التعليق على الأبيات السابقة، وبيان مذهب الكرامية في كلام الله، والفرق بين الكرامية والجهمية في ذلك. وبيان أن الكرامية أقرب المذاهب في كلام الله إلى أهل السنة والجماعة. حفظ
الشيخ : هؤلاء أيضا القائلون بالمشيئة نوعان: النوع الأول من جعلته مبدوءا به، يعني: جعلت كلامه حادثا حادث النوع، ليس حادث الآحاد، حادث النوع، ولهذا قال:
" مبدوءا به نوعا " يعني: أنه سبحانه وتعالى في الأول لم يكن يتكلم، ثم صار يتكلم، فصار الكلام عندهم حادثا نوعا، هم لو قالوا: إنه حادث عينا لكان الأمر صحيحا، لكن قالوا إنه حادث نوعا، يعني أن الله لم يكن يتكلم، ثم صار يتكلم، فعطلوا الله عن كلامه في أول الأمر، وأثبتوه له في ثاني الحال، وجعلوا كلامه ليس خارج ذاته، بل في ذاته، فهذا هو الفرق بينهم وبين من؟ أهل الاعتزال والجهمية السابق، لأن أولئك جعلوه خارج ذاته، جعلوه مخلوقا منفصلا مثل السماء والأرض والشمس والقمر، أما هؤلاء فقالوا: لا، هو من صفاته، لكنه حادث النوع والآحاد، حادث النوع والآحاد، لماذا؟ قال: حذرا كذا؟ أو حذار. " حذار تسلسل الأعيان " لأنهم قالوا: لو أثبتنا أنه أزلي النوع لزم أن تكون آحاده أيضا أزلية وتسلسل، إذ ما من كلام إلا وقبله كلام إلى ما لا نهاية له، وظنوا أن هذا شيء ممتنع، لكن ليس بممتنع كما سيأتي إن شاء الله في الفرقة الثانية، فبذاك عليهم، نعم، " فيسد ذاك عليهم في زعمهم *** إثبات خالق هذه الأكوان "
يقولون: إذا جعلنا الكلام لم يزل موجودا نوعا وهو متعلق بالمشيئة لزم أن يكون الموصوف به أيضا حادثا وجوده بمشيئته، وهذا يسد علينا أيش؟ يسد علينا إثبات الله عز وجل، يعني إثبات أزليته سبحانه وتعالى، ولكن هذا ليس بصحيح، لأن من المعلوم أن الموصوف سابق على الوصف وعلى الصفة، فالمتكلم لابد أن يكون سابقا لكلامه، وإذا قلنا بأن الكلام أزلي النوع لم يلزم أن يكون مقارنا للخالق، لأنه لابد أن يكون المتكلم سابقا عن المسبوق.
" فلذاك قالوا إنه ذو أول *** ما للفناء عليه من سلطان "
يعني: جعلوا الكلام ليس أزليا، بل له مبدأ، ذو أول يعني ذو ابتداء، لكنه أبدي ولا لأ؟ شف يقول: " *** ما للفناء عليه من سلطان " أبدي، فصار الفرق بينهم وبين أهل السنة بسيطا، وش الفرق؟ أن أهل السنة يقولون إن كلام الله أزلي النوع حادث الآحاد، هم يقولون: إنه حادث النوع والآحاد، طيب، أبدي؟ يتفقون هم وأهل السنة، فإن كلام الله لن ينقطع أبد الآبدين، أبدي، ولهذا قال: " ذو أول *** ما للفناء عليه من سلطان " إذن هو أبدي.
" وكلامه كفعاله وكلاهما *** ذو مبدأ بل ليس ينتهيان "
يعني ذو مبدأ لكنهما أبديان، ولهذا قال: " بل " وهذه عطف لكنها ليست للإضراب، إلا أن يقال إنها إضراب انتقال من كلام إلى كلام، لا من معنى إلى معنى، يعني: ذو مبدأ ولن يفنيان، بل ليس ينتهيان.
" قالوا ولم ينصف خصوم جعجعوا *** وأتوا بتشنيع بلا برهان "
وش معنى الجعجعة؟ الجعجعة الكلام الصاخب الذي لا يراد به إلا التنفير والتشنيع، وهم يعنون بهؤلاء من؟ المعتزلة والجهمية، قالوا: " *** وأتوا بتشنيع بلا برهان
قلنا كما قالوه في أفعاله *** بل بيننا بون من الفرقان "
هؤلاء يقولون في أفعاله: إنها ليست أزلية، بل كان فاعلا بعد أن كان معطَّلا، وهؤلاء قالوا في كلامه كما قال هؤلاء في أفعاله، يعني أن الكلام حادث بعد أن لم يكن، الأفعال حادثة بعد أن لم يكن، لكن يختلفون هؤلاء يقولون إن أفعاله وأقواله خارج ذاته، وهؤلاء يقولون بل متعلقة بذاته.
" قلنا كما قالوه في أفعاله *** بل بيننا بون من الفرقان
بل نحن أسعد منهم بالحق إذ *** قلنا هما بالله قائمتان "
هما الضمير يعود على الأقوال والأفعال، هؤلاء يقولون: الكلام قائم بالله والفعل قائم بالله، وأولئك يقولون قائم بغير الله منفصل عن الله، فأيهما أقرب للصواب؟ هاه؟ الكرامية الذين قالوا إن الأفعال والأقوال قائمة بالله
" وهم فقالوا لم يقم بالله لا *** فعل ولا قول فتعطيلان "
تعطيل للقول وتعطيل للفعل.
" لفعاله ومقاله شر *** وأبطل من حلول حوادث ببيان "
يعني: تعطيل أفعاله وأقواله أشر وأبطل من حلول حوادث ببيان، وش معنى هالكلام هذا؟ تعطيل أقواله وأفعاله شر وأبطل من حلول الحوادث، لأن الجهمية والمعتزلة إنما نفوا أفعاله قيام أفعاله الاختيارية بذاته خوفا من حلول الحوادث بذاته، انتبهوا يا جماعة، لأن من أصول المعطلة أنه لا يقوم الحادث إلا بحادث، فإذا قامت الحوادث بذاته لزم أن يكون حادثا، ولهذا أنكروا أن تقوم الأفعال الاختيارية بذاته، وقالوا: ليس له فعل، وليس له قول، نسأل الله العافية، كلام الحقيقة ما يستطيع الإنسان يتصوره فضلا عن أن يهضمه ويقبله، طيب.
يقول هؤلاء الكرامية: إن تعطيل أفعاله ومقاله شر وأبطل من حلول الحوادث به، يعني لو قالوا: إن الله يفعل فعلا يتعلق بذاته ويقول قولا يتعلق بذاته، لكان هذا أهون من أن نقول: إن الحوادث تتعلق بذاته، لأننا إذا قلنا إن الحوادث تتعلق بذاته لم يلزم عليها شيء، وإذا قلنا إنه معطَّل من الفعل والقول فهذا من أقبح ما يوصف به الله عز وجل، وقد سبق لنا أن قيام الحوادث لا يستلزم حدوث من قامت به.
طيب، يقول:
" تعطيله عن فعله وكلامه *** شر من التشنيع بالهذيان "
" مبدوءا به نوعا " يعني: أنه سبحانه وتعالى في الأول لم يكن يتكلم، ثم صار يتكلم، فصار الكلام عندهم حادثا نوعا، هم لو قالوا: إنه حادث عينا لكان الأمر صحيحا، لكن قالوا إنه حادث نوعا، يعني أن الله لم يكن يتكلم، ثم صار يتكلم، فعطلوا الله عن كلامه في أول الأمر، وأثبتوه له في ثاني الحال، وجعلوا كلامه ليس خارج ذاته، بل في ذاته، فهذا هو الفرق بينهم وبين من؟ أهل الاعتزال والجهمية السابق، لأن أولئك جعلوه خارج ذاته، جعلوه مخلوقا منفصلا مثل السماء والأرض والشمس والقمر، أما هؤلاء فقالوا: لا، هو من صفاته، لكنه حادث النوع والآحاد، حادث النوع والآحاد، لماذا؟ قال: حذرا كذا؟ أو حذار. " حذار تسلسل الأعيان " لأنهم قالوا: لو أثبتنا أنه أزلي النوع لزم أن تكون آحاده أيضا أزلية وتسلسل، إذ ما من كلام إلا وقبله كلام إلى ما لا نهاية له، وظنوا أن هذا شيء ممتنع، لكن ليس بممتنع كما سيأتي إن شاء الله في الفرقة الثانية، فبذاك عليهم، نعم، " فيسد ذاك عليهم في زعمهم *** إثبات خالق هذه الأكوان "
يقولون: إذا جعلنا الكلام لم يزل موجودا نوعا وهو متعلق بالمشيئة لزم أن يكون الموصوف به أيضا حادثا وجوده بمشيئته، وهذا يسد علينا أيش؟ يسد علينا إثبات الله عز وجل، يعني إثبات أزليته سبحانه وتعالى، ولكن هذا ليس بصحيح، لأن من المعلوم أن الموصوف سابق على الوصف وعلى الصفة، فالمتكلم لابد أن يكون سابقا لكلامه، وإذا قلنا بأن الكلام أزلي النوع لم يلزم أن يكون مقارنا للخالق، لأنه لابد أن يكون المتكلم سابقا عن المسبوق.
" فلذاك قالوا إنه ذو أول *** ما للفناء عليه من سلطان "
يعني: جعلوا الكلام ليس أزليا، بل له مبدأ، ذو أول يعني ذو ابتداء، لكنه أبدي ولا لأ؟ شف يقول: " *** ما للفناء عليه من سلطان " أبدي، فصار الفرق بينهم وبين أهل السنة بسيطا، وش الفرق؟ أن أهل السنة يقولون إن كلام الله أزلي النوع حادث الآحاد، هم يقولون: إنه حادث النوع والآحاد، طيب، أبدي؟ يتفقون هم وأهل السنة، فإن كلام الله لن ينقطع أبد الآبدين، أبدي، ولهذا قال: " ذو أول *** ما للفناء عليه من سلطان " إذن هو أبدي.
" وكلامه كفعاله وكلاهما *** ذو مبدأ بل ليس ينتهيان "
يعني ذو مبدأ لكنهما أبديان، ولهذا قال: " بل " وهذه عطف لكنها ليست للإضراب، إلا أن يقال إنها إضراب انتقال من كلام إلى كلام، لا من معنى إلى معنى، يعني: ذو مبدأ ولن يفنيان، بل ليس ينتهيان.
" قالوا ولم ينصف خصوم جعجعوا *** وأتوا بتشنيع بلا برهان "
وش معنى الجعجعة؟ الجعجعة الكلام الصاخب الذي لا يراد به إلا التنفير والتشنيع، وهم يعنون بهؤلاء من؟ المعتزلة والجهمية، قالوا: " *** وأتوا بتشنيع بلا برهان
قلنا كما قالوه في أفعاله *** بل بيننا بون من الفرقان "
هؤلاء يقولون في أفعاله: إنها ليست أزلية، بل كان فاعلا بعد أن كان معطَّلا، وهؤلاء قالوا في كلامه كما قال هؤلاء في أفعاله، يعني أن الكلام حادث بعد أن لم يكن، الأفعال حادثة بعد أن لم يكن، لكن يختلفون هؤلاء يقولون إن أفعاله وأقواله خارج ذاته، وهؤلاء يقولون بل متعلقة بذاته.
" قلنا كما قالوه في أفعاله *** بل بيننا بون من الفرقان
بل نحن أسعد منهم بالحق إذ *** قلنا هما بالله قائمتان "
هما الضمير يعود على الأقوال والأفعال، هؤلاء يقولون: الكلام قائم بالله والفعل قائم بالله، وأولئك يقولون قائم بغير الله منفصل عن الله، فأيهما أقرب للصواب؟ هاه؟ الكرامية الذين قالوا إن الأفعال والأقوال قائمة بالله
" وهم فقالوا لم يقم بالله لا *** فعل ولا قول فتعطيلان "
تعطيل للقول وتعطيل للفعل.
" لفعاله ومقاله شر *** وأبطل من حلول حوادث ببيان "
يعني: تعطيل أفعاله وأقواله أشر وأبطل من حلول حوادث ببيان، وش معنى هالكلام هذا؟ تعطيل أقواله وأفعاله شر وأبطل من حلول الحوادث، لأن الجهمية والمعتزلة إنما نفوا أفعاله قيام أفعاله الاختيارية بذاته خوفا من حلول الحوادث بذاته، انتبهوا يا جماعة، لأن من أصول المعطلة أنه لا يقوم الحادث إلا بحادث، فإذا قامت الحوادث بذاته لزم أن يكون حادثا، ولهذا أنكروا أن تقوم الأفعال الاختيارية بذاته، وقالوا: ليس له فعل، وليس له قول، نسأل الله العافية، كلام الحقيقة ما يستطيع الإنسان يتصوره فضلا عن أن يهضمه ويقبله، طيب.
يقول هؤلاء الكرامية: إن تعطيل أفعاله ومقاله شر وأبطل من حلول الحوادث به، يعني لو قالوا: إن الله يفعل فعلا يتعلق بذاته ويقول قولا يتعلق بذاته، لكان هذا أهون من أن نقول: إن الحوادث تتعلق بذاته، لأننا إذا قلنا إن الحوادث تتعلق بذاته لم يلزم عليها شيء، وإذا قلنا إنه معطَّل من الفعل والقول فهذا من أقبح ما يوصف به الله عز وجل، وقد سبق لنا أن قيام الحوادث لا يستلزم حدوث من قامت به.
طيب، يقول:
" تعطيله عن فعله وكلامه *** شر من التشنيع بالهذيان "