شرح قول المصنف : (......وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) . حفظ
الشيخ : قال ( وما شاء فعل ) هذه جملة شرطية مصدرة بما الشرطية ما شاء ، أين فعل الشرط ؟ شاء وفَعَل جواب الشرط ، أي ما شاءه الله فعله لأنه سبحانه وتعالى لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه كما قال الله تعالى (( لا معقب لحكمه )) وهو السميع العليم ، هاه ؟
الطالب : (( وهو سريع الحساب ))
الشيخ : (( وهو سريع الحساب )) ، طيب إذن ما شاء فعل وقد سبق لنا قاعدة في هذا الباب وهو أن كل فعل علق بالمشيئة فإنه مقرون بالحكمة ، فإن الله لا يفعل شيئا ولا يشرع شيئا إلا لحكمة يعني ما هناك شيء معلق بالمشيئة المجردة أبدا ، بل كل فعل فهو واقع بمشيئة الله لكنها مشيئة تابعة للحكمة ، الإنسان قد يفعل الشيء بمشيئة لكن بدون حكمة ، أما الله عز وجل فكل أفعاله لحكمة ولهذا نقول ما شاء فعل لكن فعلا مرتبطا بالحكمة ، طيب إذن نفهم أن المشيئة يلزم منها وقوع المُشاء أو لا ؟
الطالب : نعم
الشيخ : نعم ولهذا كل المسلمين يقولون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، هل الإرادة يلزم فيها وقوع المراد ؟
الطالب : ...
الشيخ : إن قلتم لا خطأ ها
الطالب : ...
الشيخ : على التفصيل ، الإرادة الشرعية لا يلزم فيها وقوع المراد والإرادة الكونية يلزم فيها وقوع المراد ، الإرادة الشرعية التي بمعنى يحب هذه ما يلزم فيها وقوع المراد فإن الله تعالى قد يريد شيئا ولا يقع أو لا ؟ وش مثاله ؟
الطالب : ...
الشيخ : لا ، نريد مثال من القرآن في إرادة شرعية
الطالب : ...
الشيخ : المشيئة ، الإرادة
الطالب : ...
الشيخ : نعم صح ، (( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما )) يريد أن يتوب عليكم بمعنى يحب لا بمعنى يشاء ، لو كانت بمعنى يشاء لتاب الله على الناس جميعا لكن معناه يحب ، وكذلك قوله تعالى (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) وقوله (( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج )) فهذه إرادة منفية والآيتان السابقتان إرادة مثبتة شرعية نعم
الطالب : ...
الشيخ : الحديث في مسلم
السائل : ...
الشيخ : ما دام ما ورد إلا قدر الله نتبع اللفظ ، نعم فإن لو لما بين النبي عليه الصلاة والسلام الحكم بين العلة قال ( فإن لو تفتح عمل الشيطان ) من يعرب لي لو ؟
الطالب : اسم إن
الشيخ : اسم إن ؟ كيف حرف الحرف لا يقع عليه الإعراب
الطالب : اللفظ
الشيخ : ها قُصد لفظها طيب ، لكن قصد لفظها وإلا حكيت يعني لو قلت لفظها فقال فإن لوً كما قال المؤلف باب ما جاء في اللو لكن قصد حكايتها ، يعني فإن هذا اللفظ تفتح عمل الشيطان ، ما عمله ؟ عمله ما يلقيه في قلب الإنسان من الحسرة والندم والحزن لأن الشيطان يا إخواننا يحب من الإنسان أن يحزن ويحب منه أن يندم ويحب منه أن تضيق عليه الأمور ، قال الله تعالى (( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله )) حتى في المنام يأتي إلى الإنسان في نومه ويريه أحلاما مفجعة مخيفة كله من أجل أن يعكر عليه صفوه لأن الإنسان إذا تشوش فكره ما تفرغ للعبادة على ما ينبغي وعلى ما يطلب منه لأن الإنسان بشر ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في حال تشوش الفكر لأنه ما يمكن يؤدي الصلاة على ما ينبغي ( لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان ) والحاصل أن العمل الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا هو ما يلقيه في قلب الإنسان من الحسرة والندم والحزن ، فإذا رضي الإنسان بالله ربا وقال هذا قضاء الله وقدره ولا يمكن أبدا أن يقع الأمر على خلاف الواقع ، يعني مهما كان لا تفكر إلا أن الأمر وقع على ذلك ، فإذا علمت هذا اطمأننت ، حتى لو فرض أنه ليس عندك الإيمان الكافي بالقدر فإنك بعقلك تقول لا يمكن أن يقع الأمر على خلاف ما جرى عليه أبدا ولا تفكر ، إذا آمنت بهذا اطمأننت وانشرح صدرك وعرفت أن المقام الآن هو مقام الصبر والتسليم ، ولا مقام سوا ذلك ، ويستفاد من هذا الحديث عدة فوائد كثيرة منها : إثبات المحبة لله عز وجل قوله
الطالب : ...
الشيخ : قوله ( خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف )
ومنها اختلاف الناس في قوة الإيمان وضعفه لقوله القوي والضعيف ، ومنها زيادة الإيمان ونقصانه نعم لأن القوي زيادة القوة زيادة والضعف نقص ، وهذا هو القول الصحيح الذي عليه عامة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص وإن كان بعض أهل السنة يقول يزيد ولا يقول ينقص لكنه قول ضعيف ، يقول يزيد لأنه جاء في القرآن (( ويزداد الذين آمنوا إيمانا )) (( ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم )) ولا يقول ينقص لأنه ما جاء في القرآن ينقص ولكنا نقول إن الزيادة والنقصان متقابلان لا يمكن وجود أحدهما بدون الآخر ، فإذا زاد هذا على هذا لزم أن ينقص هذا عن هذا ، ولا يمكن أن تعقل زيادة بدون نقص هذا من الناحية العقلية
أما من الناحية الأثرية فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال للنساء ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ) فأثبت نقصان الدين وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الإيمان يزيد وينقص ولكن هل يزيد بالكمية أو يزيد بالكيفية أو بهما ؟ نعم يزيد بهما وهل الذي لا يزيد الأعمال الظاهرة كأقوال اللسان وأعمال الجوارح أو حتى الأعمال الباطنة كأعمال القلوب ؟
الطالب : ...
الشيخ : كلاهما ؟ طيب أعمال القلوب تختلف تزيد وتنقص ، هل أقوال القلوب وهي إقرارات القلب كذلك ؟
الطالب : نعم
الشيخ : أي نعم ؟ متأكدون ؟ إذن معناها الإيمان من كل نواحيه يزيد وينقص فالإيمان الذي هو التصديق تصديق القلب وإقراره لا شك أنه يزيد وينقص أليس كذلك ؟ إيمانك بالشيء الذي تشاهده ليس كإيمانك بالشيء الذي تُخبر عنه ، أيهما أقوى ؟ الذي تشاهده ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام (( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )) والإنسان إذا أخبره ثقة بخبر ما ثم أخبره آخر بنفس الخبر ازداد يقينه فإذا جاء الثالث ازداد يقينا ، ولهذا قال أهل العلم : إن المتواتر ان الخبر المتواتر يفيد العلم اليقيني يفيد العلم اليقيني وبعضهم قال القطعي فهذا دليل على أن القلوب تتفاوت بالتصديق ، أما الأعمال فأمرها ظاهر فمن صلى ركعتين فمن صلى أربع ركعات أزيد ممن صلى ركعتين ومن سبح مئة مرة أزيد ممن سبح ثمانين مرة مثلا أي نعم
السائل : ...
الشيخ : ومن فوائد الحديث أن المؤمن وإن ضعف إيمانه فهو خير أو ففيه خير لقوله ( وفي كل خير )
ومن فوائد الحديث أن الشريعة جاءت بتكميل المصالح وتحقيق المصالح لقوله ( احرص على ما ينفعك ) يعني هذا شريعة أنت إذا حرصت على ما ينفعك فإنك امتثلت أمر الرسول عليه الصلاة والسلام فهو عبادة إذن فالدين جاء بتكميل المصالح وتحقيق المصالح
ومن فوائد الحديث أنه لا ينبغي للعاقل أن يمضي جهده فيما لا ينفعه ، يؤخذ من قوله احرص على ما ينفعك
ومنها من فوائد الحديث أنه ينبغي للإنسان الصبر والمصابرة وعدم الملل لقوله ( ولا تعجزن ) فالذي ينبغي أن تصبر وتصابر ما دمت على أمر ينفعك لا تعجز ،
ومن فوائد الحديث أن ما لا قدرة للإنسان فيه فله أن يحتج عليه بالقدر هاه ؟ لقوله ( وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل )، فالشيء الذي لا يمكنك لك أن تحتج به بالقدر لكن الذي يمكنك لا حجة في القدر لا تحتج بالقدر ، فإن قلت ما تقول في احتجاج آدم وموسى ، تحاجّ آدم وموسى فلام موسى آدم عليه الصلاة والسلام وقال له ( لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ فقال أتلومني على شيء قد كتبه الله علي ؟! ) فهل هذا احتجاج بالقدر أم لا ؟
الطالب : ...
الشيخ : هذا احتجاج بالقدر لكن ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا - لحظة - الذين لا يحتجون بالقدر كالقدرية ينكرون هذا الحديث رأسا يقولون هذا ما يصح الحديث وهذا مكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأن من عادة أهل البدع أن ما يخالف بدعهم إن كان مما يمكن تكذيبه كذبوه ولو كان الإمكان عقليا ، وإن كان مما لا يمكن حرفوه فهذا قالوا ليس من القرآن اتركوه هذا حديث مكذوب ، لكن الصحيح ثابت الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما ، إلا أن شيخ الإسلام رحمه الله يقول " إن موسى ما احتج على آدم بالمعصية التي هي سبب الخروج ، احتج عليه بالخروج نفسه " نعم يعني معناه أن فعلك صار سببا لخروجنا وإلا فإن موسى عليه الصلاة والسلام أبعد من أن يلوم والده على ذنب تاب منه فهو والده وتاب من الذنب واجتباه ربه وهداه بعد ذلك كيف أنه يلومه ؟! هذا بعيد ، فإذن هو يلومه أو يعني يعترض على هذه المصيبة التي حصلت ، وآدم عليه الصلاة والسلام قد لا يعلم أنه بمعصيته هذه يخرج من الجنة قد يظن أن العقوبة تكون دون ذلك فلا يكون فاعلا سببا يتيقن أنه يخرجه من الجنة ، ولهذا وكل الأمر إلى القضاء والقدر فيقول شيخ الإسلام " إن هذا من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب "، وعلى رأي شيخ الإسلام يكون المسألة تنطبق على هذا الحديث ( ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ) هذه مصيبة ما أردتها ، أما ابن القيم فذهب إلى وجه آخر في الحديث وقال " إن آدم عليه الصلاة والسلام احتج بقدر بعد أن تاب منه لأنه قد فرغ ليس كحال الذين يحتجون بالقدر على أن يبقوا على معصية الله "، فالمشركون لما قالوا (( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا )) نعمهم ما يحتجون على شيء مضى ويقولون تبنا إلى الله لكن يحتجون على الاستمرار والبقاء فلهذا كذبهم الله عز وجل ، فالحاصل أن العلماء اختلفوا في تخريج هذا الحديث لكن على أحد التخريجين وهو تخريج شيخ الإسلام ابن تيمية يكون من باب قدر الله وما شاء فعل ما هو هذا الذي أردنا
ويستفاد من هذا الحديث أن للشيطان تأثيرا على بني آدم لقوله ( فإن لو تفتح عمل الشيطان ) ولا شك أن له تأثيرا على بني آدم حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( إنه يجري من ابن آدم مجرى الدم ) شوف كيف يجري مجرى الدم يعني مجاري الدم الآن الشيطان يدخل فيها يدخل فيها وإن كان بعض العلماء قال إن هذا من باب الوساوس يعني يلقي الوساوس في قلب الإنسان وتجري هذه الوساوس في عروقه ولكن ظاهر الحديث أن الشيطان نفسه يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وهذا ليس ببعيد على قدرة الله عز وجل ، الروح تجري منك مجرى الدم وهي جسم والدليل على أنها جسم أنها إذا قبضت تكفن وتحنط ويصعد بها وتقبض وتتوفى نعم فالحاصل أن الشيطان له تأثير على قلب ابن آدم ، لكن من نعمة الله أن هذه القوة لها ما يضادها وهي لمة الملك فإن للشيطان في قلب ابن آدم لمة وللملك لمة والإنسان إذا وفق نسأل الله لي ولكم التوفيق يكون لمة الملك تغلب على لمة الشيطان ، فهما يتصارعان دائما نفس مطمئنة ونفس أمّارة ونفس لوامة أو لا ؟ النفوس ثلاث أمارة بالسوء ومطمئنة ولوامة ، أيهن اللوامة ؟ هاه ؟ الأمارة بالسوء هي اللوامة أو المطمئنة ؟
الطالب : المطمئنة
الشيخ : آه ، .. النفسين جميعا ، اللوامة ... النفسين جميعا ...