شرح قول المصنف : وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر ، أقلب الليل والنهار ) .
حفظ
الشيخ : قال : " وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( قال الله تعالى ) " مثل هذا الحديث يسمى الحديث القدسي، ويسمى الحديث الإلهي، ويسمى الحديث الرباني، وهي أسماء معروفة عند أهل الحديث، وهي كل ما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، فيقول: قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى، أو يقول الصحابي مثلا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه، يعني الصحابي قد يعبر، فيقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه، وقد يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى، والمعنى؟ المعنى واحد، المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون في الحديث القدسي كالصحابي في الحديث النبوي، بمعنى أنه ينسبه إلى منتهى السند، ومنتهى السند في الأحاديث القدسية من؟
الطالب : ...
الشيخ : لا، الرب عز وجل هذا منتهى السند، لكنها ليست كالقرآن، الأحاديث القدسية ليست كالقرآن، ولهذا لا تقرأ في الصلوات، ولا يتعبد بتلاوتها، ويجوز مسها على غير طهارة، ويجوز للجنب قراءتها، ويجوز للحائض قراءتها، ويصح بيعها، وفي المصحف خلاف كما تعرفون، في بيع المصحف، ويسافر بها إلى أرض العدو، وفي المصحف خلاف. المهم أن أحكام المصحف لا تتعلق بالأحاديث القدسية.
الطالب : وتروى بالمعنى.
الشيخ : نعم؟
الطالب : وتروى بالمعنى؟
الشيخ : وتروى بالمعنى، نعم، بخلاف القرآن، نعم؟
الطالب : وغير مخلوقة الاحاديث القدسية؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : وغير مخلوقة؟
الشيخ : الظاهر أن المسألة اختلف فيها أهل العلم في مسألة: هل هي منسوبة إلى الله لفظا ومعنا، فإن كان كذلك فهي غير مخلوقة، وأما من قال إنها منسوبة إلى الله معنى فقط وأن التعبير تعبير الرسول عليه الصلاة والسلام لأنها غير معجزة، فعلى هذا تكون ألفاظها مخلوقة، أما معناها فهو كلام الله غير مخلوق.
الطالب : لكن الظاهر يعني أيضا اللفظ لفظ الله سبحانه وتعالى، قيما يرويه عن ربه.
الشيخ : لا، هو هذا الظاهر، لكنه يخالف الظاهر أشياء، منها: أنا لو جعلنا الأحاديث القدسية كلام الله لفظا لصارت أعلى سندا من القرآن، لأن القرآن بواسطة جبريل، وأما هذه فتكون من الرسول إلى الله مباشرة. ولأن لفظها ليس بمعجز عند أهل العلم، ولو كانت من كلام الله لكان معجزا لأن كلام الله لا يشبهه كلام البشر، ولأنها أيضا لو كانت من كلام الله ما حصل فيها هذا الاختلاف، اختلاف الألفاظ أحيانا بزيادة أو نقص، وكلام الله تعالى محفوظ، ولهذا القرآن ما يمكن يتوصل إليه زيادة أو نقص (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) فالظاهر لي أن القول الثاني أصح، أنها كلام الله معنى وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام لفظا، وكونه يضيف الله فيقول قال الله، كما أن الله يضيف إلى فرعون وإلى موسى وإلى غيرهم فيقول قال فرعون قال موسى، مع أن اللفظ لفظ الله عز وجل، أي نعم.
( قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم ) قال الله تعالى، لنشرح هذا الحديث بألفاظه، تعالى أيش معنى تعالى؟ تعالى من العلو، لكنها أتت بهذه الصيغة للدلالة على ترفعه جل وعلا عن كل نقص وكل سُفل، فهو متعال في ذاته ومتعال في صفاته، وهي أبلغ من كلمة علا، لأنها تدل على ... ولهذا يأتي بها الله عز وجل في مقابلة الذين أشركوا به فيقول (( تعالى الله عما يشركون )) أي ترفع وتنزه عما يشركون علوا كبيرا.
وقوله: ( قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم )، يؤذيني أي يلحق بي الأذى، ولكن هذا الأذى كما قلت قبل قليل ليس كأذية المخلوق، وش الدليل؟ قوله تعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وهكذا صفات الله كلها ليست كصفات المخلوق، ولهذا تأمّل أن الله قدم النفي على الإثبات في قوله: (( ليس كمثله )) لأجل أن يرد الإثبات على قلب خالٍ من توهم المماثلة، حتى يرد الإثبات على قلب خال من توهم المماثلة، يعني: ليس كمثله أقرَّ هذا في قلبك، ثم يأتي وهو السميع البصير، فيرد على قلب أيش؟ خال من توهم المماثلة، ويكون الإثبات حينئذٍ على الوجه اللائق به تعالى، وأنه لا يمكن أن يماثل الله أحدٌ في صفاته كما لا يماثله أحد في ذاته، وكل ما وصف الله به نفسه فليس فيه احتمال للتمثيل أبدا، لأنك لو أجزت احتمال التمثيل فيما وصف الله به نفسه لأجزت أن يكون احتمال الكفر في كلام الله وكلام رسوله، لأن التمثيل كفر، فلو أجزت فيما وصف الله به نفسه في القرآن أو ما وصفه به رسوله في السنة، لو أجزت احتمال التمثيل لكان معنى ذلك أنك أجزت في كلام الله وكلام رسوله أيش؟ احتمال الكفر، وهذا أمر لا يقوله عاقل فضلا عن المؤمن.
إذن فالأذية ثابتة، أفهمتم؟ الأذية ثابتة، ويجب علينا إثباتها لأننا لسنا أعلم من الله بالله، صح؟ نعم، فإذا وصف الله نفسه بهذا نقول لا؟ حاشاك أن يؤذيك أحد، أبدا، نقول حاشاك أن يضرك أحد، أما أن يؤذيك وقد أثبته لنفسك فنقول: آمنا وأقررنا واعترفنا بذلك، ولكن مع هذا لا تكون أذيته كأذية المخلوق، أنا ربما أتأذى من شيء ويكون عندي مثلا انفعال وعدم تحمل، وربما أتضرر، لكن الرب عز وجل لا يمكن في حقه هذا.
وقوله: ( ابن آدم ) يعني دون بنت آدم؟
الطالب : ...
الشيخ : آي، يقول العلماء: إذا قيل ابن أو بني في غير محصور فهو شامل للذكور والإناث، ولهذا لو وقّف إنسان على بني تميم، بني تميم وقّف عليهم وقف، فجاء الرجال وأخذوا الوقف، وقالوا للنساء: يلا ما لكم شيء، ليش؟ قالوا بني، وأنتن بنات، يصح هذا ولا ما يصح؟ ما يصح لأنهم غير محصورين، وكذلك ابن آدم ليس معناه الذكور فقط، بل الذكور والإناث، وهكذا القاعدة: ابن وبني إذا كان في غير محصور فهو شامل للذكور والإناث.
( يؤذيني ابن آدم ) وآدم هو أبو البشر كما هو معروف، خلقه الله تعالى من طين وسواه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وعلمه أسماء كل شيء. واعلم أنه من المؤسف أنه يوجد في الكتب التي بين أيدي الطلاب فكرة ضالة خاطئة كافرة مضلة، وهي أن الآدميين ما نشأوا من طين، إنما نشأوا من قرود، وتطور الأمر بهم حتى صاروا على هذا الوصف، ويمكن على مر السنين يتطور حتى يكونوا ملائكة، وتصير الملائكة ملائكة الملائكة، وهذا القول لا شك أنه كفر، لأنه تكذيب للقرآن، وأعداء المسلمين أدخلوه على المسلمين من أجل أن يقولوا هذه أفكار متضاربة، أنتم يا المسلمين عندكم فكر ونحن يا الطبائعيين عندنا فكر، وليس فكركم بأولى من فكرنا، ولهذا أنا دائما أحذر من كلمة فكر إسلامي، مفكر إسلامي لا بأس، لكن فكر إسلامي معناه أنا حولنا الإسلام إلى أفكار قابلة للأخذ والرد، وهذا خطر عظيم، والتعبير دخل علينا من أعدائنا من حيث لا نشعر، وأعداؤنا يدسون علينا الأشياء، ونأخذها مسلمة لغلبة الجهل وقلة البصيرة والضعف الشخصي في النفوس الإسلامية، ورؤية هؤلاء القوم مرآى المبجل المعظم المعصوم من الخطأ، لهذا دخل علينا مثل هذه الأمور. أقول إن هذا القول تكذيب للقرآن صريح ولا لأ؟ تكذيب صريح واضح، فالواجب علينا أن ننكر هذا إنكارا بالغا، وأن لا نقره في أي كتب من كتب المدارس، وأن نعاقب من يقرره أو يضعه بين أيدي الشباب، لأن أقل ما فيه من الخطورة أيش؟ أقل ما فيه من الخطورة أنه يوجب لهذا الشاب الذي لم يرسخ الإيمان في قلبه ولم ترسخ قدمه في العلم وش يوجب له؟ أن يشك يقول والله يمكن هذا، هذا رجل مفكر يمكن صحيح هذا الشيء، لكننا نحن نقول مثل ما قيل في أبي العلاء المعري، يقول :
" إذا ما ذكرنا آدما وفعاله *** وتزويجه بنتيه بابنيه في الخنا
علمنا بأن الخلق من نسل فاجر *** وأن جميع الناس من عنصر الزنا "
أعوذ بالله، أجابه بعض العلماء بجواب، قال : أنت الآن أقررت أنك ولد زنا وإقرارك على نفسك مقبول، وعلى غيرك غير مقبول، وهكذا
" إقرار الفتى لازم له وفي *** غيره لهو كما جاء شرعنا " رَدوا عليه.
فالمهم هذا الرجل نقول أنت قرد، ولا تتجاوز أن تكون من القرود بصورة إنسان، أما فكرك هذا فهو فكر باطل، لأن الله أكذبك فيه، وقد قال: (( ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم )) أنت بنفسك لا تدري كيف يخلقك الله، (( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث)) ما تدري كيف تخلق، كيف تقول إن أصلك قرد، ثم صرت آدميا، قل لي: ما أصل الكلب، وما أصل البقرة، وما أصل البعير؟ ولكن أنا الحقيقة يؤلمني أن يوجد هذا بين أيدي الشباب، وأن بعض الناس قد أخذوا به على أنه أمر محتمل، والواقع أنه أمر لا يحتمل سوى البطلان والكذب والدس على المسلمين بالتشكيك بما أخبرهم الله به عن خلق آدم وبنيه، نعم.
( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر ) الجملة هنا تفسير، يعني جملة تفسيرية أو تعليلية، يعني: إما أنها تعليل للأذية أو تفسير للأذية، يعني: بكونه يسب الدهر، أي: يشتمه ويقبحه ويلومه، وربما يلعنه والعياذ بالله، وما هو الدهر؟ الدهر الزمن، الدهر هو الزمن، قال الله تعالى: (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا )) فالدهر الزمن فالإنسان يسب الزمن، وسبه في الحقيقة إن كان يعتقد أن الزمن هو الفاعل فقد تقدم أنه شرك، وإن كان يعتقد أن الزمن محل الحوادث ويسبه لوقوع الحوادث السيئة فيه فإنه محرم وإثم، والسب في الحقيقة يعود إلى الله.
( يسب الدهر ) أي: الزمن والوقت، قال: ( وأنا الدهر ) كيف يعني أنا الدهر، يعني أنا الزمن؟ لا، أنا الدهر يعني معناه أنا مدبر الدهر ومصرف الدهر، ويدل لذلك قوله: ( أقلب الليل والنهار ) الليل والنهار هو الدهر، يعني أنا الدهر أي أقلب الدهر، كما قال الله تعالى (( وتلك الأيام نداولها بين الناس ))
" فيوم علينا ويوم لنا *** ويوم نساء ويوم نسر "
هكذا الدنيا، لو تأملتها لوجدتها هكذا، تتقلب بالإنسان يوم يسر الإنسان ويوم يساء، ويوم يكون صحيح ونشيط، ويوم يكون فيه شيء من المرض، ويوم يكون منطلق ومسرور، ويوم بالعكس هكذا الدنيا، وهذا من حكمة الله عز وجل لئلا يركن إليها العاقل، لو كانت كلها صفوا لركن إليها كثير من الناس، لكنها كانت على هذا الوجه حتى يعتبر الناس ولا يتخذوها مقرا، نعم.
إذن ( أنا الدهر ) أيش معنى أنا الدهر؟ أنا مقلب الدهر ومصرفه، ولا يحتمل المعنى سوا ذلك لأنك لو قلت أن الله نفسه هو الدهر لجعلت الخالق مخلوقا، ولجعلت المقلِّب مقلَّبا لأن الدهر مقلَّب ( أقلب الليل والنهار ) وهذا أمر لا يمكن، فإذا قال قائل: ألستم تقولون دائما وتكررون بأن المجاز ممنوع في اللغة العربية ولا سيما في كلام الله وكلام الرسول؟ وهذا إما أن تقولوا بأن الله هو الدهر، أو تقولوا بالمجاز، فما هو الجواب؟ الجواب أننا نقول: إن الكلمة حقيقة في معناها الذي دل عليه السياق والقرائن، وإن كانت في مكان آخر تكون مجازا، وحينئذٍ فنقول هنا لا شك أن في الكلام محذوفا وهو مقلب الدهر، لأنه فسره بقوله: ( أقلب الليل والنهار )، ولأن العقل لا يمكن أن يجعل الدهر المخلوق هو الخالق، ولأن العقل لا يمكن أن يجعل الفاعل هو المفعول، المقلَّب هو المقلِّب، وبهذا نعرف خطأ من قال: إن الدهر من أسماء الله كابن حزم رحمه الله فإنه قال إن الدهر من أسماء الله، وهذا غفلة عن مدلول هذا الحديث، وغفلة عن الأصل في الأسماء، ما هو الأصل في أسماء الله؟ أن تكون حسنى بالغة في الحسن غايته، فلا بد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة مثلا، يعني ما تجد في أسماء الله اسما جامدا أبدا، في أسماء الخلق تجد اسما جامدا جعفر مثلا وحدرد هذا اسم جامد، أسد اسم جامد، لكن في أسماء الله تجد اسما جامدا؟ لا أبدا، لأن الاسم الجامد ما فيه معنى حتى يكون أحسن أو غير أحسن، لكن أسماء الله كلها حسنى، فيلزم من ذلك أن تكون دالة على معان، والدهر اسم من أسماء الزمن ليس فيه معنى إلا أنه اسم زمن، وعلى هذا فينتفي أن يكون من أسماء الله لوجهين، الوجه الأول: أن سياق الحديث يأباه غاية الإباء، الوجه الثاني: أن أسماء الله حسنى والدهر اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات، فلا يحمل المعنى الذي يوصف بأنه أحسن، وحينئذٍ فليس من أسماء الله تعالى، بل إنه الزمن، ولكن مقلب هذا الزمن هو الله، ولهذا قال: ( أقلب الليل والنهار ).
تقليب الليل والنهار هل المراد ذواتهما أو ما يحدث فيهما أو الأمران جميعا؟ الأمران جميعا، فالليل والنهار يقلب من طويل إلى قصير إلى متساو، أليس كذلك؟ والحوادث فيهما حدث ولا حرج، تتقلب في الساعة، وفي اليوم، وفي الأسبوع، وفي الشهر، وفي السنة، (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )) ثم جاء تغيير الزمن نفسه، تؤتي الملك وتعز هذا الحوادث التي في الزمن، ثم جاء الزمن نفسه فقال: (( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ))، فالله عز وجل يقلب الليل والنهار في ذواتهما وفي الحوادث الواقعة فيهما، وتقليبه سبحانه وتعالى للحوادث الواقعة فيهما أمر ظاهر ما يحتاج إلى شواهد. فإذا قال قائل: هل لهذا التقليب حكمة أو مجرد ظهور السلطان والقدرة فقط؟
فالجواب: لا بد فيها من حكمة، ولكن هذه الحكمة قد تظهر لنا وقد لا تظهر، لأن عقولنا أقصر من أن تحيط بحكمة الله عز وجل، لكن منها ما يكون معلوما لنا، ومنها ما يكون مجهولا لنا، ثم نقول إن مجرد ظهور سلطان الله عز وجل وتمام قدرته هو من الحكمة، أليس كذلك؟ فإن سلطان الله عز وجل الأعظم الذي لا يماثله سلطان وتمام قدرته هذه لا شك أن ظهورها للإنسان من أعظم الحكم حتى يخشى صاحب السلطان سبحانه وتعالى ويخشى صاحب القدرة، ويتضرع إليه سبحانه وتعالى باللجوء إليه مما يخافه، لولا اعتقاد المرء تمام قدرة الله وسلطانه ما صح لجوؤه إليه، ولا لأ؟ إذ لا يلجأ إلى من لا يعتقد أن له السلطان الأعظم، بهذا نعرف أن تقليب الليل والنهار له حكم عظيمة، لكن منها ما يظهر لنا، ومنها ما لا يظهر، وفي رواية، طيب.
الطالب : ...
الشيخ : لا، الرب عز وجل هذا منتهى السند، لكنها ليست كالقرآن، الأحاديث القدسية ليست كالقرآن، ولهذا لا تقرأ في الصلوات، ولا يتعبد بتلاوتها، ويجوز مسها على غير طهارة، ويجوز للجنب قراءتها، ويجوز للحائض قراءتها، ويصح بيعها، وفي المصحف خلاف كما تعرفون، في بيع المصحف، ويسافر بها إلى أرض العدو، وفي المصحف خلاف. المهم أن أحكام المصحف لا تتعلق بالأحاديث القدسية.
الطالب : وتروى بالمعنى.
الشيخ : نعم؟
الطالب : وتروى بالمعنى؟
الشيخ : وتروى بالمعنى، نعم، بخلاف القرآن، نعم؟
الطالب : وغير مخلوقة الاحاديث القدسية؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : وغير مخلوقة؟
الشيخ : الظاهر أن المسألة اختلف فيها أهل العلم في مسألة: هل هي منسوبة إلى الله لفظا ومعنا، فإن كان كذلك فهي غير مخلوقة، وأما من قال إنها منسوبة إلى الله معنى فقط وأن التعبير تعبير الرسول عليه الصلاة والسلام لأنها غير معجزة، فعلى هذا تكون ألفاظها مخلوقة، أما معناها فهو كلام الله غير مخلوق.
الطالب : لكن الظاهر يعني أيضا اللفظ لفظ الله سبحانه وتعالى، قيما يرويه عن ربه.
الشيخ : لا، هو هذا الظاهر، لكنه يخالف الظاهر أشياء، منها: أنا لو جعلنا الأحاديث القدسية كلام الله لفظا لصارت أعلى سندا من القرآن، لأن القرآن بواسطة جبريل، وأما هذه فتكون من الرسول إلى الله مباشرة. ولأن لفظها ليس بمعجز عند أهل العلم، ولو كانت من كلام الله لكان معجزا لأن كلام الله لا يشبهه كلام البشر، ولأنها أيضا لو كانت من كلام الله ما حصل فيها هذا الاختلاف، اختلاف الألفاظ أحيانا بزيادة أو نقص، وكلام الله تعالى محفوظ، ولهذا القرآن ما يمكن يتوصل إليه زيادة أو نقص (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) فالظاهر لي أن القول الثاني أصح، أنها كلام الله معنى وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام لفظا، وكونه يضيف الله فيقول قال الله، كما أن الله يضيف إلى فرعون وإلى موسى وإلى غيرهم فيقول قال فرعون قال موسى، مع أن اللفظ لفظ الله عز وجل، أي نعم.
( قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم ) قال الله تعالى، لنشرح هذا الحديث بألفاظه، تعالى أيش معنى تعالى؟ تعالى من العلو، لكنها أتت بهذه الصيغة للدلالة على ترفعه جل وعلا عن كل نقص وكل سُفل، فهو متعال في ذاته ومتعال في صفاته، وهي أبلغ من كلمة علا، لأنها تدل على ... ولهذا يأتي بها الله عز وجل في مقابلة الذين أشركوا به فيقول (( تعالى الله عما يشركون )) أي ترفع وتنزه عما يشركون علوا كبيرا.
وقوله: ( قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم )، يؤذيني أي يلحق بي الأذى، ولكن هذا الأذى كما قلت قبل قليل ليس كأذية المخلوق، وش الدليل؟ قوله تعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وهكذا صفات الله كلها ليست كصفات المخلوق، ولهذا تأمّل أن الله قدم النفي على الإثبات في قوله: (( ليس كمثله )) لأجل أن يرد الإثبات على قلب خالٍ من توهم المماثلة، حتى يرد الإثبات على قلب خال من توهم المماثلة، يعني: ليس كمثله أقرَّ هذا في قلبك، ثم يأتي وهو السميع البصير، فيرد على قلب أيش؟ خال من توهم المماثلة، ويكون الإثبات حينئذٍ على الوجه اللائق به تعالى، وأنه لا يمكن أن يماثل الله أحدٌ في صفاته كما لا يماثله أحد في ذاته، وكل ما وصف الله به نفسه فليس فيه احتمال للتمثيل أبدا، لأنك لو أجزت احتمال التمثيل فيما وصف الله به نفسه لأجزت أن يكون احتمال الكفر في كلام الله وكلام رسوله، لأن التمثيل كفر، فلو أجزت فيما وصف الله به نفسه في القرآن أو ما وصفه به رسوله في السنة، لو أجزت احتمال التمثيل لكان معنى ذلك أنك أجزت في كلام الله وكلام رسوله أيش؟ احتمال الكفر، وهذا أمر لا يقوله عاقل فضلا عن المؤمن.
إذن فالأذية ثابتة، أفهمتم؟ الأذية ثابتة، ويجب علينا إثباتها لأننا لسنا أعلم من الله بالله، صح؟ نعم، فإذا وصف الله نفسه بهذا نقول لا؟ حاشاك أن يؤذيك أحد، أبدا، نقول حاشاك أن يضرك أحد، أما أن يؤذيك وقد أثبته لنفسك فنقول: آمنا وأقررنا واعترفنا بذلك، ولكن مع هذا لا تكون أذيته كأذية المخلوق، أنا ربما أتأذى من شيء ويكون عندي مثلا انفعال وعدم تحمل، وربما أتضرر، لكن الرب عز وجل لا يمكن في حقه هذا.
وقوله: ( ابن آدم ) يعني دون بنت آدم؟
الطالب : ...
الشيخ : آي، يقول العلماء: إذا قيل ابن أو بني في غير محصور فهو شامل للذكور والإناث، ولهذا لو وقّف إنسان على بني تميم، بني تميم وقّف عليهم وقف، فجاء الرجال وأخذوا الوقف، وقالوا للنساء: يلا ما لكم شيء، ليش؟ قالوا بني، وأنتن بنات، يصح هذا ولا ما يصح؟ ما يصح لأنهم غير محصورين، وكذلك ابن آدم ليس معناه الذكور فقط، بل الذكور والإناث، وهكذا القاعدة: ابن وبني إذا كان في غير محصور فهو شامل للذكور والإناث.
( يؤذيني ابن آدم ) وآدم هو أبو البشر كما هو معروف، خلقه الله تعالى من طين وسواه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وعلمه أسماء كل شيء. واعلم أنه من المؤسف أنه يوجد في الكتب التي بين أيدي الطلاب فكرة ضالة خاطئة كافرة مضلة، وهي أن الآدميين ما نشأوا من طين، إنما نشأوا من قرود، وتطور الأمر بهم حتى صاروا على هذا الوصف، ويمكن على مر السنين يتطور حتى يكونوا ملائكة، وتصير الملائكة ملائكة الملائكة، وهذا القول لا شك أنه كفر، لأنه تكذيب للقرآن، وأعداء المسلمين أدخلوه على المسلمين من أجل أن يقولوا هذه أفكار متضاربة، أنتم يا المسلمين عندكم فكر ونحن يا الطبائعيين عندنا فكر، وليس فكركم بأولى من فكرنا، ولهذا أنا دائما أحذر من كلمة فكر إسلامي، مفكر إسلامي لا بأس، لكن فكر إسلامي معناه أنا حولنا الإسلام إلى أفكار قابلة للأخذ والرد، وهذا خطر عظيم، والتعبير دخل علينا من أعدائنا من حيث لا نشعر، وأعداؤنا يدسون علينا الأشياء، ونأخذها مسلمة لغلبة الجهل وقلة البصيرة والضعف الشخصي في النفوس الإسلامية، ورؤية هؤلاء القوم مرآى المبجل المعظم المعصوم من الخطأ، لهذا دخل علينا مثل هذه الأمور. أقول إن هذا القول تكذيب للقرآن صريح ولا لأ؟ تكذيب صريح واضح، فالواجب علينا أن ننكر هذا إنكارا بالغا، وأن لا نقره في أي كتب من كتب المدارس، وأن نعاقب من يقرره أو يضعه بين أيدي الشباب، لأن أقل ما فيه من الخطورة أيش؟ أقل ما فيه من الخطورة أنه يوجب لهذا الشاب الذي لم يرسخ الإيمان في قلبه ولم ترسخ قدمه في العلم وش يوجب له؟ أن يشك يقول والله يمكن هذا، هذا رجل مفكر يمكن صحيح هذا الشيء، لكننا نحن نقول مثل ما قيل في أبي العلاء المعري، يقول :
" إذا ما ذكرنا آدما وفعاله *** وتزويجه بنتيه بابنيه في الخنا
علمنا بأن الخلق من نسل فاجر *** وأن جميع الناس من عنصر الزنا "
أعوذ بالله، أجابه بعض العلماء بجواب، قال : أنت الآن أقررت أنك ولد زنا وإقرارك على نفسك مقبول، وعلى غيرك غير مقبول، وهكذا
" إقرار الفتى لازم له وفي *** غيره لهو كما جاء شرعنا " رَدوا عليه.
فالمهم هذا الرجل نقول أنت قرد، ولا تتجاوز أن تكون من القرود بصورة إنسان، أما فكرك هذا فهو فكر باطل، لأن الله أكذبك فيه، وقد قال: (( ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم )) أنت بنفسك لا تدري كيف يخلقك الله، (( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث)) ما تدري كيف تخلق، كيف تقول إن أصلك قرد، ثم صرت آدميا، قل لي: ما أصل الكلب، وما أصل البقرة، وما أصل البعير؟ ولكن أنا الحقيقة يؤلمني أن يوجد هذا بين أيدي الشباب، وأن بعض الناس قد أخذوا به على أنه أمر محتمل، والواقع أنه أمر لا يحتمل سوى البطلان والكذب والدس على المسلمين بالتشكيك بما أخبرهم الله به عن خلق آدم وبنيه، نعم.
( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر ) الجملة هنا تفسير، يعني جملة تفسيرية أو تعليلية، يعني: إما أنها تعليل للأذية أو تفسير للأذية، يعني: بكونه يسب الدهر، أي: يشتمه ويقبحه ويلومه، وربما يلعنه والعياذ بالله، وما هو الدهر؟ الدهر الزمن، الدهر هو الزمن، قال الله تعالى: (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا )) فالدهر الزمن فالإنسان يسب الزمن، وسبه في الحقيقة إن كان يعتقد أن الزمن هو الفاعل فقد تقدم أنه شرك، وإن كان يعتقد أن الزمن محل الحوادث ويسبه لوقوع الحوادث السيئة فيه فإنه محرم وإثم، والسب في الحقيقة يعود إلى الله.
( يسب الدهر ) أي: الزمن والوقت، قال: ( وأنا الدهر ) كيف يعني أنا الدهر، يعني أنا الزمن؟ لا، أنا الدهر يعني معناه أنا مدبر الدهر ومصرف الدهر، ويدل لذلك قوله: ( أقلب الليل والنهار ) الليل والنهار هو الدهر، يعني أنا الدهر أي أقلب الدهر، كما قال الله تعالى (( وتلك الأيام نداولها بين الناس ))
" فيوم علينا ويوم لنا *** ويوم نساء ويوم نسر "
هكذا الدنيا، لو تأملتها لوجدتها هكذا، تتقلب بالإنسان يوم يسر الإنسان ويوم يساء، ويوم يكون صحيح ونشيط، ويوم يكون فيه شيء من المرض، ويوم يكون منطلق ومسرور، ويوم بالعكس هكذا الدنيا، وهذا من حكمة الله عز وجل لئلا يركن إليها العاقل، لو كانت كلها صفوا لركن إليها كثير من الناس، لكنها كانت على هذا الوجه حتى يعتبر الناس ولا يتخذوها مقرا، نعم.
إذن ( أنا الدهر ) أيش معنى أنا الدهر؟ أنا مقلب الدهر ومصرفه، ولا يحتمل المعنى سوا ذلك لأنك لو قلت أن الله نفسه هو الدهر لجعلت الخالق مخلوقا، ولجعلت المقلِّب مقلَّبا لأن الدهر مقلَّب ( أقلب الليل والنهار ) وهذا أمر لا يمكن، فإذا قال قائل: ألستم تقولون دائما وتكررون بأن المجاز ممنوع في اللغة العربية ولا سيما في كلام الله وكلام الرسول؟ وهذا إما أن تقولوا بأن الله هو الدهر، أو تقولوا بالمجاز، فما هو الجواب؟ الجواب أننا نقول: إن الكلمة حقيقة في معناها الذي دل عليه السياق والقرائن، وإن كانت في مكان آخر تكون مجازا، وحينئذٍ فنقول هنا لا شك أن في الكلام محذوفا وهو مقلب الدهر، لأنه فسره بقوله: ( أقلب الليل والنهار )، ولأن العقل لا يمكن أن يجعل الدهر المخلوق هو الخالق، ولأن العقل لا يمكن أن يجعل الفاعل هو المفعول، المقلَّب هو المقلِّب، وبهذا نعرف خطأ من قال: إن الدهر من أسماء الله كابن حزم رحمه الله فإنه قال إن الدهر من أسماء الله، وهذا غفلة عن مدلول هذا الحديث، وغفلة عن الأصل في الأسماء، ما هو الأصل في أسماء الله؟ أن تكون حسنى بالغة في الحسن غايته، فلا بد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة مثلا، يعني ما تجد في أسماء الله اسما جامدا أبدا، في أسماء الخلق تجد اسما جامدا جعفر مثلا وحدرد هذا اسم جامد، أسد اسم جامد، لكن في أسماء الله تجد اسما جامدا؟ لا أبدا، لأن الاسم الجامد ما فيه معنى حتى يكون أحسن أو غير أحسن، لكن أسماء الله كلها حسنى، فيلزم من ذلك أن تكون دالة على معان، والدهر اسم من أسماء الزمن ليس فيه معنى إلا أنه اسم زمن، وعلى هذا فينتفي أن يكون من أسماء الله لوجهين، الوجه الأول: أن سياق الحديث يأباه غاية الإباء، الوجه الثاني: أن أسماء الله حسنى والدهر اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات، فلا يحمل المعنى الذي يوصف بأنه أحسن، وحينئذٍ فليس من أسماء الله تعالى، بل إنه الزمن، ولكن مقلب هذا الزمن هو الله، ولهذا قال: ( أقلب الليل والنهار ).
تقليب الليل والنهار هل المراد ذواتهما أو ما يحدث فيهما أو الأمران جميعا؟ الأمران جميعا، فالليل والنهار يقلب من طويل إلى قصير إلى متساو، أليس كذلك؟ والحوادث فيهما حدث ولا حرج، تتقلب في الساعة، وفي اليوم، وفي الأسبوع، وفي الشهر، وفي السنة، (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )) ثم جاء تغيير الزمن نفسه، تؤتي الملك وتعز هذا الحوادث التي في الزمن، ثم جاء الزمن نفسه فقال: (( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ))، فالله عز وجل يقلب الليل والنهار في ذواتهما وفي الحوادث الواقعة فيهما، وتقليبه سبحانه وتعالى للحوادث الواقعة فيهما أمر ظاهر ما يحتاج إلى شواهد. فإذا قال قائل: هل لهذا التقليب حكمة أو مجرد ظهور السلطان والقدرة فقط؟
فالجواب: لا بد فيها من حكمة، ولكن هذه الحكمة قد تظهر لنا وقد لا تظهر، لأن عقولنا أقصر من أن تحيط بحكمة الله عز وجل، لكن منها ما يكون معلوما لنا، ومنها ما يكون مجهولا لنا، ثم نقول إن مجرد ظهور سلطان الله عز وجل وتمام قدرته هو من الحكمة، أليس كذلك؟ فإن سلطان الله عز وجل الأعظم الذي لا يماثله سلطان وتمام قدرته هذه لا شك أن ظهورها للإنسان من أعظم الحكم حتى يخشى صاحب السلطان سبحانه وتعالى ويخشى صاحب القدرة، ويتضرع إليه سبحانه وتعالى باللجوء إليه مما يخافه، لولا اعتقاد المرء تمام قدرة الله وسلطانه ما صح لجوؤه إليه، ولا لأ؟ إذ لا يلجأ إلى من لا يعتقد أن له السلطان الأعظم، بهذا نعرف أن تقليب الليل والنهار له حكم عظيمة، لكن منها ما يظهر لنا، ومنها ما لا يظهر، وفي رواية، طيب.