عليه الأمور بحيث لا تتيسر له، فكلما أراد شيئا انقلب عليه الأمر على خلاف ما يريد، ولهذا قال: ( إذا شيك ) أي أصابته شوكة، ( فلا انتقش ) أي: لم يستطع أن يزيل ما يؤذيه عن نفسه. وهذه الجمل الثلاث ( تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش ) يحتمل أن تكون خبرا يخبر به النبي عليه الصلاة والسلام عن حال هذا الرجل بأنه في تعاسة وانتكاس وعدم خلاص من الأذى، ويحتمل أن يكون من باب الدعاء، بأن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا على من هذه حاله لا يهتم إلا للدنيا دعا عليه أن يهلك ولا يصيب من الدنيا شيئا، وأن ينتكس بحيث لا يتمكن من إزالة ما يؤذيه، نعم؟
السائل : ...
الشيخ : قد يصل إلى الشرك، أو قد يصل إلى الشرك، إذا صده ذلك عن طاعة الله حتى أصبح لا يرضى إلا بمال ولا يسخط إلا له فقد يصل إلى الشرك، نعم.
السائل : ...
الشيخ : ما في دليل على الشرك، لأن الشيء قد يكون عبدا بمعنى التذلل لهذا الشيء، كونه يكون مبلغ علمه ومنتهى غايته.