- التفريق بين الأمر والخلق ودمج الجهمية والمعتزلة بينهما والرد عليهما حفظ
الشيخ : هذا الفصل عقده المؤلف رحمه الله للتفريق بين الخلق والأمر، والجهمية والمعتزلة الذين يقولون إن كلام الله مخلوق لا يفرقون بين الخلق والأمر، مع أن الله فرق بينهما، فقال عز وجل: (( ألا له الخلق والأمر )). والأمر هو القرآن، بل هو الوحي كما قال تعالى: (( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا )) ففرق الله بين الخلق والأمر، فالخلق هو الصنع، والأمر هو طلب، أو نعم، هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء، فبينهما فرق، فرق عظيم، والفرق بين الأمر والخلق يظهر به أيضا الفرق بين المأمور وبين المخلوق، يقول المؤلف:
" ولقد أتى الفرقان بين الخلق *** والأمر الصريح "
الفرقان هنا بمعنى التفريق، أتى بالأمر
" وذاك في الفرقان " المراد بالفرقان الثانية القرآن.
" وكلاهما عند المنازع واحد *** " من المراد بالمنازع؟ الذي يقول إن كلام الله مخلوق، فالأمر والخلق عنده سواء، " والكل خلق "يعني الكل مخلوق، " ما هنا شيئان "، وأهل السنة والجماعة يقولون هنا شيئان: خلق وأمر، فالأمر هو الوحي وهو صفته، والخلق هو مخلوقه وهو فعله، قال:
" والعطف عندهم كعطف الفرد من *** نوع عليه "
العطف عندهم، عند من؟ عند المنازعين، كعطف الفرد من النوع على النوع، فقوله: " كعطف الفرد من *** نوع عليه "
الضمير يعود على النوع. " وذاك في القرآن " يعني: عطف الفرد على النوع موجود في القرآن، فيكون الفرد غير خارج عن النوع، مثال ذلك قوله تعالى: (( تنزل الملائكة والروح فيها )) الروح من الملائكة ليس مبيانا لهم، (( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى )) الصلاة الوسطى من الصلوات، فهذا عطف فرد على النوع، هم يقولون (( ألا له الخلق والأمر )) الأمر من الخلق، لكنه فرد من أيش؟ من أفراده، فرد من أفراده، فعطف الأمر على الخلق عند هؤلاء المعطلة من باب عطف الفرد أيش؟ على النوع يا جماعة، خلوكم نشيطين، كقوله (( تنزل الملائكة والروح )) الروح ملك من الملائكة، الأمر خلق من المخلوقات، عرفتم يا جماعة؟ طيب.
قولهم هذا فاسد، ولهذا قال المؤلف:
" فيقال هذا ذو امتناع ظاهر *** في آية التفريق ذو تبيان "
التفريق يعني: بين الأمر والخلق.
" فالله بعد الخلق أخبر أنها *** قد سخرت بالأمر للجريان "
نتلو الآية عشان من أجل أن يتبين (( إن ربكم الله الذي خلق السماوت والأرض في ستة أيام ثم استوى العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره )) النجوم معطوفة على السماوات (( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض )) والنجوم معطوفة على السماوات فهي مخلوقة ولا غير مخلوقة؟ مخلوقة، مسخرات حال من النجوم، بأمره، فإذن الأمر صار بعد الخلق أو صار هو الخلق؟ هاه؟ صار بعد الخلق، (( والنجوم مسخرات بأمره )) فإذا كان عندنا خلق سابق وأمر لاحق، هل يمكن أن نجعل الأمر من الخلق؟ لا يمكن، هي خلقت ثم وجهت، سخرت بأمر الله، فدل هذا على أن الأمر غير الخلق، قال:
" فالله بعد الخلق أخبر أنها *** قد سخرت بالأمر للجريان
وأبان عن تسخيرها سبحانه *** بالأمر بعد الخلق بالتبيان "

واضح يا جماعة؟ زين، إذن نقول: جعلنا الأمر من الخلق خطأ، لوقوعه بعده، فهي قد خلقت وانتهت، ثم أمرت أمرا جديدا بالتسخير، سخرت بأمر الله.
ثانيا من الرد عليهم أن نقول: إن الأصل في العطف أيش؟ المغايرة بالذات والنوع والجنس، هذا الأصل، ولا يمكن أن نجعل العطف من باب عطف الفرد على النوع، أو الخاص على العام، إلا بوجود دليل. طيب، قال المؤلف:
" والأمر إما مصدر أو كان *** مفعولا هما في ذاك مستويان "
(( ألا له الخلق والأمر )) الأمر هنا هل هي مصدر أو اسم مفعول؟ يقول ابن القيم: اجعلها مصدرا أو اجعلها اسما، كلاهما يدل على أن الأمر ليس هو الخلق.
وجه ذلك: أنك إذا جعلت الأمر مصدرا وهو واحد الأمور أو واحد الأوامر؟ واحد الأوامر، إذا جعلته مصدرا وهو الأظهر أنه مصدر، فإنه يدل على أن هذا الأمر حصل بالقول، يعني: خلق ثم أمر. وإن جعلت الأمر بمعنى اسم المفعول والمصدر يأتي بمعنى اسم المفعول فإنه ما من مأمور إلا وقد وجه عليه أيش؟ أمر، فمن لازم وجود المأمور وجود الأمر، كذا؟ فإذن عاد التأويل الثاني وهو أن تجعل الأمر اسم مفعول إلى المعنى الأول وهو إثبات الأمر لله عز وجل، والأمر كما تقرر عندنا الآن هو الخلق ولا غيره؟ غير الخلق.