شرح قول المصنف: " الباب الثالث والعشرون في أقسام المنحرفين عن الاستقامة في باب الإيمان بالله واليوم الآخر. طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان على الصراط المستقيم علماً، وعملاً يعرف ذلك من تتبعها بعلم وعدل فقد حققوا الإيمان بالله واليوم الآخر، وأقروا بأن ذلك حق على حقيقته، وهم في عملهم مخلصون لله، متبعون لشرعه، فلا شرك، ولا ابتداع، ولا تحريف، ولا تكذيب " حفظ
الشيخ : " الاستقامة في باب الإيمان بالله واليوم الآخر ".
نحن ذكرنا كثيرا أن الله عز وجل يقرن بين الإيمان به واليوم الآخر، لأن الإيمان به أصل كل الإيمان، والإيمان باليوم الآخر هو السبب الذي يحدو الإنسان إلى العمل، لأن العامل إذا لم يعتقد بأن هناك مبعثا يجازى الناس فيه بأعمالهم فإنه يعمل أو لا؟ فإنه لن يعمل، إذا لم يعتقد ذلك ويؤمن به فإنه لن يعمل. لو كان الإنسان لا يرى إلا أنها الحياة الدنيا يحيى قوم ويموت آخرون ما عمل أبدا للآخرة، ولأطلق نفسه الحرية التامة للشيطان والهوى، فلهذا يقرن الله دائما بين الإيمان به الذي هو أصل كل إيمان، والإيمان باليوم الآخر الذي هو السبب الوحيد للعمل.
الناس انقسموا في هذا الباب إلى ثلاثة أقسام، بل إلى أربعة أقسام : قسم على الحق، وقسم أهل تخييل، وقسم أهل تجهيل، وقسم أهل تأويل، أربعة أقسام.
أما القسم الأول فإليك بيانه، يقول : " طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على الصراط المستقيم علما وعملا ".
علما هذا يعود إلى الأمور العلمية العقدية، وعملا يعود إلى الأمور العملية الجوارحية، التي تتعلق بالجوارح.
" فهم على الصراط المستقيم في العلم والعمل يعرف ذلك من تتبعها بعلم وعدل ". انتبه إلى هالكلمتين.
النظر إلى الناس إذا لم يكن بعلم وعدل صار سببا للجور والظلم.
إذا نظرت إلى غيرك فانظر إليه بعلم وعدل لأجل أن تعطيه ما يليق به من الحكم، لأنك إن نظرت بجهل فإنك قد تحكم بالشيء وهو لا يستحقه، وإن نظرت إليه بجور فإنك قد تحكم عليه بالشيء الذي ترى أنه بريء منه لأنك جائر، لأنك جائر. حتى لو وجد قرائن تدل على ما حكمت به وهو من الأمور التي تخفى فإنه لا يجوز لك الحكم عليه.
ألم تروا إلى أسامة بن زيد رضي الله عنه حين لحق المشرك بالسيف، فوقف المشرك، وقال : لا إله إلا الله. فظن أسامة أنه قال ذلك تعوذا من القتل فقتله. ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : ( قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال نعم يا رسول الله إنما قالها تعوذا ) ما هو حقيقة ولا من القلب فقال : ( قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ فما زال يكررها حتى قال أسامة : تمنيت أني لم أكن أسلمت من بعد ).
انتبه، إذن الحكم على الناس يحتاج إلى ايش؟ إلى علم وعدل. فمن قال بجهل ظلم ومن قال بجور ظلم. وكثيرا ما نظن بالإنسان ظنا فإذا الأمر بخلافه.
لو وجدت رجلا معه امراة يمشي في السوق ويكلمها ويحادثها، قلت: هذا الرجل هذا خيبة، هذا يكلم النساء في الأسواق ويمشي معهن ما فيه خير، وحكمت عليه بأنه رجل ساقط سافل، لأنه يمشي مع امرأة في السوق ويكلمها، ماذا نقول في هذا الكلام، في هذا الحكم؟
الطالب : ... .
الشيخ : لأنه مبني على ايش؟ على الجهل، هل علمت أنها أجنبية منه؟ لا، إذن كيف تحكم؟
لو أنك رأيت إنسانا تعرف أن الذي تمشي معه امرأة من محارمه فذهبت إلى الوالي، قلت: تعال شوف هذا الرجل والعياذ بالله معه امرأة أجنبية منه عليك به ابطش به، ويش يكون هذا؟ جور ولا جهل؟
الطالب : جور وظلم.
الشيخ : نعم، جور وظلم، هذا خلاف العدل، ولهذا استمع إلى الكلام : لا بد أن تنظر إلى الناس حين الحكم عليهم بماذا؟ بالعلم والعدل، بالعلم والعدل، أما أن تحكم بجهل فهذا خطأ، أما أن تحكم بجور فهذا خطأ، وكثير من الناس تجده يتكلم بجهل وربما يتكلم بجور في الحكم على الناس، وهذا حرام، قال الله عز وجل : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )).
طيب، من نظر إلى طريق النبي عليه الصلاة والسلام بعلم وعدل فإنه يحكم بأنها ايش؟ " على الصراط المستقيم، وأنهم قد حققوا الإيمان بالله واليوم الآخر، وأقروا بأن ذلك حق على حقيقته، وهم في عملهم مخلصون لله، متبعون لشرعه، فلا شرك، ولا ابتداع، ولا تحريف، ولا تكذيب ".
هذه طريق النبي عليه الصلاة والسلام، بل من نظر إلى هذه الطريقة بالعلم والعدل علم أنها أفضل طريقة وأنها الطريق الوحيد إلى سعادة الدنيا والآخرة.