شرح قول المصنف باب : قول الله تعالى : (( فلما ءاتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون )) [ سورة الأعراف ، الآية : 190 ] . حفظ
الشيخ : ثم قال ... المؤلف رحمه الله : " باب قول الله " هذا ... اليوم ؟
الطالب : نعم
الشيخ : " باب قول الله تعالى (( فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما )) الآية " فلما آتاهما الضمير يعود على ما سبق ولهذا ينبغي أن نشرح الآية من أولها ، (( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها )) خلقكم من نفس هل المراد من نفس أي من عين واحدة وهو آدم أو المراد من جنس وصنف واحد ؟ في ذلك لأهل العلم قولان : القول الأول أن المراد بالنفس الواحدة العين الواحدة يعني شيء معين وهو آدم عليه الصلاة والسلام ، (( وجعل منها زوجها )) منها من للتبعيض لأن حواء خلقت من ضَلَع آدم
والقول الثاني أن المراد بالنفس الجنس أي من جنس واحدة وجعل من هذا الجنس زوجه ليسكن إليه لم يجعل زوجه من جنس البقر أو الإبل أو الضأن أو الملائكة بل من جنسها ، والنفس قد يراد بها الجنس كما في قوله تعالى (( هو الذي ... )) لا (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم )) أي من جنسهم من الجنس ، ندع هذا حتى نعرّج عليه بعد ذلك ، (( وجعل منها زوجها ليسكن إليها )) ليسكن أي الزوج إليها أي هاه ؟ إلى الزوجة ، وسكون الرجل إلى زوجته أمر ظاهر لانه لأن بينهما من المودة والرحمة ما يقتضي الأنس والاطمئنان والقرار والاستقرار بينهما ، بل إن الإنسان الشاب عند زواجه لا شك أنه يقلق ويضطرب ويتكلف من معاناة الشهوة حتى يتزوج فإذا تزوج سكن فيكون السكون هنا من ناحيتين : من ناحية سكون الشعور الذي يجده الإنسان حتى يتزوج ومن ناحية أنه إذا تزوج سكن إليها سكونا خاصا لا يوجد له نظير ولا بين الأم وابنها ، وقوله (( ليسكن إليها )) هذا تعليل لماذا ؟ لكونها من جنسه أو منه إذا قلنا إن النفس هو المعين ، (( فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به )) تغشاها يعني جامعها ، وعبارة القرآن والسنة عن الجماع والكناية عنه أمر مطلوب كأن الاستحياء من ذكره بصريح اسمه أمر فطري نعم، ولهذا تعبيرات القرآن (( أو لامستم النساء )) (( من قبل أن تمسوهن )) (( اللاتي دخلتم بهن )) (( وقد أفضى بعضكم إلى بعض )) (( فلما تغشاها )) (( فالآن باشروهن )) وما أشبه ذلك ، كل هذا لأن الطباع السليمة تستكره أن تذكر هذا الشيء بخاص اسمه إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك فإنه قد يصرّح به كما في قول الرسول عليه الصلاة والسلام لماعز بن مالك وقد أقر عنده بانه زنا قال له ( أنكتها لا تكني ) لأن الحاجة هنا داعية إلى التصريح حتى يتبين الأمر جليا لأن الحدود تدرأ بالشبهات
وقوله (( فلما تغشاها )) أظن أن تشبيه علو الرجل للمرأة عند الجماع بالغشيان أمر ظاهر ، كما أن الليل يستر الأرض بظلامه (( والليل إذا يغشاها )) ولكنه لم يقل فلما غشيها بل قال فلما تغشاها لأن هذا تغشٍ فيه شيء من المعالجة كما جاء في الحديث ( إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها ) شوف الجلوس بين الشعب الأربع هذا غشيان ، لكن ثم جهدها هذا تغشّي وأنه أبلغ ابلغ من قوله غشيها
وقوله سبحانه وتعالى (( حملت حملا خفيفا فمرت به )) حملا خفيفا لأن الحمل في أوله خفيف نطفة ثم علقة ثم مضغة كل هذا خفيف ولهذا قال فمرت به والمرور بالشيء معناه تجاوزه من غير تعب ولا إعياء ، كما تقول مررت بزيد أي تجاوزته ، المعنى أنها تجاوزت هذا الحمل الخفيف بدون تعب ولا إعياء فمرت به (( فلما أثقلت )) ومتى يكون الإثقال ؟ في آخر الحمل ، (( فلما أثقلت دعوا الله ربهما )) لماذا لم يقل دعوُ بل قال دعوَا ؟ لأنهما اثنين ، لماذا لم يقل دعيا كما في اللغة العامية ؟
الطالب : ...
الشيخ : نعم لأن الفعل واوي ... واوي ، فعاد إلى أصله فصار دعوا لا دعيا ، (( دعوا الله ربهما )) أتى بالألوهية والربوبية لأن الدعاء عبادة ، وإيصال المطلوب من جانب أيش ؟ الربوبية فالدعاء يتعلق به جانبان : الألوهية من جهة من ؟ من جهة العبد أنه داع والدعاء عبادة ، ويتعلق به جانب الربوبية أيضا لأن في الدعاء تحصيل للمطلوب او تحصيلا للمطلوب بهذا يكون متعلقا بجانب بجانب الربوبية ، لأن الرب عز وجل هو الخالق المالك المدبر ، فلهذا قال (( دعوا الله ربهما )) فقالا اللهم ربنا اللهم ربنا هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون بصيغة أخرى غير تلك ولكن هذا بيان للواقع أنهم دعوا إلها ربا سبحانه وتعالى
(( لئن آتيتنا )) هذا المطلوب لئن آتيتنا ، آتيتنا بمعنى أعطيتنا أما أتيتنا فهي بمعنى جئتنا ، (( لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين )) ، الجملة هنا فيها جواب و، فيها قسم وشرط ، قسم متقدم وشرط متأخر ، والجواب فيها لأيهما ؟ للقسم ، ولهذا جاء مقرونا باللام (( لئن آتيتنا صالحا لنكونن ))
وقوله (( صالحا )) هل المراد صلاح الدين أو المراد صلاح البدن أي لئن آتيتنا بشرا سويا ليس فيه عاهة ولا نقص أو صالحا صلاح دين بأن يكون تقيا قائما بالواجب أو يشمل الأمرين ؟
الطالب : يشمل الأمرين
طالب آخر : ما يشمل الأمرين
الشيخ : لا ، يشمل الأمرين يشمل الأمرين بل إن كثيرا من المفسرين لم يذكر إلا الأمر الأول وهو الصلاح البدني لكن لا مانع من أن يكون شاملا للأمرين جميعا ،(( فلما آتاهم صالحا )) نعم (( لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين )) (( لنكونن من الشاكرين )) أي من القائمين بشكر هذا الولد الصالح ، (( فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما )) الذين يرجحون أن المراد بالصلاح صلاح البدن يقولون إنه قال (( فلما آتاهما صالحا جعلا له ))، والشرط متعقب، والجواب متعقب بالشرط وهذا يدل على أن إشراكهما وقع متى ؟ حين الإتيان وهو صحيح ، ومثل هذا لا يُعرف أيصلح في المستقبل أم لا يصلح ، ولهذا أكثر المفسرين على أن المراد بالصلاح الصلاح البدني نعم، (( فلما آتاهما صالحا )) حصل المطلوب والا لأ ؟ ولكن النتيجة بالعكس ما حصل الشكر الذي وعدا الله به ، (( جعلا له شركاء فيما آتاهما ))، وشوف سبحان الله معاهدة الإنسان ربه أن يفعل العبادة مقابل تفضل الله عليه الغالب أنها لا تكون ، في سورة التوبة (( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون )) وفي هذه الآية (( لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء )) فكانوا من المشركين لا من الشاكرين ، وبه تعرف سر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر يعني النذر معاهدة لله عز وجل ، فقد نهى عن النذر وقال ( إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل ) وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى تحريم النذر وظاهر كلام شيخ الإسلام أنه يميل إلى ذلك إلى تحريم النذر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عنه ونفى أن يأتي بخير ، فإذن ما الذي نستفيد من أمر نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبرنا أنه لا يأتي بخير ، ما نستفيد إلا المشقة على أنفسنا وإلزام أنفسنا بما نحن في عافية منه ، ولهذا القول بتحريم النذر قول قوي جدا نعم، ولا يعرف مقدار وزن هذا القول إلا من عرف أسئلة الناس وكثرتها يقولون إننا نذرنا إذا حصل كذا أن نفعل كذا ثم يحصل ما نذروا عليه ولا يفون ، يذهبون إلى كل عالم لعلهم يجدون خلاصا مما نذروا ، المهم هذه مسألة جئنا بها استطرادا ، يقول (( جعلا له شركاء فيما آتاهما )) ، فيما آتاهما يكون الذي آتاهما وهو الولد هو محل الشرك هو محل الشرك ، كيف شركاء فيما آتاهما هل عبدا الولد ؟ لننظر هذا الولد الذي آتاهما الله عز وجل وهو صالح كيف جعلا في هذا الولد شركا بالله بل شركاء ؟ نقول هذا على ثلاثة أوجه :
الوجه الأول أن يعتقدا أن هذا الولد من الولي الفلاني أو الصالح الفلاني هو الذي أتى به إلى هنا ، فهذا شرك فما نوع هذا الشرك ؟ شرك أكبر لأنهما أضافا الخلق إلى غير الله فهذا شرك أكبر لا شك فيه ، وهذا ما عند بعض الأمم الإسلامية الآن تجد المرأة إذا كانت لا يأتيها الولد تأتي إلى قبر الولي الفلاني كما يزعمون أنه ولي والله أعلم بولايته ، ثم تقول له يا سيدي يا فلان يا فلان يا فلان أنا ما يأتيني الولد أعطني الولد نعم، لكن يضيف أسباب سلامته ووقايته إلى الأطباء وإرشاداتهم وإلى القوابل وما أشبه ذلك ، يقولون مثلا سلم هذا الولد من الطلق لأن القابلة امرأة متقنة جيدة ، إلى غير الله إلى السبب وهذا نوع من الشرك وإن كان لا يصل إلى حد الشرك الأكبر لأنه أضاف النعمة إلى السبب ونسي المسبب وهو الله عز وجل
ثالثا لا يشرك به من ناحية الربوبية يؤمن بأن هذا الولد خرج سالما بفضل الله عز وجل ورحمته لكن يشرك به من ناحية العبادة ، فيقدم محبته لهذا الولد على محبة الله ورسوله ويلهيه الولد عن طاعة الله ، وفي هذا يقول الله عز وجل (( يا أيها الذين آمنوا ... فأولئك هم الخاسرون )) نعم كذا ؟ (( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم )) هذا نوع من الشرك بالولد الذي رزقك الله إياه بشرا سويا صالحا ، فتشرك بالله في كونك جعلته ندا لله في المحبة وربما قدمت محبته على ما يحبه الله عز وجل ، هذا مضمون قوله جعلا له شركاء فيما آتاهما ، وتأمل النقد اللاذع في هذه العبارة فيما آتاهما كيف يجعلان شركا مع المتفضل به ، وكان الأجدر بهما أن لا يجعلا له شركا لأنه هو الذي تفضل به ، هذا الشرك الذي جعلته معه ما له فضل بهذا الولد أبدا ، فكيف تجعله شركا مع الذي آتاك ، ثم قال الله تعالى (( فتعالى الله عما يشركون )) تعالى عز وجل بمعنى ترفّع وتقدس عما يشركون به من هذه الأصنام وغيرها ، الآية إذن صريحة وواضحة وهي على القول بأن قوله (( خلقكم من نفس واحدة )) أي من جنس واحد ليس فيها تعرض لآدم وحواء بوجه من الوجوه ، أو لا ؟ ويكون السياق فيها جاريا على الأسلوب العربي الفصحي الذي له نظير في القرآن خلقكم (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم )) أي من جنسهم ، وبهذا التفسير الواضح البين يسلم الإنسان من إشكالات كثيرة
أما على القول بأن قوله (( من نفس واحدة )) أي من شخص واحد وهو آدم وجعل منها زوجها وهي حواء فهنا نمشي مع الآية خلقكم من آدم وحواء فلما جامع آدمُ حواء نعم (( حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوَا )) أي آدم وحواء (( دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ، فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ))، فأشرك آدم وحواء أشركا بالله لكن يقولون إشراك طاعة لا إشراك عبادة ، (( فتعالى الله عما يشركون ))، وهذا التفسير منطبق على ما سيذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وسنبين إن شاء الله تعالى وجه ضعفه وبطلانه
والقول الثالث يقول الآية في آدم وحواء (( خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها فلما تغشاها )) انتقل الكلام من العين إلى النوع من العين أيش ؟ اللي هو آدم وحواء إلى النوع الذي هو جنس بني آدم ، أي فلما تغشى الإنسان الذي تسلسل من آدم وحواء فلما تغشى زوجته حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما إلى آخره ، واستدل لذلك بقوله (( فتعالى الله عما يشركون )) بالجمع ولم يقل عما يشركان فيكون هنا انتقل الضمير من العين إلى الجنس ، قالوا ولهذا نظائر في القرآن منها قوله تعالى (( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين )) جعلناها أي المصابيح والا الشهب الخارجة منها ؟ الشهب الخارجة منها رجوما للشياطين ، وقوله تعالى (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة )) جعلناه من ؟ الإنسان بالعين أو الإنسان بالنوع ؟ الإنسان بالنوع ، لأن الإنسان بالعين وهو آدم المخلوق من سلالة من طين ما هو يكون يرجع ويصير في الأرحام ، وإنما يكون نوع هذا الإنسان في الأرحام ، قالوا فالآية في أولها لآدم وحواء ثم انتقلت من أين ؟ من العين إلى النوع ، انتقلت من العين إلى النوع ، هذا التفسير له وجه وفيه تنزيه لآدم وحواء من الشرك لكن فيه شيء من الركاكة ، ما هي الركاكة اللي فيه ؟ تشتت الضمائر تشتت الضمائر، (( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها )) تقول فلما تغشاها أي شيء آخر غير الأول نعم، فيه نوع من القلق فيه نوع من القلق، ولكنه على كل حال أهون ممن يقول إن الآية كلها بجملتها في آدم وحواء بلا شك ، كما سنبين إن شاء الله ، فأقرب قول عندي هو أن الآية الكريمة في الجنس لا في العين من أصلها ، خلقكم من جنس واحد وجعل من هذا الجنس زوجه نعم ليسكن إليه إلى آخره ، ويكون قوله (( فتعالى الله عما يشركون )) جُمع لأن المراد بالمثنى الجنس أو الاثنين من هذا الجنس فصح أن يعود الضمير عليهم مجموعا كما في قوله تعالى (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا )) ولم يقل اقتتلتا لأن الطائفتين جماعة نعم ، نرجع الآن إلى كلام المؤلف رحمه الله