شرح قول المصنف : وقوله : (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون )) وقوله : (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) حفظ
الشيخ : يقول: وقول الله تعالى: (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون )).
الإفساد في الأرض نوعان، أحدهما: الإفساد الحسي المادي، وذلك بهدم البيوت وإفساد الطرق وما أشبه ذلك مما يفعله بعض الرعاع من الناس الذين يدعون أنهم بذلك مصلحون، وهم مفسدون بلا شك، هم مفسدون، وإلا فما ذنب البيوت، وما ذنب الطرق، وما ذنب الأبرياء حتى تهدر كرامتهم؟ فهؤلاء الذين يدعون أنهم مصلحون هم في الحقيقة مفسدون.
والنوع الثاني من الإفساد: الإفساد المعنوي، يعني: فعل ما يحصل به الفساد، وذلك بالمعاصي، فإن المعاصي من أكبر فساد الأرض، قال الله تعالى: (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ))، وقال تعالى: (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) هذا يشمل إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض يشمل المعنيين جميعا.
والإفساد في الأرض بالمعنى الأول كثر في الآونة الأخيرة، وذلك بإلقاء القنابل وغيرها مما يدمر أبرياء، فإذا قيل لماذا؟ قالوا إنما نحن مصلحون، وهم في الحقيقة مفسدون، كما قال الله عز وجل.
كذلك الإفساد في الأرض بالمعاصي كثير، فإن المعاصي سبب للبلاء والشر والفساد، قال الله تعالى: (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ))، وقال في أهل الكتاب: (( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم )).
المهم أن الفساد في الأرض هذا النوع الثاني وهو فعل ما يكون سببا للفساد، وذلك بالمعاصي، والمعاصي ..
شف هذه الدعوة الباطلة من أبطل الدعاوى، ما قالوا نحن مصلحون فقط، يعني عندنا إصلاح، بل قالوا: ما نحن، أي: ما حالنا وما شأننا إلا الإصلاح، فقال الرب عز وجل: (( ألا إنهم هم المفسدون )) قابل حقهم بأعظم منه، ألا أداة الاستفتاح التي تفيد التنبيه والتوكيد، إنهم إن للتوكيد هم للتوكيد، والجملة جملة اسمية تفيد التوكيد، فأكدت بأربع مؤكدات، وهي: ألا، وإن، وهم ضمير الفصل، والجملة الاسمية، إنهم المفسدون، كل هذه الأنواع، أربع من المؤكدات أكد الله عز وجل أن هؤلاء الذين يفسدون في الأرض ويدعون الإصلاح هم المفسدون لا غيرهم. طيب، مناسبة هذه الآية للباب، الباب في دعوى من يزعم أنه مؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ويريد أن يتحاكم إلى الطاغوت فيحكم بغير ما أنزل الله، مناسبة هذه الآية للباب أن الحكم بغير ما أنزل الله من أكبر أسباب الفساد في الأرض، وما فسدت الأمم إلا بتحكيم غير شريعة الله، فمناسبتها إذن ومطابقتها للباب ظاهران، نعم.
ويقول: وقوله: (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) المعنى لا تفسدوها بالمعاصي، ولا بالتدمير المادي الحسي، فهو شامل للنهي عن الفسادين بنوعيهما كما سبق.
وقوله: (( بعد إصلاحها )) أي بعد إصلاحها من قبل من؟ من قبل المصلحين الذين أصلح الله بهم الأرض، فمن ذلك القيام ضد دعوة أهل العلم، القيام ضد دعوة السلف وأهل السنة والجماعة، القيام ضد من ينادي بأن يكون الحكم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كل هذا من الفساد في الأرض بعد إصلاحها.
طيب، أما الفساد في الأرض بعد إفسادها بأن نزيد الفساد فسادا فلا بأس به؟
الطالب : لا.
الشيخ : كيف؟ (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ))، هاه؟
الطالب : هذا أقوى.
الشيخ : هذا من باب زيادة التوبيخ واللوم لهم، لأن الإصلاح إصلاح، ما أحد يذهب يقاوم هذا الإصلاح إلا من كان شرير الطبع فاسد السريرة، أحد يقاوم الإصلاح ويريد أن ينقلب إلى إفساد؟ لا، إلا خبيث الطوية شرير النفس، هذا يمكن يكون، فلهذا ذِكر قوله: (( بعد إصلاحها )) من باب تأكيد اللوم والتوبيخ عليهم، لأن هذا أمر لا ينبغي، كيف تفسد الصالح؟ هذا غاية ما يكون من الوقاحة وغاية ما يكون من الخبث والشر، لكن شيء فاسد يمضي الإنسان في فساده أهون وإن كان المطلوب من الجميع أن يصلحوا بعد الفساد، لكن الإفساد بعد الإصلاح أعظم وأشد.
هل لهذه الآية مناسبة في الباب؟ نعم، لأن الحكم في الأرض بما أنزل الله إصلاح بلا شك، وإرادة الحكم بغير ما أنزل الله إفساد، نعم.