. شرح قول المصنف : باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تحلفوا بآبائكم ، من حلف بالله فليصدق ، ومن حلف له بالله فليرض ، ومن لم يرض فليس من الله ) رواه ابن ماجه بسند حسن . حفظ
الشيخ : ... وجه إدخال هذا الباب في كتاب التوحيد، لأن الاقتناع بالحلف بالله من تعظيم الله، ذلك لأن الحالف أكد ما حلف عليه بسبب التعظيم باليمين، فإذا كان أكد ما حلف عليه بالتعظيم وهو تعظيم المحلوف به كان من تعظيم ذلك المحلوف به أن تصدق هذا الحالف، فعلى هذا يكون في عدم الاقتناع بالحلف بالله يكون فيه شيء من نقص تعظيم الله عز وجل، وهذا ينافي كمال التوحيد، لأن كمال التوحيد أن تعظم الله عز وجل بما يليق به.
ثم اعلم أن من لم يقنع بالحلف بالله إما أن يكون ذلك من الناحية الشرعية، وإما أن يكون ذلك من الناحية الحسية. أما من الناحية الشرعية فإنه يجب الرضا بالحلف بالله فيما إذا توجهت اليمين على المدعى عليه فحلف، فإنه يجب الرضا بهذا الحكم الشرعي. وأما من الناحية الحسية فلا يخلو، إما أن يكون الحالف موضع صدق وثقة فإنك ترضى بيمينه، وإما أن لا يكون كذلك فلا حرج عليك أن ترفض الرضا بيمينه، ولهذا لما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في قصة عبد الله بن سهل حويصة ومحيصة قال: ( تبرؤكم يهود بخمسين يمينا، قالوا: كيف نرضى يا رسول الله بيمين يهود؟ أو قالوا لا نرضى بذلك ) فأقرهم النبي عليه الصلاة والسلام. فالحاصل أنه إذا كان الحالف محل ثقة وأمانة فإن المطلوب منك أن ترضى بذلك، أما إذا لم يكن محل ثقة وأمانة فلا حرج عليك أن ترفض.
فصار الحلف بالله له جهتان، الجهة الأولى: أن يكون في محاكمة بحيث تتوجه اليمين على من أنكر، فيجب الرضا، يجب الرضا بالحكم الشرعي، لأنه ليس له إلا يمينه فقط.
مثاله: ادعى شخص على آخر بمئة درهم، فتخاصما إلى القاضي، فقال القاضي للمدعي: هل لك بينة؟ قال: لا، إذن يوجه اليمين إلى من؟ إلى المدعى عليه بطلب الخصم، إذا قال: ترضى بيمينه؟ قال: أرضى بيمينه خله يحلف، فإذا حلف وجب الرضا بذلك، ما هو الرضا من أجل أنه حلف، ولكن من أجل أن هذا مقتضى الحكم الشرعي، ويكون المدعى عليه حينئذٍ قد انتهى من الخصومة وبرئ منها.
أما الجهة الثانية فأن يكون من الناحية الحسية، فهذه إن كان الحالف محل ثقة فإنك ترضى بيمينه، وإن لم يكن كذلك فلا حرج عليك أن ترفض يمينه، وليس رفضك ليمينه هنا من أجل عدم تعظيم الله، ولكن من أجل أن الحالف ليس بثقة فقد يحلف وهو كاذب.
ثم قال المؤلف : " عن ابن عمر "، نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : نعم، لأن إذا شئت لا تطلب، إذا طلبت اليمين وقال القاضي احلف وحلف يجب أن ترضى بهذا الحكم الشرعي، نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : نعم نعم
الطالب : ولكن مثلا أنا واثق أني أوفيت هذا المال ... هو حلف حسب ظنه غالب ظنه ...
الشيخ : لا لا، هذا حكم شرعي، من ناحية شرعية اللي تقوله هذا، ما هو من ناحية حسية، الناحية الحسية مثلا إني إن يجي واحد يحلف لي أنه رأى فلانا، أو أن فلانا قدم، أو ما أشبه ذلك، أما من ناحية الحكم بين الناس فيجب أن ترضى بالحكم الشرعي، يجب أن ترضى به، أما عاد فيما بينه وبين الله فالظاهر أنك لك أن تطالب ذلك في الآخرة، أما في الدنيا فترضى وينتهي الموضوع.
عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تحلفوا بآبائكم ).
لا ناهية، ولهذا جزم الفعل بها، والآباء جمع أب يشمل الأب والجد وإن علا، فلا يجوز الحلف بهؤلاء للنهي عنه، وقد سبق أنه نوع من الشرك.
( من حلف بالله فليصدق ) هذا موجه للحالف ( ومن حلف له بالله فليرض ) هذا موجه لمن؟ للمحلوف له.
لكن لاحظ أن هنا أمران: الأمر الأول للحالف أن يكون صادقا فليصدق والصدق هو الإخبار بما يطابق الواقع، هذا الصدق، الإخبار بما يطابق الواقع، ضده؟ ضده الكذب أن يحلف أو أن يخبر بما يخالف الواقع، فمن أخبر بما يطابق الواقع فهو صادق، ومن أخبر بما يخالفه فهو كاذب، فمن حلف بالله فليصدق، أي: فليكن صادقا في يمينه. وهل يشترط أن يكون مطابقا للواقع بحسب الواقع أو يكفي الظن؟ يكفي الظن، فله أن يحلف على ما يغلب على ظنه، وقد سبق لنا من ذلك أمثلة. وقوله: ( فليصدق ) اللام لام الأمر.
أما الأمر الثاني فقال: ( ومن حُلف له بالله فليرض )، إذا قرنت الجملتين، أو إذا قرنت هذين الأمرين بعضهما ببعض فإن الأمر الثاني ( من حلف له بالله فليرض ) ينزل على ما إذا كان الحالف صادقا، لأنه جمع أمرين، أمر موجه للحالف وأمر موجه للمحلوف له، فإذا كان الحالف صادقا وجب الرضى. فإذا قال قائل: إذا كان الحالف صادقا فإنك تصدقه وترضى وإن لم يحلف؟ قلنا: لكن اليمين تزيده توكيدا.
وقوله: ( ومن حلف له بالله فليرض ) تقدم لنا التفصيل في هذه المسألة، وأنه في باب الحكم الشرعي يجب أن يرضى، لأنه حكم الله ورسوله. في الأمر الحسي قلنا إذا كان ثقة فإنك تقبل مأمور بأن ترضى، وإلا فلا، ترضى حملا له على ظاهره وأنه لم يحلف إلا على صدق.
( ومن لم يرض فليس من الله ) من لم يرض بماذا؟ بالحلف إذا حلف له، فليس من الله، وهذه براءة منه، فتدل على أن عدم الرضى من كبائر الذنوب، ولكن لا بد من ملاحظة ما سبق، وقد أشرنا أن في حديث القسامة دليلا .. غير الثقة فلك أن ترفض الرضى به، لأنه غير ثقة، لو أن أحدا حلف قال: والله إن هذه الحقيبة لمن خشب، هذه من جلد، يجوز أن لا ترضى به؟ أي يجوز لأنك قاطع بكذبه، ومثل هذا لا ترضى به وأدّبه، قل أنت حلفت بشيء كاذب فيه يقينا، والشرع لا يأمر بشيء يخالف الحس والواقع، ما يأمر إلا بشيء يستحسنه العقل ويشهد له بالصحة والحسن، وإن كان العقل لا يدرك أحيانا، أحيانا لا يدرك مدى حسن هذا الشيء الذي أمر به الشرع، ولكن يعلم علم اليقين أن الشرع لا يأمر إلا بما هو حسن، لأن الله يقول: (( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )) فإذا اشتبه عليك حسن شيء من أحكام الشرع فاتهم نفسك إما بالقصور وإما بالتقصير، أما أن تتهم الشرع فهذا لا يمكن أبدا، ما صح عن الله ورسوله فإنه حق وهو أحسن ال... .
وخلاصة هذا الباب أن يقال أن فيه أسئلة، أولا: ما مناسبته لكتاب التوحيد؟
وثانيا: المحلوف له بالله ينقسم إلى قسمين: أحدهما في المحاكمة والمخاصمة والمرافعة الشرعية إلى الشرع، والثاني في الأمور الحسية بدون محاكمة.
والسؤال الثاني أو الثالث: الحلف بالآباء حكمه؟ أنه محرم، بل من الشرك كما سبق، إما أن يكون أصغر وإما أن يكون أكبر.
والسؤال الرابع: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قرن في هذا الحديث بين أمرين، أمر وجهه إلى الحالف، وأمر وجهه إلى المحلوف له، أما الحالف فأمره أن يصدق، وأما المحلوف له فأمره أن يرضى، نعم محمد؟
الطالب : ...
الشيخ : من لم يرض فليس من الله هذا وعيد.
الطالب : في حديث القسامة ما حلف ...
الشيخ : أي نعم، لا فرق بينهما، حتى لو حلف وأنا ما أرضى، لأنه لو حلف بدون طلب مني فأنا ما يلزمني أن آخذ بقوله، وإن طلبت وجب علي الرضى به.
الطالب : ...
الشيخ : ما يجب عليه الرضى إلا إذا كان الحلف بقسم، وإلا ما يجب عليه الرضى، بل إنه إذا علم كذبه له أن ... وأن يؤدبه إذا تمكن.
الطالب : ... التزمنا بحديث القسامة...
الشيخ : نعم، التزمنا لأنهم قالوا كيف نرضى بأيمان قوم يهود قوم كفار، فدل هذا على أن مناط الحكم أنهم ليسوا محلا للثقة.
الطالب : ... المرافعات الشرعية؟
الشيخ : ما ترافعوا، لأن المرافعة الشرعية ما يوجه اليمين إلى الخصم حتى يسأله ذاك، حتى إن الفقهاء رحمهم الله قالوا: لو أن القاضي وجه اليمين إلى المدعى عليه بدون طلب المدعي ما اعتدّ بها.