شرح قول المصنف :عن ابن عمر ، ومحمد بن كعب ، وزيد بن أسلم ، وقتادة - دخل حديث بعضهم في بعض - أنه قال رجل في غزوة تبوك : ( ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ، ولا أكذب ألسناً ، ولا أجبن عند اللقاء ، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء . فقال له عوف بن مالك : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه . فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته . فقال يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق . حفظ
الشيخ : تخلف من الصحابة خمسة منهم اثنان لحقوا بالعسكر بعد ومنهم ثلاثة لم يلحقوا ، وقصتهم مشهورة وهم هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك ، وقصتهم مشهورة معروفة ، وكان سبب هذه الغزوة سبب الغزوة هذه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغه أن الروم ومن والاهم من نصارى العرب يجمعون له فأراد عليه الصلاة والسلام أن يغزوهم هو في بلادهم وهذا غاية ما يكون من القوة أنه عليه الصلاة والسلام لو بقي ثم جاءت هذه الجموع لحصل في ذلك ما يحصل ، لكنه أراد أن يخرج حتى يبين قوته لأنه يجاهد بالله ولله وفي الله صلى الله عليه وسلم ، ما هو يجاهد لأجل قومية عربية أو قومية فارسية أو قومية هندية أو قومية كذا وكذا لا ، يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا فقط وقد وعده الله بقوله (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله )) لا بد أن تكون هي العليا كلمة الله ودين الرسول هو الأعلى صلى الله عليه وسلم ، فخرج وبقي في تبوك نحو عشرين يوم ولكنه لم يلق كيدا ورجع صلى الله عليه وسلم ، في هذه الغزوة ضلت ناقته ضلت ناقته فتحدث بعض المنافقين قبل أن يرجعوا قبل أن يرجعوا تحدثوا قالوا هذا محمد يقول أنه يأتيه الخبر من السماء وضلت ناقته وهو ما يدري وينها ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام ( إني لا أعلم من الغيب إلا ما أخبرني الله عز وجل وإنه أخبرني جبريل بأن الناقة في الواد الفلاني ) فذهبوا إلى الناقة ووجدوها في ذلك الوادي ، اللهم صل وسلم عليه ، وفي هذه الغزوة في آيات متعددة منها أنه قال ( إنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد منكم ) وأمرهم أن يشدوا عقل إبلهم وفعلوا فقام رجل بعد أن هبت الريح فشالته وحملته في جبال طيء نعم
الطالب : ...
الشيخ : في حائل عند حائل ، ولما رجع النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة جاؤوا به جاءت به طيء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذه من آيات الله وعلم بها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن تكون وعلم مؤكد والا حالة الطقس ؟
الطالب : علم مؤكد
الشيخ : علم مؤكد ولهذا وقع وقع ، والذي خالف نقلته الريح إلى هذا المكان الله أكبر ، وهذا من آيات الله ، نعم ؟
السائل : ...
الشيخ : لعلهم ما علموا ... يلزم الأرض.
وهذا التأويل كما ترى له وجهة نظر لكن المعنى يبعده ، لأن هذا الإظهار كان سابقا على هذه الفعلة إذ كانوا يظهرون عند خواصهم أيش ؟ الكفر والاستهزاء ، هذا هو الذي يمنع من تأويل الآية على هذا المعنى على أن المعنى أظهرتم الكفر ، إذ يقال إن إظهارهم الكفر سابق فإنهم ما زالوا يظهرون الكفر في خواصهم (( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون )) ويمكن الجمع بين القولين بأن يقال الآية هذه نزلت في ضعفاء الإيمان الذين يخالطون المنافقين في جلوسهم معهم وسماعهم ما يقولون ، ويكون هذا الآية كفرتم بعد إيمانكم يكون معناها على ظاهرها وهذا هو الذي أيده شيخ الإسلام ابن تيمية بأن هؤلاء كفروا بعد أن استهزأوا وليس المعنى أظهروا نفاقهم وكفرهم لأنه كما سمعتم كان ذلك ظاهرا من قبل ، وحتى لو فرض أنها نزلت في منافقين خلص أظهروا نفاقهم فقيل لهم قد كفرتم بعد إيمانكم فإن هذا الكفر إنما رُتب على الاستهزاء لا على أصل النفاق ، سيكون ستكون سيكون في الآية دلالة على أن الاستهزاء كفر الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر ، سواء قلنا أن هؤلاء كانوا مؤمنين وكفروا بذلك أو كانوا منافقين وأظهروا ذلك فإن الله تعالى يقول (( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم )) وقد سبق ذلك ، وفي الحديث في غزوة تبوك قلنا إن هذه الغزوة في سنة ؟ التاسعة من الهجرة وأن سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له إن قوما من الروم ومن متنصرة العرب كانوا يجمعون له فأراد أن يغزوهم عليه الصلاة والسلام إظهارا للقوة وإيمانا بنصر الله عز وجل ، وقلنا إن في هذه الغزوة صار فيها آيات متعددة ما لها دخل في موضوع البحث ، طيب وفيه وقفنا على كما قلتم في غزوة تبوك نعم
الطالب : الدرس الماضي ما ذكرنا التفصيل في أحد القولين يعني
الشيخ : أي نعم ، وذكرناه الآن
الطالب : بس ما بدأنا ...
الشيخ : ما سجلت من أول الدرس ؟ ... نعم يقول : ( فقال عوف بن مالك كذبت ولكنك منافق ، ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ) ، ما رأينا هذه الرؤية يحتمل أنها بصرية أو أنها علمية قلبية ، وقوله ( مثل قرائنا ) هذا هو المفعول الأول ، وقوله ( أرغب بطونا ) هو المفعول الثاني ويجوز العكس أن يكون المعنى ما رأينا أرغب بطونا مثل قرائنا هؤلاء ، والمراد بالقراء الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وقوله ( أرغب بطونا ) أي أوسع وإنما كانت الرغبة هنا بمعنى السعة لأنه كلما اتسع البطن رغب الإنسان في الأكل
وقوله ( ولا أكذب ألسنا ) الكذب هو الإخبار بخلاف الواقع والألسن جمع لسان والمراد ولا أكذب قولا واللسان يطلق على القول كثيرا في اللغة العربية كما في قوله تعالى (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه )) أي بلغتهم وقولهم ،
( ولا أجبن عند اللقاء ) ، الجبن هو خور في النفس يمنع المرء من الإقدام على ما يكره هذا الجبن ، فهو خلق نفسي ذميم وكان النبي عليه الصلاة والسلام يتعوذ منه لما يحصل فيه من الإحجام عما ينبغي الإقدام إليه ، فلهذا كانت صفة ذميمة ، ونحن إذا طبقنا هذه الأوصاف وجدنا أنها في المنافقين لا في المؤمنين ، فالمؤمن يأكل بمعىً واحد نعم ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ، والمؤمن أصدق الناس ولا سيما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإن الله وصفهم بالصدق في قوله (( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون )) فلا أحد أصدق من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأما الجبن فإن هذا من صفات المنافقين ولهذا يحسبون كل صيحة عليهم لو يسمعون واحد ينشد ضالته في السوق قالوا يلا عدو عدو البيوت البيوت نعم اختبئوا ، وهم يحسبون كل صيحة عليهم وهم أكذب الناس أيضا ، ولذلك الكذب من آيات من ايات النفاق نعم، وأما حبهم للدنيا فلا شك أن أصل نفاقهم من أجل الدنيا من أجل أن تحمى دماؤهم وأموالهم ، إذا ... الكفر ستؤخذ ، فهذه الأوصاف القائلون بها هم أحق الناس بها ، أما النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه فهم أبعد الناس عنها ، يقول
السائل : معى واحد وش هو المعى يأكلون في معى واحد ؟
الشيخ : أي المعى مفرد أمعاء والأمعاء تعرفها ألمس بطنك وتجدها ، نعم ، يقول : ( قال عوف بن مالك كذبت ) ، أخبرت بخلاف الواقع وفي هذا دليل على وجوب تكذيب الكذب مهما كان الأمر وأن السكوت عليه لا يجوز ، كل من تكلم بكذب فيجب أن يكذب ، ( قال : ولكنك منافق لأخبرن عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم )، من أين علم أنه منافق ؟ لأنه لا يمكن أن يطلق مثل هذه الأوصاف رجل يتسمى بالإسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا وهو منافق ، وبهذا نعرف أن من يدّعي الإسلام وهو يسب النبي وهو يسب أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فإنه كاذب وليس بمسلم ، إذ أن الطعن في صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام ليس طعنا في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فقط ، طعن فيهم وطعن في الرسول عليه الصلاة والسلام وطعن في الشريعة وطعن في الله نعم، أما كونه طعنا فيهم فلأنه سب لهم وعيب لهم ، كونه طعن في الرسول لأن أصحابه هؤلاء المطعون بهم عند هؤلاء الطاعنين والمرء على دين خليله والإنسان يستدل على صلاحه أو فساده وعلى سوء أخلاقه أو صلاحها بماذا ؟ بالقرين ، وأما كونه طعنا في الشريعة فلأن الواسطة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في نقل الشريعة هم الصحابة ومعنى ذلك إذا كان هؤلاء الذين نقلوها بهذه المثابة فمن الذي يثق بهذه الشريعة ، وأما كونه طعن في الله فإنه طعن في حكمته حيث اختار لأفضل خلقه أسوأ خلقه أعوذ بالله هذا طعن ، أليس كذلك ؟ أن الله يختار للرسول عليه الصلاة والسلام هؤلاء الذين لهم من السب والشتم عند أولئك القوم ما هم أحق به منهم ، فعلى كل حال لا شك أن من سب الصحابة رضي الله عنهم فإنه ليس بمؤمن بل هو منافق إن أظهر الإسلام وكافر إن كان معلنا لكفره ، ولهذا ( قال كذبت ولكنك منافق لأخبرن عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه )، من أين جاء ؟ من الله عز وجل بالوحي ، والله تعالى عليم بما يفعلون وعليم بما يريدون وعليم بما يبيتون نعم، كما قال تعالى في أمثالهم (( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول )) يقول : ( فجاء ذلك الرجل الذي كان يقول ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته ) ، الظاهر أن هذا من باب عطف التفسير يعني ارتحل لأن الارتحال معناه الركوب على الرحل فيكون هذا من باب عطف التفسير ، ( وركب ناقته فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق )
الطالب : ... ارتحلنا ...
الشيخ : او غيرنا ...
الطالب : ...
الشيخ : لا لا ما هو بالانتقال إلا إذا قيد ارتحل من كذا إلى كذا
الطالب : عطف يعني قال ارتحل ...
الشيخ : لا لا ، هو في مكانه لكن قد ركب الناقة ، ( قال نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق )، لكن بئس ما صنعوا ما رأوا من أحاديث الركب إلا أن يسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؟! نعم ولكنه والعياذ بالله النفاق وإلا فالدنيا مملوءة من الكلام الذي يقطع به المسافر الطريق ، لأن الحديث ولا سيما مع أصحابك وأحبابك لا شك أنه يقطع الوقت ويخفف عبء السفر ويسهل المسافة يعني يمضي الوقت سريعا ، فقالوا إن هذا ما نريده ولكن هل هم صادقون في ذلك ؟
الطالب : لا
الشيخ : لم يكونوا صادقين ، إذا كانوا يقولون نشهد إنك لرسول الله والله عز وجل يقول (( والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )) هو ما يوجد أحد أكذب من المنافق ، فهم كاذبون إنما أرادوا بلا شك سب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.