شرح قول المصنف :وقوله (......إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع ) . حفظ
الشيخ : ثم قال: ( إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع ) يعني: هو عند الناس ليس له جاه ولا شرف، حتى إذا استأذن لا يؤذن له، ولا يؤبه له، لكنه عند الله وجيه، لأنه مقاتل في سبيل الله، قائم بأمر الله، قانع بما قدر الله له، كذلك إن شفع لم يشفع، لماذا؟ لأنه ليس له مرتبة عند أهل السلطة وولاة الأمور فلا يهتمون له، لكن هو في الحقيقة عند ربه له منزلة عالية. فيستفاد من هذا الحديث أن الناس ينقسمون إلى قسمين: قسم لا هم له إلا الدنيا قد استعبدت قلبه حتى أشغلته عن ذكر الله وعن عبادة الله، ولم يكن له هم إلا الدنيا، سواء كان ذلك يعود إلى تحصيل المال أو إلى تجميل المحالّ، الخميصة والخميلة ثياب الإنسان وفراش الإنسان، وأما الدرهم والدينار فهو المال، هذا قسم. القسم الثاني على العكس من ذلك، أكبر همه الآخرة فهو يسعى لها في أعلى ما يكون مشقة على النفوس وهو الجهاد في سبيل الله، ومع ذلك فهو قد أدى ما يجب عليه من جميع الوجوه.
ويستفاد منه أيضا: بيان أن هذا الذي ليس له هم إلا الدنيا قد تنقلب عليه الأمور، وتنعكس عليه، ولا يستطيع الخلاص من أدنى أذية، وهي الشوكة يشاكها، ما يستطيع الخلاص منها، بخلاف الإنسان الحازم الذي لا يهتم بالدنيا وإنما يريد الآخرة، ولا ينسى نصيبه من الدنيا، فهذا هو الذي يقنعه الله بما قدر له.
ويستفاد من هذا الحديث أنه ينبغي للمجاهد في سبيل الله أن لا يكون همه المراتب الدنيوية، بل يكون همه القيام بما يجب، إما حارسا، وإما في الساقة، وإما في القلب، وإما في المجنبتين، المهم أن يكون حيث وضع حسب ما تقتضيه المصلحة.
ويستفاد من هذا الحديث أن دنو مرتبة الإنسان بالمال لا تستلزم أن يكون داني المرتبة عند الله عز وجل، فمثل هذا الرجل الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام طوبى له هو إن شفع لم يشفع، وإن استأذن لم يؤذن له، ولم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام إن سأل لم يعط، لأن هذا الرجل لا يبالي، لا تهمه الدنيا حتى يسألها، لكنه يهمه الخير، يشفع للناس ولكن لا يشفع، ويستأذن للدخول على ذوي السلطة للمصالح العامة ومع ذلك لا يؤذن له.