شرح قول المصنف : عن جندب بن عبدالله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال رجل : والله لا يغفر الله لفلان ، فقال الله عز وجل : من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان ؟ إني قد غفرت له ، وأحبطت عملك ) رواه مسلم . وفي حديث أبي هريرة : ( أن القائل رجل عابد . قال أبو هريرة : تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته ) . حفظ
الشيخ : يقول المؤلف : " عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال رجل والله لا يغفر الله لفلان ) " طيب ما شأن ... بفلان؟ هذه الكلمة ماذا تدل عليه هل تدل على أن الإنسان أحسن الظن بالله ورحم عباد الله؟ ها
الطالب : بالعكس
الشيخ : أبدا بل تدل على العكس اليأس من روح الله وتدل أيضا على احتقار عباد الله وتتضمن إعجب هذا الإنسان بنفسه لأنه لو كانت حاله مثل حال هذا الرجل من المعاصي ما قال هذا الكلام لو قال هذا الكلام لكان يشهد على نفسه أن الله ما يغفر له بل هذا يدل على أن الرجل القائل كان على جانب من العبادة وهذا الرجل كان على جانب من المعاصي ولهذا قال ( والله لا يغفر الله ) والمغفرة سبق لنا مرارا أن معناها ستر الذنب
الطالب : والتجاوز عنه
الشيخ : والتجاوز عنه نعم وأن أصلها من المغفر الذي يغطى به الرأس وهو صفحة من الحديد يغطى بها الرأس عند الحرب ففيها وقاية وستر فقال الله عز وجل: ( مَن ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟ ) ( مَن ) اسم استفهام و ( ذا ) ملغاة و ( الذي ) خبر مبتدأ اسم موصول خبر مبتدأ و ( يتألى ) بمعنى يحلف يتألى بمعنى يحلف علي أن لا أغفر لفلان أي من ذا الذي يتحجر فضلي ونعمتي أن لا أغفر لمن أساء من عبادي؟ والاستفهام ظاهر فيه أنه إيش؟ للإنكار ( من ذا الذي يتألى عليه أن لا أغفر لفلان ) وقد ورد الحديث مبسوطا في رواية أبي هريرة : (أنه كان رجل له صاحب وكان هذا الرجل عابدا والآخر مُسرف على نفسه وكان يراه عن المعصية ويزجره وينهاه ويقول له أجُعلت علي رقيبا خلي بيني وبين ربي ثم يأتيه من الغد ويقول له كما قال وهو يقول الثاني : أجعلت عليه رقيبا خلي بيني وبين ربي ) وهذا يدل على أن الرجل عنده حسن ظن بالله عز وجل ( وفي المرة الثالثة لما رآه على هذا الحال قال والله لا يغفر الله لك ) مع أن الرجل المسرف على نفسه كان عنده حُسن ظن ورجاء بالله ولعله كان يفعل الذنب ويتوب فيما بينه وبين ربه لأنه قال خلي بيني وبين ربي والإنسان إذا فعل الذنب ثم تاب توبة نصوحا ثم غلبته نفسه عليه مرة أخرى فإن توبته الأولى تبطل ولا لا؟ ما تبطل توبته الأولى صحيحة فإذا تاب من الثانية فتوبتُه صحيحة لأننا نقول من شرط التوبة أن يعزم على أن لا يعود وليس من شرط التوبة أن لا يعود ، أن يعزم على أن لا يعود . المهم أن هذا الرجل والعياذ بالله أطلق هذه الكلمة ( فقال الله : من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك ) ونحن نعلم علم اليقين أن هذا الرجل الذي غفر الله له أنه قد وُجدت منه أسباب المغفرة بالتوبة أو أن ذنبه هذا كان دون الشرك فتفضل الله عليه فغفر له أما لو كان شركا وبدون توبة فإنه لا يُغفر له لأن الله يقول : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) لكن إما أن هذا الذنب دون الشرك وفضل الله واسع تجاوز الله عنه وإما أنه فوق الشرك يعني شرك وإما أن شرك أو كفر ولكن الله من عليه بالتوبة وأيا كان فإن الله قال: ( إني قد غفرت له ) واضح لأنه حصل منه أسباب المغفرة إن كان ذنبه مما لا يدخل تحت المشيئة أو فضل الله عليه بالمغفرة إن كان ذنبه مما هو داخل تحت المشيئة لكن ( وأحبطت عملك ) هذه هي التي تحتاج إلى جواب لأنه قد يتولد فيها إشكال ( أحبط عملك ) فما هو السبب بأن الله أحبط عمله وهل المراد عمله كله كما هو ظاهر الإضافة أو المراد عمله الذي كان يفتخر به على صاحبه ؟ نعم
الطالب : الثاني
الشيخ : ظاهر الحديث الأول ظاهر الحديث الأول لأن الأصل في المفرد المضاف أن يكون عاما فهذا ظاهر الحديث وحينئذٍ لا بد أن نلتمس حسب علمنا وفهمنا ما هو السبب الذي أبطل الله سبحانه وتعالى عمل هذا الرجل به أما على الاحتمال الثاني أنه أحبط عمله الذي كان يفتخر به على هذا الرجل فالأمر في هذا أهون وظاهر ولكن الإشكال الذي يرد ما وجه إحباط الله عمل هذا الرجل على سبيل العموم نحن على حسب فهمنا والعلم عند الله عز وجل أن هذا الرجل كان يتعبد لله وفي نفسه إعجاب إعجاب بعمله وإدلال على الله بما عمل كأنما يمن على ربه بعمله وحينئذ فإنه يفتقد ركنا عظيم من أركان العبادة لأن العبادة مبنية على إيش؟ على الذل والخضوع ، على الذل والخضوع هذا الرجل الذي يقول مثل هذا الكلام إذا كان يرى في نفسه الإعجاب والإدلال على الله عز وجل أين الذل والخضوع؟ أنت لا بد أن تكون عبدا لله عز وجل بما تعبدك به وبما بلغك من كلامه وهذه الأخيرة مسألة كثير من الذين يتعبدون لله بما تعبدهم به قد لا يتعبدونه بوحيه قد يصعب عليهم أن يرجعوا عن رأيهم إذا تبين لهم الخطأ من كتاب الله وسنة رسوله ويركبون رأيهم ويحرفون النصوص من أجله وهذه مسألة صعبة يعني قد تجد الرجل عابدا مقيما للصلوات مؤتيا للزكاة قائماً بالصوم على الوجه الذي يستطيع وكذلك الحج لكنه لا يعبد الله بالنسبة لما بلغه من وحيه والواجب أن تكون لله عبدا ذليلاً بكل شيء حتى فيما بلغك من وحيه بحيث تخضع له خضعانا كاملا نعم حتى تحقق العبودية فالذي يبدو والله أعلم أن هذا الرجل يا جماعة أن هذا الرجل كان مُدلا على الله بعمله وافقتقد من نفسه الركن الأعظم في العبادة وهو ها الذل والخضوع ، ولا شك أنه إذا لم تكن عبادة مبنية على الذل والخضوع أنها لا تصلح أنت إذا لم تشعر أنك تقوم بالعبادة لأنك عبد لله رقيق بين يديه فإن عبادتك ناقصة وقد تكون باطلة هذا وجهه والله أعلم أما إذا قلنا إن المراد العمل الذي حصلت فيه الإساءة فالأمر الأمر واضح سهل لأن العمل إذا حصلت فيه الإساءة بطل ونظير هذا مما يحتمل العموم أو الخصوص قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فيمن منع الزكاة قال : ( فإنا آخذوها وشطر ماله عَزمة من عزمات ربنا ) ( آخذوها وشطر ماله ) هل المراد بماله كل المال أو ماله الذي منع زكاته؟ فمثلا إذا كان عنده عنده عشرون من الإبل وزكاتها كم من الغنم كم زكاة عشرين من الإبل من الغنم؟
الطالب : أربعة
الشيخ : أربع شياه فمنع الزكاة هل نأخذ عشرين من الإبل فقط أو إذا كان عنده أموال أخر كبقر وغنم ونقود نأخذ نص المال كله اختلف في هذا أهل العلم منهم من قال إنه لا يؤخذ إلا نصف ماله الذي وقعت فيه المخالفة ، ومنهم من قال يؤخذ جميع المال والراجح: أن هذا يرجع إلى رأي الإمام إذا رأى أن من المصلحة أن يؤخذ نصف ماله كله أخذه أو نصف المال اللي حصلت فيه المخالفة أخذه، وهذا الحديث عاد ... محل البحث فيه هل نسخ ولا بقي حكمه أم لا؟
السائل : شيخ
الشيخ : نعم
السائل : ...
الشيخ : في حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد وقد أشرنا إليه من قبل في الدرس الماضي أن هذا الرجل كان حريصا على العبادة قائما بها لكن عنده غرور أو لكن عنده غرورا بنفسه والعياذ بالله وإعجابا بعمله فحبط بذلك عمله قال أبو هريرة: ( تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته ) ( أوبقت ) بمعنى أهلكت ومنه الحديث ( اجتنبوا السبع الموبقات ) أي المهلكات وقوله: ( دنياه وآخرته ) أما كونها أوبقت آخرته فالأمر ظاهر لأنه كان من أهل النار والعياذ بالله ولكن كيف أحبطت دنياه لأن دنيا الإنسان حقيقة هي ما اكتسب بها عملا صالحاً فإذا لم يكتسب فيها عملا صالحا فهي خسارة ودليل ذلك قوله تعالى : (( والعصر إن الإنسان لفي خُسر )) (( الإنسان )) كل الإنسان (( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) وقال الله عز وجل: (( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين )) فالحقيقة أن الذي لم يوفق في هذه الدنيا للإيمان والعمل الصالح فإنه قد خسرها والعياذ بالله وفاتت عليه لأن هذه الدنيا مهما طالت بالإنسان ومهما زخرفت له ومهما أتته على ما يريده فمآلها إيش ؟ الفناء والزوال وهذا الفناء والزوال إذا حصل ما كأن شيئا جرى على هذا الرجل من النعيم والترف واعتبر ذلك بحالك اليوم كل ما جرى عليك حتى بالأمس القريب كأنه شيء لم لم يكن
الطالب : ...
الشيخ : إن كل إنسان لم يوفق في الدنيا للعمل الصالح فإنه خاسر ، لأن هذه الدنيا مهما كانت مآلها للفناء وكل شيء فان فإنه كـ لا شيء وقلت اعتبر هذا بما حصل لك مما سبق تجده مر عليك وكأنه لم يكن وهذا من حكمة الله عز وجل في أن الإنسان في هذه الدنيا يكون حاله هكذا لئلا يركن إليها لأن الركون إلى الدنيا خطير على الإنسان في آخرته وقول أبي هريرة : ( تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته ) الحديث من رواية جندب بن عبد الله لكن المؤلف أشار إلى حديث آخر رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم