شرح قول المصنف : باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه وقول الله تعالى : ( أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون )) [ سورة النحل : 91 ] . وعن بريدة - رضي الله عنه - قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا أمر أميراً على جيش أو سرية ، أوصاه [ في نسخة القارئ : زيادة " في خاصته ] بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً حفظ
الشيخ : نبيه صلى الله عليه وسلم، الذمة بمعنى العهد الذمة يعني العهد وسمي العهد ذمة لأن الإنسان يلتزم به كما يلتزم صاحب الدّين بالدّين في ذمته فلذلك سمي العهد
الطالب : ذمة
الشيخ : ذمة، ولله سبحانه وتعالى عهد على عباده وللعباد عهد على الله عز وجل، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام له عهد على أمته ولهم عليه عهد أما عهد الله على عباده فأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وأما عهد العباد على الله فأن لا يعذب من لا يشرك به شيئا (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لإن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسناً )) هذا عهد الله علينا (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) هذا عهدنا على الله قال الله تعالى : (( وأوفوا بعهدي )) ها
الطالب : أوفِ
الشيخ : (( أوفِ بعهدكم )) وأما عهد النبي عليه الصلاة والسلام على الأمة فأن يتبعوا شريعته ولا يبتدعوا فيها وعهدهم عليه أن يبلغ لهم ولا يكتمهم شيئا وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه ما من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على ما هو خير هذا من عهد الإنسان من عهدنا على أنبيائنا لكن المراد بالذمة هنا غير ما أشرت إليه فالمراد به العهد الذي يكون بين المتعاقدين في عهود كما بين أهل مكة والنبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية وقول الله تعالى : (( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم )) (( أوفوا )) فعل أمر من الرباعي ولا من الثلاثي؟
الطالب : الرباعي
الشيخ : ها من الرباعي من أوفى يوفي والإيفاء بمعنى إعطاء الشيء تاما ومنه إيفاء المكيال والميزان وما أشبه ذلك وقوله : (( أوفوا بعهد الله )) هل هو من باب إضافة المصدر إلى فاعله أو إلى مفعوله؟ أي بعهدكم الله أو بعهد الله إياكم؟
الطالب : بعهد الله إياكم
الشيخ : نشوف الآن قال: (( إذا عاهدتم )) ها
الطالب : فاعله
الطالب : كلاهما يحتمل
الشيخ : لأن فاعِل فاعَل ، فاعِل الفعل فاعَل يقتضي المشاركة من الجانبين كقاتل وجاهد وعاهد فالآية صالحة لهذا ولهذا وهما أي عهد الله لنا وعهدنا له متلازمان (( أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم )) ومنه النذر فإن النذر نوع من العهد كما قال الله تعالى: (( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ )) كذا يا عبد الله زين وش ...؟ (( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ))وقوله (( إذا عاهدتم عاهدتم )) فائدتها التوكيد والتنبيه على وجوب الوفاء وإلا لاكتفي بقوله: (( وأوفوا بعهد الله )) لكن يقول إذا عاهدتم وصدر منكم العهد فإنه لا يليق بكم أن تدعو الوفاء به
ثم أكد هذا الأمر بقوله (( ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها )) نقض الشيء هو حل إحكامه وشبه العهد بالعُقدة لأنه عقد بين المتعاهدين ولهذا قال: (( ولا تنقضوا )) ونحن نعرف أن النقض مثل نقض النسيج ونقض الحبل إذا عُقد وما أشبه ذلك وقوله: (( بعد توكيدها )) توكيد الشيء بمعنى تثبيته تثبيته والعهود تؤكَّد أو توكَّد على الصحيح توكّد نعم ولا تؤكّد؟
الطالب : توكّد
الشيخ : توكّد هذا الأفصح ، يقال وكد الأمر وأكده توكيدا وتأكيدا وكما ترون الآن (( توكيدها )) فإذن الواو أفصح من الهمزة ثم قال: (( وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً )) (( قد جعلتم الله عليكم كفيلا )) لماذا؟ لأن الإنسان إذا عاهد غيره وقال أعاهدك بالله أعاهدك بالله ثم يذكر ما عاهد عليه ، فقوله (( أعاهدك بالله معناه أنه جعل الله ))
الطالب : وكيلاً
الشيخ : كفيلاً جعل الله كفيلاً وهذا زيادة في تأكيد العهد (( إن الله يعلم ما تفعلون )) ختمها بالآية ختم الآية بالعلم تهديدا عن مخالفة العهد عن نقض العهد لأنه إذا آمن الإنسان بأن الله يعلم كل ما يفعل فسوف لا ينقض العهد
والحاصل أن مناسبة الآيات للترجمة واضح جدا لأنه قال : (( أوفوا بعهد الله )) وقال: (( وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ))
( وعن بريدة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية ) إذا أمره أي جعله أميراً عليهم والأمير في ذلك العهد يتولى التنفيذ والفتوى والحُكم والإمامة إمامة الصلاة يتولى كل هذه الأشياء يكون إماما في الصلاة ومفتيا لهم وحاكما فيهم ومنفذاً، أربعة أشياء لكن اختلفت الأمور الآن وصار يُجعل لكل شيء من هذه الأعمال شخص خاص ( إذا أمَر أميرا على جيش أو سرية ) أو هنا ليست للشك ولكنها للتنويع والجيش ما زاد على أربع مئة والسرية ما دون ذلك يعني ما كانت أفرادها أربع مئة فأكثر فهو جيش وما كان دون ذلك فهو
الطالب : سرية
الشيخ : سرية، ثم إن السرايا تارة تبعث من البلد مستقلة وتارة تكون فصيلة من الجيش والفصيلة من الجيش تارة تكون في الابتداء وتارة تكون بعد الرجعة السرايا إذن ثلاثة أقسام: قسم تنفذ من البلد وقسم آخر تنفذ من الجيش في الابتداء وقسم ثالث تنفذ من الجيش في الرجعة أما الذين من البلد فظاهر بأن يبعث سرية من ثلاثمئة ، مئتين ، مئتين وخمسين ، ثلاثمئة وخمسين وأما من الجيش ... أيش بكامله ثم يبعثون سرية في الابتدا يعني تكون أمامهم تذهب إلى العدو هذا قسم أو بعد رجوعهم يبعثون سرية بأن يذكر لهم فلول من العدو فيبعثون إليهم السرية وقد فرق العلما بين السرية في الابتداء والسرية في الرجعة من حيث نصيبها من المغنم فقالوا إن الإمام له أن ينفل السرية في الابتدا أيش. ينفلهم الثلث بعد التخميس الربع، وفي الرجعة الثلث الربع للابتدا وفي الرجعة الثلث لماذا؟ لأنه في الابتدا الجيش ورائها سوف يلحق بها فهي أشد أمنا من التي تُبعث بعد الرجعة ولا لا؟
الطالب : نعم
الشيخ : نعم طيب ( إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله ) أوصاه: الوصية معناه الإخبار بالشيء على وجه الاهتمام به يعني يُعلِمه الشيء ويحثه عيله حتى يأخذ به وتقوى الله هي امتثال أمره واجتناب نهيه مأخوذة من الوقاية نعم ومعناه اتخاذ الوقاية من عذاب الله ، وهذا لا يكون إلا بفعل الأوامر واجتناب النواهي، وقد سبق أن بعض أهل العلم حدّها أو عرفها بتعريف آخر فقال: التقوى أن تعمل بطاعة الله ها
الطالب : على نور من الله
الشيخ : على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك ما نهى الله على نور من الله ها
الطالب : تخشى عقاب الله
الشيخ : تخشى عقاب الله وبعضهم عرفها بغير ذلك فقال
الطالب : اجعل ...
الشيخ : ها
الطالب : أن تجعل ...
الشيخ : " خلي الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى *** واعمل كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى "

ولكن كل التعريفات تَنصَب فيما قلنا أولاً وهو أن يتخذ الإنسان وِقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه وإنما كانت الوصية بالتقوى لأمير الجيش أو السرية لأن الإمارة في الغالب تُعطي الإنسان رِفعة رِفعة على من هو أمير عليهم وربما تأخذه نفسه الأمارة بالسوء حتى لا يتقي الله عز وجل وقوله: ( وبمن مَعه من المسلمين خيرا ) أنا عندي بالباء وبمن
الطالب : ومن
الشيخ : ومن
الطالب : ومَن
الشيخ : أما إعراب وبمن فهي معطوفة بإعادة العامل معطوفة على تقوى الله بإعادة العامل وأما على حذف الباء فهي معطوفة عليه بغير إعادة العامل ، وقوله : ( بمن معه من المسلمين خيرا ) يعني أوصاه أن يعمل بمن معه من المسلمين خيراً طيب خيراً في الأمور الدنيوية ولا في الأمور الدينية ولا فيهما جميعاً؟
الطالب : فيهما جميعا
الشيخ : فيهما جميعاً فيسلك بهم الأسهل ويطلب لهم الأحفظ إذا كانوا على خيل أو إبل وكذلك يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويمنع من التظالم فيما بينهم فكلمة خير تشمل خير الدنيا والآخرة وفي هذه الحال أو من هذا الحديث نعرف أنه يجب على من تولى أمرا من المسلمين أن يسلك بهم ما هو
الطالب : خير
الشيخ : خير بخلاف عمل الإنسان لنفسه فإنه لا يلزم إلا بالواجب لا يلزم إلا بالواجب أما من عمل لغير فإنه الواجب عليه أن يَتبَع ما هو خير