التعليق على الأبيات السابقة، وتتمة قول الطوائف في كلام الله، والكلام على أصل مذهب الجهمية المعطلة حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
هؤلاء القائلون بأن القرآن يتعلق بمشيئة الله صنفان: صنف جعلته مخلوقا بائنا عن الله عز وجل كسائر المخلوقات، وقالوا: إن مشيئته لكلامه كمشيئته لخلق السماوات والأرض والجبال وغير ذلك، قالوا: والإضافة في الكلام إضافة تشريف كإضافة البيت إلى الله في قوله: (( وطهر بيتي للطائفين )) وإضافة الناقة إلى الله في قوله: (( ناقة الله وسقياها ))، فعلى هؤلاء يقول: المؤلف " ما قال عندهم ولا هو قائل " حقيقة الأمر أن هؤلاء نفوا قول الله، لأنهم إذا جعلوه شيئا بائنا منفصل عنه متعلقا بمشيئته، صار لا ينسب إلى الله على اعتبار أنه صفة، فإذا كان لا ينسب إليه على اعتبار أنه صفة صار الله تعالى لم يقل ولا يقول، إذن فهو عندهم معطَّل عن أيش؟ عن الكلام، لأن الكلام شيء منفصل بائن عن الله وليس من وصف الله، يقول:
" ما قال عندهم ولا هو قائل *** والقول لم يسمع من الديان "
إنما سمع من مخلوقات، سمع من جبريل خلق الله فيه الصوت، أو من الشجرة حين نادى منها موسى، أو ما أشبه ذلك.
قال: " فالقول مفعول لديهم قائم *** "
القول مفعول لديهم، أيش مفعول لديهم؟ يعني: قول بمعنى مقول، أي: مخلوق.
" قائم *** بالغير كالأعراض والأكوان "
يعني: ليس قائما بالله بل هو قائم بغيره، طيب، من أين سمع موسى الصوت؟ قالوا: سمعه من الشجرة، من أين سمع محمد الصوت؟ من جبريل، خلق الله صوتا في جبريل، من أين سمع جبريل الصوت؟ من الهواء، خلق الله تعالى أصواتا في الهواء فسمعها جبريل، نسأل الله العافية، أما قول ينسب إلى الله فلا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله أن هذا القول قول كل جهمي، كل جهمي فهو يقول بهذا القول. والجهمية أتباع الجهم بن صفوان تلميذ الجعد بن درهم، وأصل مقالة التعطيل من الجعد بن درهم، فإن الجعد بن درهم خرج بمقالته البدعية، وقال: " إن الله لم يكلم موسى تكليما ولا اتخذ إبراهيم خليلا "، وهذا ما هو صحيح، الله سبحانه ما هو بيحب، والله ما هو بيكلم، إنما خلق كلاما سمعه موسى، والخلة التي أثبتها الله لإبراهيم هي خلة الفقر، (( اتخذ إبراهيم خليلا )) يعني: اتخذه فقيرا إليه، نعم. ولما أظهر هذه المقالة لم يجعل له ولاة الأمر يعني فسحة ينشرها، حبسوه ثم قتلوه، فخرج به خالد بن عبدالله القسري في يوم العيد، وخطب الناس وأعلمهم بالأضحية وأحكامها، وقال في آخر خطبته: " ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما " ثم نزل فذبحه، شأن ولاة الأمور فيما سبق الأمراء والسلاطين يخرجون بالضحايا في الخارج كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل تذبح في مصلى العيد، يقول ابن القيم في هذا:
" ولأجل ذا ضحى بجعد خالد القسري *** يوم ذبائح القربان
إذ قال إبراهيم ليس خليله *** كلا ولا موسى الكليم الدان
شكر الضحية كل صاحب سنة *** لله درك من أخي قربان "

صحيح كل صاحب سنة يشكر الله أن الله جعل موت هذا الرجل على يد هذا الشجاع البطل.
الحاصل أن الجعد بن درهم نبا بهذه الكلمة والعياذ بالله، وأصل التعطيل مبني على هذين الكلمتين: نفي المحبة ونفي الكلام.
ثم أخذها عنه الجهم بن صفوان، وكان فصيحا بليغا، فنشر المذهب، ونسبت الجهمية إليه مع أنه ثاني من قال به.
يقول رحمه الله:
" هذه مقالة كل جهمي وهم *** فيها الشيوخ معلمو الصبيان "
كيف الانتقاد على من تبع الجهمية في قولهم انتقاد بليغ، وش قال؟ صبيان ما عندهم عقول، مثل اللي يقرأ في ألف باء تاء ثاء، لأنهم تبعوا هؤلاء فصاروا بمنزلة الببغاء يقول ما يقال له، فهم معلمو الصبيان.