التعليق على الأبيات السابقة والرد على الفرقة الزاغونية الاقترانية القائلين باقتران الكلمات بعضهم في بعض لم يتقدم بعضها على بعض حفظ
الشيخ : هذه فرقة الاقترانية قالوا أيضا: إن الكلام لا يتعلق بمشيئته وإرادته، وأن اللفظ والمعنى قديم، وإذا جعلوا اللفظ والمعنى قديما لزم أن تكون الكلمات بعضها لا يسبق بعضا، لأنه لو سبق بعضها بعضا صار المتأخر حادثا بعد الأول وبطل قولنا إنه قديم، لذلك قالوا: إن الكلمات مقترنة، السين عند الباء لا مسبوقة، السين من قولك: بسم الله الرحمن الرحيم، عند الباء لاصقة بها، ما تكون قبلها ولا بعدها، ليش؟ قال لأنك لو قلت إن السين بعد الباء لزم أن يكون حادثا، أليس كذلك؟ حدثت السين بعد الباء، فبطل قولنا إنه قديم، إذن نقول بهذا القول المضحك كل الكلمات من أول ما تكلم الله إلى ما لا نهاية له، كلها جاءت واحدة، ما تقدم بعضها على بعض، فالله عز وجل في القرآن قاله بحروفه قاله بحرف واحد، لم يتقدم بضعه على بعض، بسم الله الرحمن الرحيم أول سورة البقرة (( فانصرنا على القوم الكافرين )) آخر سورة البقرة وما بينهما كله جاء دفعة واحدة، جاء دفعة واحدة، ما في بعضه متقدم على بعض، حذرا من أن نقول: إنه حادث، نقول إنه قديم.
هؤلاء في الحقيقة أبعد وأبعد عن المعقول من الذين قبلهم، ولهذا قال المؤلف رحمهم الله
" *** فاعجب لذي التخليط والهذيان "
إيه والله اعجب، يسمى هؤلاء هاه؟ الاقترانية، الذين يرون أن حروف الكلمات والكلمات بعضها مقترن ببعض، لا يتقدم ولا يتأخر، طيب.
إذن هؤلاء الاقترانية والذين قالوا إنه حكاية والذين قالوا إنه عبارة والذي قالوا إنه معنى واحد أو خمسة معاني، كلهم فرع من شيء واحد، قالوا: لو قلنا إن الكلام حادث لزم قيام الحوادث بذات الله عز وجل، وما قامت به الحوادث فهو حادث، شف كيف الشيطان يقول، ما قامت به الحوادث فهو حادث، وحدوث الله ممتنع ممتنع، فلزم أن تقوم به الحوادث عرفتم؟
طيب، هل هذه القاعدة صحيحة ولا باطلة؟ باطلة، هذه باطلة، لا يلزم إذا قلنا إن القرآن كلام الله في اللفظ والمعنى لا يلزم أن يكون حادثا باعتبار أصله وجنسه، لأن أصل الكلام وجنسه أزلي قديم، لأن الله لم يزل ولا يزال عز وجل متكلما، ثم على فرض أننا قلنا بالحدوث فإنه لا يلزم من قيام الحادث بالموصوف به أن يكون الموصوف به حادثا، ضرورة أن الموصوف بالكلام أو بالفعل متقدم على الوصف، ولهذا الآن أنا أتكلم هل كلامي اللي حدث الآن يلزم أن يكون موجودا معي حين الولادة؟ لا، ما يلزم، فإذا كان لا يلزم تبين أن الحوادث قد تقوم بسابق، قد تقوم الحوادث بشيء سابق لها، هذا السابق أزلي، فإذا قامت الحوادث بالله بمعنى أنه حدث منه فعل أو قول لم يلزم من ذلك أن يكون الله تعالى ذاته حادثة، وأظنه واضح واضح من الناحية العقلية، لكن هذا مذهبهم.
فلننظر الأبيات، الفرقة الأخرى باعتبار إيش؟ باعتبار القول بأن الكلام لا يتعلق بمشيئته وليس خارجا عن ذاته، قالت: إنه لفظا ومعنى ليس ينفصلان، واللفظ كالمعنى قديم، ما في لفظ حادث، وإذا كان اللفظ قديما لزم أن تكون الحروف مقترنة، إذ لو ترتبت لكان الثاني حادثا، واللي قبله حادثا بالنسبة لما قبله، وهكذا، ولهذا قال:
" واللفظ كالمعنى قديم قائم بالنفس *** ليس بقابل الحدثان
فالسين عند الباء لا مسبوقة *** "

السين من أين؟ من بسم الله، عند الباء لا مسبوقة، يعني: ما سبقتها الباء
" *** لكن هما حرفان مقترنان "
وش يتصور هذا؟! نعم؟ كيف يكون حرفين مقترنين؟ ما تستطيع حتى في الإمالة الذين يقولون مجراها بين الألف والياء صعب، ولا هي بياء ولا ألف.
" والقائلون بذا يقولوا إنما *** "
في كلام المؤلف لحن، والقائلون بذا يقولوا إنها، فيه لحن
الطالب : ...
الشيخ : لا بذا
" والقائلون بذا "
صح يعني بهذا القول
" يقولوا إنما *** "
فيه لحن، اللحن في قوله؟
الطالب : يقولوا.
الشيخ : " يقولوا " لأنه ليس فيها ناصب ولا جازم، ونون الأفعال الخمسة لا تحذف إلا مع الناصب أو الجازم أو مع نون الوقاية، نعم، أو ما أشبه ذلك، إذن لابد من سبب، فأجابوا عنه بأن المؤلف حذفها لسبب وهو الضرورة ضرورة الشعر، نعم، لأن الشعر يضطر الشاعر إلى أن يغير، قد يرفع المنصوب، قد ينصب المرفوع، وقد يصرف ما لا ينصرف، وقد يحذف ما لا يحذف، نعم، ولهذا قال الحريري في مقاماته " واصرف " نعم؟
الطالب : وجائز.
الشيخ : وجائز في الشع؟
الطالب : في صنعة الشعر.
الشيخ : هاه؟
الطالب : في صنعة الشعر.
الشيخ : إيه " وجائز في صنعة الشعر الصلف*** أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف ". الشاهد قوله " جائز في صنعة الشعر الصلف " يحدك على أن تصرف ما لا ينصرف، نعم، طيب، يقول:
" قالوا إنما*** ترتيبها بالسمع بالأذان"
يعني نحن نسمعها مرتبة، ولكن حقيقتها أنها غير مرتبة، لكن سمعك هو اللي يسمعها مرتبة، نعم، كيف هذا؟ هذا رأيهم،
" ولها اقتران ثابت لذواتها *** "
هي باعتبار الذات والحقيقة مقترنة، لكن الترتيب بسمعك
" *** فاعجب لذا التخليط والهذيان
لكن زاغونيهم قد قال *** "

الزاغوني هنا أحد علماء الكلام، اسمه ابن الزاغوني، لكنه ليس علي بن الزاغوني المعروف الفقيه الأصولي الذي من أصحاب الإمام أحمد، ينقلون عنه في الفقه، قال ابن الزاغوني كذا، لا هذا غيره، ومن يترجمه لنا؟ أنت؟ طيب.
" لكن زاغونيهم قد قال إن *** ذواتها ووجودها غيران "
هذا أيضا غريب، يقول: إن ذواتها ووجودها متغاير
" فترتبت بوجودها لا ذاتها *** "
ترتبت بوجودها لا بذاتها، الأولون يقولون ترتبت بالسمع، أما وجودها وذاتها فلم تترتب، لكن هذا جعل لها ذات ووجود وسمع، لم يتكلم عن السمع، تكلم عن الذات والوجود، يقول: ترتبت لوجودها لا ذاتُها، أو لا ذاتِها، يجوز وجهان.
" *** يا للعقول وزيغة الأذهان "
يرثى لهم رحمه الله بأن عقولهم هوى وأذهانهم زائغة، نعم.
" ليس الوجود سوى حقيقتها لذي *** الأذهان بل في هذه الأعيان "
وجود هذه الحروف هو حقيقتها في الواقع، فكيف تفرق يا ابن الزاغوني بين الوجود والحقيقة، الواقع أن حقيقتها هو وجودها، ولا يوجد حرف يعني لا يقال هذه تاء إلا إذا وجدت، كيف نقول لها حقيقة وهي لم توجد، وجودها وحقيقتها سواء، ولهذا قال المؤلف:
" ليس الوجود سوى حقيقتها لذي *** الأذهان بل في هذه الأعيان "
يعني أن وجود الحرف هو حقيقته، سواء قدرته في الذهن أو رأيته في الخارج.
" لكن إذا أخذ الحقيقة خارجا *** ووجودها ذهنا فمختلفان
والعكس أيضا مثل ذاك إذا هما *** اتحدا اعتبارا لم يكن شيئان "

المؤلف رحمه الله يقول: ممكن أن نفرق بين الحقيقة والوجود، بأن نقول إن الحقيقة قد تكون في الذهن، والخارج في العين، بمعنى أن الإنسان قد يقدر في ذهنه حرفا فإذا برز ونطق به أو كتبه صار الآن موجودا، يقول: ممكن أن نفرق بين الحقيقة والوجود باعتبار الذهن والخارج، أما باعتبار الحقيقة فلا يمكن أن نفرق، بل نقول وجود الشيء هو عين ذاته، لكن باعتبار الذهن والوجود عينا ممكن أن نفرق، شف المؤلف رحمه الله منصف، لما أنكر على ابن الزاغوني جعله الوجود غير الحقيقة، قال: ممكن أن نجعل الوجود غير الحقيقة باعتبار إيش؟ الذهن والخارج، وش معنى الذهن والخارج؟ الذهن يعني اللي عندك، والخارج اللي في أمريكا؟ هاه؟ خارج، قالوا فلان وينه فيه؟ قال: والله فلان في الخارج، يعني مسافر إلى الخارج، ليس هذا المعنى، الخارج ما وجد عينا، يعني عين الشيء، لأن الشيء له وجود في الذهن ووجود في الخارج، وجوده في الذهن تصور الإنسان له، وجوده في الخارج أن يكون مقروءا إن كان قولا، أو مكتوبا إن كان كتابة، أو مخلوقا إن كان مخلوقا، المهم أنه يبرز، فهنا يقول:
" لكن إذا أخذ الحقيقة خارجا *** ووجودها ذهنا فمختلفان "
صار الوجود غير الحقيقة إذا جعلت المراد بالوجود وجودها في الذهن والحقيقة وجودها في الخارج.
" والعكس أيضا مثل ذا "
يعني: وجودها خارجا وحقيقتها ذهنا، أيضا ربما نقول مختلفان.
" فإذا هما *** اتحدا اعتبارا لم يكن شيئان " وهذا هو الذي أراده ابن الزاغوني وأنكر عليه ابن القيم، باعتبار الحقيقة والوجود لا الذهن والخارج، هل يمكن أن نقول هما شيئان؟ لا، ولهذا قال: لكن إذا، نعم.
" والعكس أيضا فإذا هما *** اتحدا اعتبارا "
يعني اعتبرناهما خارجا أو اعتبرناهما ذهنا فمتحدان أو
" لم يكن شيئان "