شرح قول المصنف : قوله :( وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ). حفظ
الشيخ : (( وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ))، هذه الآية اختلف المفسرون فيها على ثلاثة أقوال، قال قوم: قل لهم في أنفسهم، (( في أنفسهم )) جار ومجرور متعلق ببليغا، قل لهم قولا بليغا في أنفسهم، أي: يبلغ في أنفسهم ما يبلغ من التأثير، نعم. وقال بعضهم: إن هذا لا يصح، لأنه يلزم منه أن الصفة تبلغ بما سبقها وهذا لا يصح، وقال بعضهم: المعنى قل لهم في أنفسهم قولا بليغا، يعني فيما بينك وبينهم، يعني: انصحهم سرا. وقال آخرون: قل لهم في أنفسهم أي في شأنهم وفي حالهم قولا بليغا أي يبلغ قلوبهم ويؤثر فيها.
والبليغ بلاغة القول تكون بأمور، منها: أن يكون مشتملا على البلاغة والفصاحة، كما يقال: هذا قول بليغ. ومنها: أن يكون جزلا فخما مؤثرا، بمعنى أن كلماته قوية مترابطة محددة، هذا أيضا يكون بليغا لقوة تأثيره. ويكون بليغا أيضا من حيث هيئة المتكلم، فإن المتكلم إذا كان يتكلم بموت وانخفاض ما يؤثر، لكن إذا كان يتكلم بحماس وقوة يؤثر. ( كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ). أحيانا يتكلم بعض الناس أمامك بكلام حماسي تحس كأن شيء يشيلك بس ودك تمشي على طول، هذا بليغ ولا غير بليغ؟ هذا بليغ مؤثر، وأحيانا يأتي واحد يتكلم وما شاء الله لو ما تنام جاءك النوم، هذا بليغ ولا غير بليغ؟ لا هذا ...، هذا ليس ببليغ.
فالمهم أن البلاغة بلاغة القول تكون بأمور ثلاثة الآن، ما هي؟ ... عشان ما يفهم، بماذا تكون؟
أولا: بهيئة المتكلم، بأن يكون إلقاؤه للكلام على وجه مؤثر وبالغ.
ثانيا: أن تكون ألفاظه جزلة فخمة مترابطة محددة الموضوع، ما يقعد مثلا يخوض في كل واد، لكن محددة مؤثرة.
الثالث: أن يبلغ من الفصاحة غايتها بحسب الإمكان، لكن أظن أن بعض الناس قد يكون عنده جزالة ألفاظ وحسن تعبير وترتيب في الكلام وكذلك أيضا قوة اندفاع في الكلام وحماس، ولكنه إذا كان إلى جانبه سيبويه يكاد يقوم فرارا من سماعه، لماذا؟ باللحن العظيم، هذا يؤثر على العامة لا شك، لأن العامي ما يدري، لكن طالب العلم يضيّق صدره هذا، ولهذا قلنا إنه لا بد في بلاغة القول أن يكون مشتملا على البلاغة وسلامة التركيب وموافقة القواعد، وأظن هذا واضحا جدا فيما لو قام بعض الناس يقوم وهو عامي، عامي ما عنده شيء، ويتكلم بكلام جزل وفصيح وباندفاع وقوة وحماس فتجده يؤثر في قلوب الناس، لكن إذا كان عنده طالب علم يضيق صدره، لو تأثر وعرف أن الموضوع جيد وجزل، لكن يضيق صدره من جهة اللحن العظيم.
يقول لي واحد حضر مجلسا يتكلم فيه الإخوان أهل جماعة التبليغ، فقام واحد منهم، وكان لهم تأثير في الواقع الجماعة هؤلاء، فقام يتكلم فأثر، لكن بدأ يرفع المنصوب وينصب المرفوع، ويجر المرفوع، وما أشبه ذلك، يخبط خبط عشواء، في واحد جالس يعرف النحو، وذاك كل ما تكلم كلمة فيها خطأ لم رأسه هكذا.
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم، فلما انتهى قال جزاك الله خير، هذه موعظة مفيدة ولكنك في الحقيقة أكثرت اللحن، ماذا قال له هذا المبلغ؟ قال: الله يجزاك الخير بعد أنت اللي أهديت إلي عيوبي وبينت أني ضعيف وأني ما أقدر، فالآن عرفتني بنفسي، ولكن جزاك الله خير قم أنت وتكلم، يقول فقام هذا الرجل يتكلم، لكن ذاك أخطأ في ستة أسطر في ستة مواضع، وهذا أخطأ في ستة أسطر في اثني عشر موضعا.
الطالب : ...
الشيخ : نعم، الناقد، يقول لحن أكثر من ذاك، وهذا غريب، والناس يقولون: لا تعير الناس فيعيروك. الغالب أن الإنسان اللي ينتقد الناس لأجل الانتقاد لا لأجل الإصلاح، الغالب أنه يخطئ، يكون الانتقاد عليه أكثر، فكل إنسان منا يعرف نفسه.
المهم يقول الله عز وجل: (( فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا )) شف الله عز وجل يرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى هذه التوجيهات العظيمة، (( أعرض عنهم )) احتقارا وامتهانا، (( عظهم )) إقامة للحجة عليهم، (( قل لهم في أنفسهم قولا بليغا )) من أجل لعل الله أن يهديهم ويتأثروا بهذا، وكم من منافق تاب وتاب الله عليه، ولهذا قال تعالى: (( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما ))، يقول شيخ الإسلام رحمه الله في هذه الآية : " تنطبق تماما على أهل التحريف والتأويل في صفات الله " لأن هؤلاء المعطلة لا شك أنهم يؤمنون بالله والرسول، ولا لأ؟ ويقولون ذلك، إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول يصدون ويعرضون، ويقولون: نذهب إلى فلان وفلان الشيخ الفلاني والعالم الفلاني، إذا عثر عليهم يقولون نحن نريد الإحسان والتوفيق وأن نجمع بين دلالة العقل وبين دلالة السمع اللي هو النقل، فيدّعون أنهم بتأويلهم هذا وتحريفهم جمعوا بين الدلالتين بين النقل والعقل، ذكر رحمه الله في " الفتوى الحموية " أن حال هؤلاء المعطلة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه تباعا لزعمائهم أنهم يشبهون من قال الله فيهم: (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك )) إلى آخره، فالأمر خطير ومسألة التحاكم إلى الله ورسوله .. (( فلا وربك لا يؤمنون)) ..
(( لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون )) مناسبة هذا الباب للذي قبله أظنها واضحة، الأول في الحكم بغير ما أنزل الله، والثاني في أن من حكم بغير ما أنزل الله فدعواه الإيمان كذب، فمناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة، نعم.