شرح قول المصنف : وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس : ( أنه رأى رجلاً انتفض لما سمع حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات - استنكاراً لذلك - فقال : ما فرق هؤلاء ؟ يجدون رقة عند محكمه ، ويهلكون عند متشابهه ) انتهى . حفظ
الشيخ : انتفض وشلون الانتفاض؟ اهتزاز الجسم، والرجل هذا مبهم لم يبين، والصفة التي حُدث بها أيضا لم تبين.
المهم ليس شخص الرجل وليس عين الصفة التي حُدث بها، المهم الأثر الذي تركه هذا الحديث، لما سمع انتفض، انتفض لا تعظيما لله عز وجل، ولكن استنكارا لهذا، استنكارا له، يعني إنكارا لهذه الصفة، ما هو قابلها، وهذا أمر عظيم صعب، لأن الواجب على المرء إذا صح عنده شيء عن الله ورسوله وش الواجب عليه؟ الإقرار به والتصديق وأن لا ينكره، حتى لو ما سمعه، وحتى لو تصور أنه أمر عظيم، يجب عليه أن يقبل ويسلم ويكون طريقه طريق الراسخين في العلم.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ( فقال ما فَرَقَ هؤلاء ) ما فرق، وفي رواية ( ما فَرَقُ ) وفي رواية ( ما فرّقَ هؤلاء ). أما على ما فَرَق وما فَرَقُ، على رواية الضم تكون ما استفهامية، وفَرَقُ بمعنى خوف، يعني ما خوف هؤلاء من إثبات الصفات التي تليت عليهم وبُلغت، ليش يخافون؟ لماذا لا يثبتونها لله عز وجل كما أثبتها الله لنفسه أو أثبتها له رسوله عليه الصلاة والسلام، وهذا ينصب تماما على أهل التعطيل على أهل التعطيل والتحريف اللي ينكرون معنى اليد مثلا يقولون ما نثبت يد، لأن هذا تمثيل، فيقال: سبحان الله العظيم وش اللي يخوفكم من إثباتها، والله تعالى قد أثبتها لنفسه، وش اللي يخوفكم من إثبات الرحمة والله أثبتها لنفسه، وش اللي يخوفكم من إثبات الوجه والله أثبته لنفسه، وهكذا، وش اللي يخوفكم؟ التمثيل؟! اقرأوا قوله تعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وقولوا: نؤمن بإثبات هذه الصفة بدون تمثيل، وحينئذٍ لا خوف. إذن ما فرقُ معناه ما خوف، كقوله تعالى (( إذا هم يفرقون )) أيش معنى يفرقون؟ يخافون.
طيب، أما على رواية فرّق أو فرق فرقه بمعنى فرّقه، كقوله تعالى (( وقرآنا فرقناه )) يعني: فرّقناه، ففَرق وفرّق بمعنى واحد، على هذه الرواية فرّق - يرحمك الله - وفرق تكون فرق هذه فعلا ماضيا، هاه؟ فعلا ماضيا، وما يحتمل أن تكون نافية ويحتمل أن تكون استفهامية، على كونها نافية فالمعنى ما فرّق هؤلاء بين الحق والباطل، يعني: لم يفرقوا بين الحق والباطل، فجعلوا هذا من المتشابه وأنكروه ما حملوه على المحكم. ويحتمل أن تكون ما استفهامية يعني: أي شيء فرّقهم أو أي شيء فرقهم وجعلهم يؤمنون بالمحكم ويهلكون عند المتشابه.
والخلاصة أن في هذه اللفظة ثلاث روايات: فرَق وفرّق وفرقُ، على رواية فرقُ تكون ما مبتدأ، وفرقُ خبر المبتدأ، يعني: ما خوفهم، أي شيء يخيفهم إذا أثبتوا لله ما أثبته لنفسه. وعلى رواية فرقَ وفرّق تكون فرقَ وفرّق فعلا ماضيا، وما يحتمل أن تكون استفهامية ويحتمل أن تكون نافية، وأيا كان فإنها تدل على الذم لهؤلاء، تدل على ذمهم، أن ابن عباس رضي الله عنه ذمهم على هذه الحال التي هم عليها، قال: ( يجدون رقّة عند محكمه ) ( يجدون رقة ) الرقة معناه اللين والقبول، ( عند محكمه ) أي محكم القرآن، ( ويهلكون عند متشابهه ) عند متشابهه أي متشابه القرآن، فما هو المحكم وما هو المتشابهة ؟ المحكم هو الذي اتضح معناه وتبين، هذا نسميه محكما، والمتشابه هو الذي يخفى معناه، ما يعلمه الكل ما يعلمه الناس، والمتشابه نرجع إليه إن شاء الله، المحكم إذن أيش معناه؟
الطالب : ما اتضح معناه.
الشيخ : ما اتضح معناه، والمتشابه؟
الطالب : ...
الشيخ : ما خفي معناه، وهذا إذا جمع بين المحكم والمتشابه، إذا جمع بين المحكم والمتشابه صار المحكم ما اتضح معناه، والمتشابه ما خفي معناه، فأما إذا أفرد المحكم، أو أفرد المتشابه، إذا أفرد المحكم أو أفرد المتشابه فإن المحكم معناه المتقن الذي ليس فيه خلل، لا كذب في أخباره ولا جور في أحكامه، حطوا بالكم، إذا أفرد المحكم ولم يذكر معه المتشابه، فما المراد بالمحكم؟ المتقن الذي ليس فيه خلل لا كذب في أخباره، ولا أيش؟ جور في أحكامه، كما قال تعالى: (( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا )) وقد ذكر الله تعالى الإحكام في القرآن دون المتشابه في عدة آيات، مثل قوله تعالى: (( تلك آيات الكتاب الحكيم )) كذا يا عبد الرحمن؟ وكما في قوله تعالى: (( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت )) فوصف الله القرآن كله بأنه محكم، بهذا المعنى يكون محكم أي متقن ليس فيه خلل، لا كذب في الأخبار، ولا جور في الأحكام.
وإذا ذكر المتشابه دون المحكم صار المعنى أنه يشبه بعضه بعضا في جودته وكماله، إذا ذكر الله المتشابه فقط ولا ذكر معه المحكم، صار المراد به أن بعضه يشبه بعضا في الكمال والجودة، ويصدّق بعضه بعضا، ولا يتناقض، مثاله قوله تعالى: (( الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني )) (( كتابا متشابها )) يعني يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة ويصدق بعضه بعضا ولا يتناقض (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ))، وهذا كقوله تعالى في ثمار أهل الجنة، في ثمر الجنة يقول (( وأتوا به متشابها )) يعني يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة وإن كان يختلف من بعض الوجوه.
إذن القرآن وصف مرة بأنه محكم دون أن يقرن بالمتشابه، ومرة بأنه متشابه دون أن يقرن بأنه محكم، ومرة بأنه محكم مقرون بالمتشابه، كذا ؟ طيب، الأول المحكم بدون أن يقرن بالمتشابه أي، مصطفى؟
الطالب : ...
الشيخ : طيب، والمتشابه ما خفي معناه، نعم. صار هذا المحكم والمتشابه.
والتشابه نوعان: نوع تشابهه نسبي، ونوع تشابهه مطلق، نوع تشابهه مطلق، والنوع الثاني تشابهه نسبي، وش الفرق بين المطلق والنسبي؟ المطلق الذي يكون متشابها لكل أحد، كل أحد ما يعرفه خافيا عليه، والنسبي هو الذي يخفى على ناس دون ناس، يكون بعض الناس ما يشتبه عليهم، وبعض الناس يشتبه عليهم، حطيتوا بالكم ؟
طيب، بناء على هذا على تقسيم المتشابه إلى متشابه تشابها مطلقا ومتشابه تشابها نسبيا، على هذا ينبني الوقف في قوله تعالى: (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) فعلى الوقف (( إلا الله ))، يكون المراد بالمتشابه التشابه المطلق اللي ما يعلمه أحد، نعم، هذا لا يعلم أحد تأويله، وعلى الوصل (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) يكون هذا التشابه النسبي.
وللسلف في هذه الآية للسلف فيها قولان: قول بالوقف على قوله: (( إلا الله )) وهذا هو الذي عليه أكثر السلف، هو الذي عليه أكثر السلف، يقفون على قوله: (( وما يعلم تأويله إلا الله ))، وعلى هذا فالمتشابه هنا التشابه المطلق اللي ما يمكن أحد يعرفه، ما يعلم تأويله إلا الله، مثل أيش؟ قال العلماء مثل
الطالب : ...
الشيخ : لا، ما هو مثل صفات الله، مثل كيفية صفات الله، وحقائق صفات الله، وحقائق ما أخبر الله به من نعيم الجنة ومن عذاب النار، هذه الحقائق ما ندركها نحن، كل أحد ما يدركها، أو لا؟ هل أنت تدرك الآن طعم الفاكهة اللي في الجنة والنخل والرمان؟ ما تدرك هذا، ولا تدرك حقيقته، ولهذا قال ابن عباس: ( ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء ). طيب، (( سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم )) نعرف أن الماء الحميم يعني الماء الحار، لكن ما نتصور حرارة ماء النار والعياذ بالله، ما نتصور هذه الحرارة، الحرارة ما لها نظير في الدنيا، لأن ( نار الآخرة فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءً )، إذن هذا من المتشابه أيش؟ المطلق الذي لا يعلمه إلا الله.
وأما على قراءة (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) فالمراد بالتشابه التشابه النسبي، وهذا يعلمه الراسخون في العلم، ويكون على غيرهم مشتبها، ولهذا يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله ) ما قاله مدحا لنفسه أو ثناء على نفسه، ولكن قاله ليعلم الناس أنه ليس في كتاب الله شيء لا يعرف معناه، فالمعنى معاني القرآن كلها بينة، لكن بعض القرآن يشتبه على ناس، ويتضح لأناس آخرين، وهذا صحيح ولا لأ؟ صحيح، حتى العلماء الراسخون في العلم أحيانا يختلفون في معنى القرآن، أليس كذلك؟ وهذا يدل على أنه خفي على بعضهم، لأن الصواب بلا شك قول أحدهم إذا كانت الأقوال متضادة، أما إذا كانت الأقوال مختلفة اختلاف تنوع فإنه لا تضاد بينها، لكن أحيانا يكون آراء المفسرين تختلف اختلافا ضديا، يعني بعضها ضد بعض ما يمكن يجمع بينها، فهذا لا شك أن الصواب مع أحدهما إذا كانت الآية لا تحتمل المعنيين، فإن كانت تحتمل المعنيين كما سبق فإنها تحمل عليهما جميعا، والحاصل، نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : على القول بأن المتشابه هو الذي لا تعلم حقيقته، يكون ما يعلمه إلا الله، وموقف الراسخين منه أنهم يؤمنون به، (( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا )) لا المحكم البين ولا الخفي، يؤمنون به، وأما على قراءة الوصل (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) فهي أيضا واضحة جلية، أن الراسخين في العلم يؤمنون به، يعلمون معناه ويقولون آمنا به كل من عند ربنا فلا تناقض فيه، لأن أهل الزيغ يأتون بالمتشابه لأجل يصدون الناس ويوقعونهم في التشكيك. مثال ذلك: في آيات ظاهرها التعارض، أهل الزيغ يأتون بهذه الآيات المتشابهات، وش لازم؟ لإيقاع الفتنة والصد عن سبيل الله والتشكيك في القرآن. مثلا قال الله تعالى: (( يؤمئذٍ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )) يقرون ولا ينكرون؟ (( ولا يكتمون الله حديثا )) يقرون، وفي آية أخرى: (( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين )) أقروا ولا أنكروا؟ أنكروا، يأتي واحد من الطاعنين ويقول تعالوا يا جماعة شوفوا القرآن متناقض، أو لا؟ ربما يلبس على عامة الناس، لكن الراسخين في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا فلا تناقض فيه، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، ما يتناقض، فالناس يوم القيامة لهم أحوال، ويوم القيامة ما هو بلحظة (( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )) يمكن ساعة يقرون وساعة ينكرون حسب ما يظنون أن ذلك ينفعهم.
يأتي واحد أيضا يقول تعال القرآن يقول (( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) صح؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ويقول (( وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله )) شلون هذا؟ الزائغون يقولون هذا يوردون هذه الأشياء، أليس كذلك؟ طيب وش نقول؟ الراسخون في العلم يقولون نحن نعلم وجه هذا القول، كل من عند ربنا فلا تناقض فيه، كيف ذلك؟ يقولون ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك أي أنك أنت سببها، لقوله تعالى (( وما أصابك من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ))، وأما (( وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن نصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله )) فهذا في رد قول المشركين أنك يا محمد ليس لك دخل في إصابتهم بالنكبات، النكبات من أين؟ من الله، أنت ما لك دخل، وهذا كقوله تعالى: (( قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله )) ما هو مني ما أصابكم من الجدب وغيره ليس مني أنا ، واضح؟ وهكذا يتبع أهل الزيغ ما تشابه من القرآن، يقول لك: إن الله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم (( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ))، وفي آية أخرى يقول: (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) متشابه، أليس كذلك؟ أهل الزيغ يتبعون هذا، وأهل الحق الراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا ويؤمنون به، ويحملون كل واحد على وجه لا يخالف الآخر، (( فإنك لا تهدي من أحببت )) هداية توفيق، وإنما هداية التوفيق بيد من؟ بيد الله، (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) هذه هداية الدلالة.
يأتي صاحب الزيغ أيضا يقول إن الله يقول: (( بل يداه مبسوطتان )) فأثبت أن له يدين، صح؟ ولكنه يقول: (( ليس كمثله شيء )) فأثبت أنه لا مثيل له، كيف يثبت يد وفي آية يقول ما له مثيل، هذا تناقض، ولذلك لما اتبعوا المتشابه وش قالوا؟ قالوا: ليس لله يد، فأنكروا اليد بناء على هذه الشبهة التي حصلت لهم، واضح؟ والراسخون في العلم يقولون أبدا هذا لا يتناقض، كل من عند ربنا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، ونحن نقول: لله يدان لكن لا تماثل أيدي المخلوقين، كما أن المخلوقات بعضها مع بعض لا تتماثل مع اتفاقها في الاسم أو لا؟ نقول لهذا الرجل الذي أورد علينا هذه الشبهة تعال يا رجل هل عندك هر؟ هو عنده هر ونعرف أن عنده هر في البيت، فسيقول نعم، طيب هل لهرك يد؟ فسيقول نعم، هل يد هرك كيدك؟ سيقول لا، فنقول: إذا كان هذه تختلف مع أنها مخلوقات يختلف بعضها مع بعض وهي مخلوقات كلها فما بالك بالفرق العظيم بين الخالق والمخلوق، وهكذا نقول في بقية الآيات المتشابهات، نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : والذرة لها يد والجمل له يد، نعم.
المهم على كل حال أن الآية تحتمل المعنيين ولا شك، تحتمل المعنيين أن المراد بالمتشابه المتشابه تشابها مطلقا، وحينئذٍ يكون الوقف على أيش؟ على الله، وما يعلم تأويله إلا الله، ويراد بالمتشابه المتشابه النسبي الذي يخفى على بعض دون بعض، وحينئذٍ يكون الوقف على أيش؟ يكون على الراسخين في العلم ويوصل.
واعلم أن بعض أهل العلم رحمهم الله من المحققين يظنون أن في القرآن ما لا يمكن الوصول إلى معناه، يعني فيكون من باب التشابه المطلق، ثم يحملون آيات الصفات على ذلك، ويقولون: إنها من المتشابه، فلا يعلم تأويلها إلا الله، وهم في ذلك أخطأوا خطأ عظيما، لأنه ليس من المعقول أن الله يقول: (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته )) كتاب ليدبروا آياته إلا آيات الصفات؟ هاه؟ إلا آيات الصفات، تستثنى أو ما تستثنى؟
الطالب : ...
الشيخ : ما تستثنى، (( ليدبروا آياته )) وآيات الصفات كثيرة في القرآن، أكثر من آيات الأحكام، وهي أعظم وأشرف وأوجب من آيات الأحكام، فإذا قلنا: إن آيات الصفات ما يعرف معناها معناه نصف القرآن وأهم ما في القرآن يكون معناه خفيا، ويكون معنى ليدبروا آياته محصورا على آيات الأحكام فقط، وهذا أمر لا يمكن أن يقوله عاقل يتصور ما يقول، بل نقول: إن القرآن كله يفهم معناه، ما فيه شيء ما يفهم معناه، أبدا، ليس فيه شيء لا يفهم معناه، ولكن الخطأ في الفهم، قد يقصر الفهم عن إدراك المعنى فلا يدركه، هذا ممكن ولا لأ؟ وقد يفهمه على معنى خطأ، وهذا ممكن، أما أن نقول: كل الأمة من رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى آخر واحد من هذه الأمة لا يفهم معنى القرآن، فهذا شيء لا يمكن يقوله عاقل يتصور ما يقول، على رأيهم يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان والصحابة جميعا يقرؤون هذه الآيات آيات الصفات وهم ما يفهمون معناها، عندهم بمنزلة الحروف الهجائية بمنزلة ألف باء تاء ثاء إلى آخره، هذا ما هو معقول، ولذلك الصواب بلا شك أنه ليس في القرآن شيء يكون معناه متشابها تشابها مطلقا على جميع الناس، أما حقائقه فنعم، حقائقه مشتبهة على جميع الناس، لأن هذه الحقائق ما تدرك إلا بأن يخبر عنها أو أن يتوصل الإنسان إليها بنفسه فيدركها يوم القيامة مثلا، نعم.
الطالب : وش معنى الآية: (( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت )).
الشيخ : الإحكام بمعنى الإتقان، وثم هذه للترتيب الذكري، يعني أحكمت وفصلت، هذا المعنى، وقد يتبادر منها أن أحكمت يعني أجملت لأنه قال: (( ثم فصلت ))، ولكن المعنى أنها أتقنت مع التفصيل، نعم.
الطالب : ... تكون فقط محصورة على ...
الشيخ : نعم الحقائق هي المطلقة، الحقائق المطلقة.
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم، نعم نعم، إذا حملنا التشابه على التشابه المطلق نقف.
الطالب : ... (( وما يعلم تأويله )) التأويل هو التفسير؟
الشيخ : لا لا، التأويل يطلق على معنيين : تأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول إليه، كما في قوله تعالى (( هل ينظرون إلا تأويله )) وكما في قول يوسف لما سجدوا له أيش قال؟ (( هذا تأويل رؤياي )) يقولون هذا التأويل يعني هذه الحقيقة التي ... ما هو بتفسيرها.
المهم ليس شخص الرجل وليس عين الصفة التي حُدث بها، المهم الأثر الذي تركه هذا الحديث، لما سمع انتفض، انتفض لا تعظيما لله عز وجل، ولكن استنكارا لهذا، استنكارا له، يعني إنكارا لهذه الصفة، ما هو قابلها، وهذا أمر عظيم صعب، لأن الواجب على المرء إذا صح عنده شيء عن الله ورسوله وش الواجب عليه؟ الإقرار به والتصديق وأن لا ينكره، حتى لو ما سمعه، وحتى لو تصور أنه أمر عظيم، يجب عليه أن يقبل ويسلم ويكون طريقه طريق الراسخين في العلم.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ( فقال ما فَرَقَ هؤلاء ) ما فرق، وفي رواية ( ما فَرَقُ ) وفي رواية ( ما فرّقَ هؤلاء ). أما على ما فَرَق وما فَرَقُ، على رواية الضم تكون ما استفهامية، وفَرَقُ بمعنى خوف، يعني ما خوف هؤلاء من إثبات الصفات التي تليت عليهم وبُلغت، ليش يخافون؟ لماذا لا يثبتونها لله عز وجل كما أثبتها الله لنفسه أو أثبتها له رسوله عليه الصلاة والسلام، وهذا ينصب تماما على أهل التعطيل على أهل التعطيل والتحريف اللي ينكرون معنى اليد مثلا يقولون ما نثبت يد، لأن هذا تمثيل، فيقال: سبحان الله العظيم وش اللي يخوفكم من إثباتها، والله تعالى قد أثبتها لنفسه، وش اللي يخوفكم من إثبات الرحمة والله أثبتها لنفسه، وش اللي يخوفكم من إثبات الوجه والله أثبته لنفسه، وهكذا، وش اللي يخوفكم؟ التمثيل؟! اقرأوا قوله تعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وقولوا: نؤمن بإثبات هذه الصفة بدون تمثيل، وحينئذٍ لا خوف. إذن ما فرقُ معناه ما خوف، كقوله تعالى (( إذا هم يفرقون )) أيش معنى يفرقون؟ يخافون.
طيب، أما على رواية فرّق أو فرق فرقه بمعنى فرّقه، كقوله تعالى (( وقرآنا فرقناه )) يعني: فرّقناه، ففَرق وفرّق بمعنى واحد، على هذه الرواية فرّق - يرحمك الله - وفرق تكون فرق هذه فعلا ماضيا، هاه؟ فعلا ماضيا، وما يحتمل أن تكون نافية ويحتمل أن تكون استفهامية، على كونها نافية فالمعنى ما فرّق هؤلاء بين الحق والباطل، يعني: لم يفرقوا بين الحق والباطل، فجعلوا هذا من المتشابه وأنكروه ما حملوه على المحكم. ويحتمل أن تكون ما استفهامية يعني: أي شيء فرّقهم أو أي شيء فرقهم وجعلهم يؤمنون بالمحكم ويهلكون عند المتشابه.
والخلاصة أن في هذه اللفظة ثلاث روايات: فرَق وفرّق وفرقُ، على رواية فرقُ تكون ما مبتدأ، وفرقُ خبر المبتدأ، يعني: ما خوفهم، أي شيء يخيفهم إذا أثبتوا لله ما أثبته لنفسه. وعلى رواية فرقَ وفرّق تكون فرقَ وفرّق فعلا ماضيا، وما يحتمل أن تكون استفهامية ويحتمل أن تكون نافية، وأيا كان فإنها تدل على الذم لهؤلاء، تدل على ذمهم، أن ابن عباس رضي الله عنه ذمهم على هذه الحال التي هم عليها، قال: ( يجدون رقّة عند محكمه ) ( يجدون رقة ) الرقة معناه اللين والقبول، ( عند محكمه ) أي محكم القرآن، ( ويهلكون عند متشابهه ) عند متشابهه أي متشابه القرآن، فما هو المحكم وما هو المتشابهة ؟ المحكم هو الذي اتضح معناه وتبين، هذا نسميه محكما، والمتشابه هو الذي يخفى معناه، ما يعلمه الكل ما يعلمه الناس، والمتشابه نرجع إليه إن شاء الله، المحكم إذن أيش معناه؟
الطالب : ما اتضح معناه.
الشيخ : ما اتضح معناه، والمتشابه؟
الطالب : ...
الشيخ : ما خفي معناه، وهذا إذا جمع بين المحكم والمتشابه، إذا جمع بين المحكم والمتشابه صار المحكم ما اتضح معناه، والمتشابه ما خفي معناه، فأما إذا أفرد المحكم، أو أفرد المتشابه، إذا أفرد المحكم أو أفرد المتشابه فإن المحكم معناه المتقن الذي ليس فيه خلل، لا كذب في أخباره ولا جور في أحكامه، حطوا بالكم، إذا أفرد المحكم ولم يذكر معه المتشابه، فما المراد بالمحكم؟ المتقن الذي ليس فيه خلل لا كذب في أخباره، ولا أيش؟ جور في أحكامه، كما قال تعالى: (( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا )) وقد ذكر الله تعالى الإحكام في القرآن دون المتشابه في عدة آيات، مثل قوله تعالى: (( تلك آيات الكتاب الحكيم )) كذا يا عبد الرحمن؟ وكما في قوله تعالى: (( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت )) فوصف الله القرآن كله بأنه محكم، بهذا المعنى يكون محكم أي متقن ليس فيه خلل، لا كذب في الأخبار، ولا جور في الأحكام.
وإذا ذكر المتشابه دون المحكم صار المعنى أنه يشبه بعضه بعضا في جودته وكماله، إذا ذكر الله المتشابه فقط ولا ذكر معه المحكم، صار المراد به أن بعضه يشبه بعضا في الكمال والجودة، ويصدّق بعضه بعضا، ولا يتناقض، مثاله قوله تعالى: (( الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني )) (( كتابا متشابها )) يعني يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة ويصدق بعضه بعضا ولا يتناقض (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ))، وهذا كقوله تعالى في ثمار أهل الجنة، في ثمر الجنة يقول (( وأتوا به متشابها )) يعني يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة وإن كان يختلف من بعض الوجوه.
إذن القرآن وصف مرة بأنه محكم دون أن يقرن بالمتشابه، ومرة بأنه متشابه دون أن يقرن بأنه محكم، ومرة بأنه محكم مقرون بالمتشابه، كذا ؟ طيب، الأول المحكم بدون أن يقرن بالمتشابه أي، مصطفى؟
الطالب : ...
الشيخ : طيب، والمتشابه ما خفي معناه، نعم. صار هذا المحكم والمتشابه.
والتشابه نوعان: نوع تشابهه نسبي، ونوع تشابهه مطلق، نوع تشابهه مطلق، والنوع الثاني تشابهه نسبي، وش الفرق بين المطلق والنسبي؟ المطلق الذي يكون متشابها لكل أحد، كل أحد ما يعرفه خافيا عليه، والنسبي هو الذي يخفى على ناس دون ناس، يكون بعض الناس ما يشتبه عليهم، وبعض الناس يشتبه عليهم، حطيتوا بالكم ؟
طيب، بناء على هذا على تقسيم المتشابه إلى متشابه تشابها مطلقا ومتشابه تشابها نسبيا، على هذا ينبني الوقف في قوله تعالى: (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) فعلى الوقف (( إلا الله ))، يكون المراد بالمتشابه التشابه المطلق اللي ما يعلمه أحد، نعم، هذا لا يعلم أحد تأويله، وعلى الوصل (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) يكون هذا التشابه النسبي.
وللسلف في هذه الآية للسلف فيها قولان: قول بالوقف على قوله: (( إلا الله )) وهذا هو الذي عليه أكثر السلف، هو الذي عليه أكثر السلف، يقفون على قوله: (( وما يعلم تأويله إلا الله ))، وعلى هذا فالمتشابه هنا التشابه المطلق اللي ما يمكن أحد يعرفه، ما يعلم تأويله إلا الله، مثل أيش؟ قال العلماء مثل
الطالب : ...
الشيخ : لا، ما هو مثل صفات الله، مثل كيفية صفات الله، وحقائق صفات الله، وحقائق ما أخبر الله به من نعيم الجنة ومن عذاب النار، هذه الحقائق ما ندركها نحن، كل أحد ما يدركها، أو لا؟ هل أنت تدرك الآن طعم الفاكهة اللي في الجنة والنخل والرمان؟ ما تدرك هذا، ولا تدرك حقيقته، ولهذا قال ابن عباس: ( ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء ). طيب، (( سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم )) نعرف أن الماء الحميم يعني الماء الحار، لكن ما نتصور حرارة ماء النار والعياذ بالله، ما نتصور هذه الحرارة، الحرارة ما لها نظير في الدنيا، لأن ( نار الآخرة فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءً )، إذن هذا من المتشابه أيش؟ المطلق الذي لا يعلمه إلا الله.
وأما على قراءة (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) فالمراد بالتشابه التشابه النسبي، وهذا يعلمه الراسخون في العلم، ويكون على غيرهم مشتبها، ولهذا يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله ) ما قاله مدحا لنفسه أو ثناء على نفسه، ولكن قاله ليعلم الناس أنه ليس في كتاب الله شيء لا يعرف معناه، فالمعنى معاني القرآن كلها بينة، لكن بعض القرآن يشتبه على ناس، ويتضح لأناس آخرين، وهذا صحيح ولا لأ؟ صحيح، حتى العلماء الراسخون في العلم أحيانا يختلفون في معنى القرآن، أليس كذلك؟ وهذا يدل على أنه خفي على بعضهم، لأن الصواب بلا شك قول أحدهم إذا كانت الأقوال متضادة، أما إذا كانت الأقوال مختلفة اختلاف تنوع فإنه لا تضاد بينها، لكن أحيانا يكون آراء المفسرين تختلف اختلافا ضديا، يعني بعضها ضد بعض ما يمكن يجمع بينها، فهذا لا شك أن الصواب مع أحدهما إذا كانت الآية لا تحتمل المعنيين، فإن كانت تحتمل المعنيين كما سبق فإنها تحمل عليهما جميعا، والحاصل، نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : على القول بأن المتشابه هو الذي لا تعلم حقيقته، يكون ما يعلمه إلا الله، وموقف الراسخين منه أنهم يؤمنون به، (( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا )) لا المحكم البين ولا الخفي، يؤمنون به، وأما على قراءة الوصل (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) فهي أيضا واضحة جلية، أن الراسخين في العلم يؤمنون به، يعلمون معناه ويقولون آمنا به كل من عند ربنا فلا تناقض فيه، لأن أهل الزيغ يأتون بالمتشابه لأجل يصدون الناس ويوقعونهم في التشكيك. مثال ذلك: في آيات ظاهرها التعارض، أهل الزيغ يأتون بهذه الآيات المتشابهات، وش لازم؟ لإيقاع الفتنة والصد عن سبيل الله والتشكيك في القرآن. مثلا قال الله تعالى: (( يؤمئذٍ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )) يقرون ولا ينكرون؟ (( ولا يكتمون الله حديثا )) يقرون، وفي آية أخرى: (( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين )) أقروا ولا أنكروا؟ أنكروا، يأتي واحد من الطاعنين ويقول تعالوا يا جماعة شوفوا القرآن متناقض، أو لا؟ ربما يلبس على عامة الناس، لكن الراسخين في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا فلا تناقض فيه، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، ما يتناقض، فالناس يوم القيامة لهم أحوال، ويوم القيامة ما هو بلحظة (( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )) يمكن ساعة يقرون وساعة ينكرون حسب ما يظنون أن ذلك ينفعهم.
يأتي واحد أيضا يقول تعال القرآن يقول (( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) صح؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ويقول (( وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله )) شلون هذا؟ الزائغون يقولون هذا يوردون هذه الأشياء، أليس كذلك؟ طيب وش نقول؟ الراسخون في العلم يقولون نحن نعلم وجه هذا القول، كل من عند ربنا فلا تناقض فيه، كيف ذلك؟ يقولون ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك أي أنك أنت سببها، لقوله تعالى (( وما أصابك من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ))، وأما (( وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن نصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله )) فهذا في رد قول المشركين أنك يا محمد ليس لك دخل في إصابتهم بالنكبات، النكبات من أين؟ من الله، أنت ما لك دخل، وهذا كقوله تعالى: (( قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله )) ما هو مني ما أصابكم من الجدب وغيره ليس مني أنا ، واضح؟ وهكذا يتبع أهل الزيغ ما تشابه من القرآن، يقول لك: إن الله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم (( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ))، وفي آية أخرى يقول: (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) متشابه، أليس كذلك؟ أهل الزيغ يتبعون هذا، وأهل الحق الراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا ويؤمنون به، ويحملون كل واحد على وجه لا يخالف الآخر، (( فإنك لا تهدي من أحببت )) هداية توفيق، وإنما هداية التوفيق بيد من؟ بيد الله، (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) هذه هداية الدلالة.
يأتي صاحب الزيغ أيضا يقول إن الله يقول: (( بل يداه مبسوطتان )) فأثبت أن له يدين، صح؟ ولكنه يقول: (( ليس كمثله شيء )) فأثبت أنه لا مثيل له، كيف يثبت يد وفي آية يقول ما له مثيل، هذا تناقض، ولذلك لما اتبعوا المتشابه وش قالوا؟ قالوا: ليس لله يد، فأنكروا اليد بناء على هذه الشبهة التي حصلت لهم، واضح؟ والراسخون في العلم يقولون أبدا هذا لا يتناقض، كل من عند ربنا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، ونحن نقول: لله يدان لكن لا تماثل أيدي المخلوقين، كما أن المخلوقات بعضها مع بعض لا تتماثل مع اتفاقها في الاسم أو لا؟ نقول لهذا الرجل الذي أورد علينا هذه الشبهة تعال يا رجل هل عندك هر؟ هو عنده هر ونعرف أن عنده هر في البيت، فسيقول نعم، طيب هل لهرك يد؟ فسيقول نعم، هل يد هرك كيدك؟ سيقول لا، فنقول: إذا كان هذه تختلف مع أنها مخلوقات يختلف بعضها مع بعض وهي مخلوقات كلها فما بالك بالفرق العظيم بين الخالق والمخلوق، وهكذا نقول في بقية الآيات المتشابهات، نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : والذرة لها يد والجمل له يد، نعم.
المهم على كل حال أن الآية تحتمل المعنيين ولا شك، تحتمل المعنيين أن المراد بالمتشابه المتشابه تشابها مطلقا، وحينئذٍ يكون الوقف على أيش؟ على الله، وما يعلم تأويله إلا الله، ويراد بالمتشابه المتشابه النسبي الذي يخفى على بعض دون بعض، وحينئذٍ يكون الوقف على أيش؟ يكون على الراسخين في العلم ويوصل.
واعلم أن بعض أهل العلم رحمهم الله من المحققين يظنون أن في القرآن ما لا يمكن الوصول إلى معناه، يعني فيكون من باب التشابه المطلق، ثم يحملون آيات الصفات على ذلك، ويقولون: إنها من المتشابه، فلا يعلم تأويلها إلا الله، وهم في ذلك أخطأوا خطأ عظيما، لأنه ليس من المعقول أن الله يقول: (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته )) كتاب ليدبروا آياته إلا آيات الصفات؟ هاه؟ إلا آيات الصفات، تستثنى أو ما تستثنى؟
الطالب : ...
الشيخ : ما تستثنى، (( ليدبروا آياته )) وآيات الصفات كثيرة في القرآن، أكثر من آيات الأحكام، وهي أعظم وأشرف وأوجب من آيات الأحكام، فإذا قلنا: إن آيات الصفات ما يعرف معناها معناه نصف القرآن وأهم ما في القرآن يكون معناه خفيا، ويكون معنى ليدبروا آياته محصورا على آيات الأحكام فقط، وهذا أمر لا يمكن أن يقوله عاقل يتصور ما يقول، بل نقول: إن القرآن كله يفهم معناه، ما فيه شيء ما يفهم معناه، أبدا، ليس فيه شيء لا يفهم معناه، ولكن الخطأ في الفهم، قد يقصر الفهم عن إدراك المعنى فلا يدركه، هذا ممكن ولا لأ؟ وقد يفهمه على معنى خطأ، وهذا ممكن، أما أن نقول: كل الأمة من رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى آخر واحد من هذه الأمة لا يفهم معنى القرآن، فهذا شيء لا يمكن يقوله عاقل يتصور ما يقول، على رأيهم يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان والصحابة جميعا يقرؤون هذه الآيات آيات الصفات وهم ما يفهمون معناها، عندهم بمنزلة الحروف الهجائية بمنزلة ألف باء تاء ثاء إلى آخره، هذا ما هو معقول، ولذلك الصواب بلا شك أنه ليس في القرآن شيء يكون معناه متشابها تشابها مطلقا على جميع الناس، أما حقائقه فنعم، حقائقه مشتبهة على جميع الناس، لأن هذه الحقائق ما تدرك إلا بأن يخبر عنها أو أن يتوصل الإنسان إليها بنفسه فيدركها يوم القيامة مثلا، نعم.
الطالب : وش معنى الآية: (( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت )).
الشيخ : الإحكام بمعنى الإتقان، وثم هذه للترتيب الذكري، يعني أحكمت وفصلت، هذا المعنى، وقد يتبادر منها أن أحكمت يعني أجملت لأنه قال: (( ثم فصلت ))، ولكن المعنى أنها أتقنت مع التفصيل، نعم.
الطالب : ... تكون فقط محصورة على ...
الشيخ : نعم الحقائق هي المطلقة، الحقائق المطلقة.
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم، نعم نعم، إذا حملنا التشابه على التشابه المطلق نقف.
الطالب : ... (( وما يعلم تأويله )) التأويل هو التفسير؟
الشيخ : لا لا، التأويل يطلق على معنيين : تأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول إليه، كما في قوله تعالى (( هل ينظرون إلا تأويله )) وكما في قول يوسف لما سجدوا له أيش قال؟ (( هذا تأويل رؤياي )) يقولون هذا التأويل يعني هذه الحقيقة التي ... ما هو بتفسيرها.