زعم ابن سينا وغيره أن خطاب الله لنبيه ظواهر يفهمها العامة وبواطن يفهمها الخاصة مع الأمثلة حفظ
الشيخ : ثم قال:
" ما صرحت أخباره بالحق *** بل رمزت إليه إشارة لمعاني "
قال أيضا هذا الكلام الذي أتى به هذا الزكي لا يريد بالقرآن ظاهره، بل المراد به إشارات خفية يعجز عنها عامة الناس، ولا يعرفها إلا الخواص منهم، يقول:
" خطاب هذا الخلق والجمهور *** بالحق الصريح فغير ذي إمكان "
يقول لو أنهم خوطبوا وأريد بالخطاب صريح ما يدل عليه فإن هذا ممتنع، لماذا؟ قال: لأنهم لا يقبلون حقائق المعقول إلا في مثال الحس والأعيان، أنتم فهمتم الآن؟ يقول: هذا القرآن الذي فاضه العقل على نفس هذا الزكي هذا له معاني ظاهرة ومعاني باطنة مشار إليها إشارة لا يفهمها الخلق والعوام، لأن الخلق والعوام هؤلاء لا يفهمون إلا الشيء المحسوس، أما الشيء المعقول فإنهم لا يدركونه، ومحال أن يدركوه، فالعوام لا يفهمون إلا المحسوس، ولهذا قال:
" لا يقبلون حقائق المعقول *** إلا في مثال الحس والأعيان "
يعني إلا إذا جعل على صورة شيء محسوس ومعاني، فالجنة والنار وما فيهما من عذاب ونعيم، كل هذا ليس هو المراد، غير مراد هذا، لكن صور للعامة بصورة المحسوس من أجل أن يقبلوه ويفهموه، المراد بالجنة وما أشبه ذلك شيء آخر، كل هذا تخييل وليس بحقيقة.
" ومشارب العقلاء لا يردونها *** "
من اللي لا يردونها؟ عامة الخلق، مشارب العقلاء لا يردونها، لأن مشارب العقلاء لمن؟ للعقلاء، أما العامة الهمج الرعاع فهؤلاء لا يمكن أن يردوا هذا، فتضرب لهم الأمثال المحسوسة رمزا إلى أمور معقولة، إلا إذا وضعت لهم بأوامر، سبحان الله! تمثيل عجيب، يعني: ما يستطيع أن يشرب من الحوض والنهر لكن إذا جئت له بماء في آنية هاه؟ استطاع، فيقول إن المعقولات التي ترمز إليها هذه الكلمات هذه لا يردها العوام، إنما يرد العوام الأشياء المحسوسة التي يدركونها بحسهم، طيب.
" من جنس ما ألفت طباعهم من *** المحسوس في ذا العالم الجثمان
فأتوا بتشبيه وتمثيل *** وتجسيم وتخييل إلى الأذهان "

يعني أن هذا الذي جاءت به الرسل من كلام الله ما هو إلا شيء تخييل للأذهان، من أجل تقريبه على العامة، وإلا فحقيقته غير ما يدل عليه اللفظ، قال:
" ولذاك يحرم عندهم تأويله *** "
يعني لا يجوز أن يفسر للعامة بالمعاني المعقولة المرادة، لماذا؟ لأن العامة لا يستطيعون أن يفهموا هذا، ولا يقبلون إلا ما شهد به الحس.
" *** لكنه حل لذي العرفان "
مَن ذو العرفان؟ علماؤهم، الفلاسفة، هؤلاء فسره لهم بالمعنى المراد، أما العامة لا، طيب. الحج، يعني نأتي بمثال، الحج هو قصد مكة لأداء المناسك، هم قالوا: لا، الحج أن تقصد المشايخ الأولياء تطلب منهم المغفرة ومسحة يمسحونك بها تكون سعيدا إلى يوم القيامة هذا الحج. الصيام التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، قالوا: لا، ما هو بهذا الصيام، الصيام أن تكتم أسرارنا ولا تخبر بما وراءنا، لأن الصيام مشتق من الإمساك امسك اسكت لا تعلم، نبي نملي عليك كل شيء من البلايا، ولكن صم صم يعني رمضان ولا صم؟ صم عن هذا الكلام لا تخبر به أحد، طيب. الصلاة، الصلاة هي عبادة ذات ركوع وسجود مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، هذه الصلاة عند المسلمين، قالوا: لا، الصلاة أن تعرف أسرارنا، لأن الصلاة من الصلة، فهي أن تكون ذا صلة بنا وتعلم أسرارنا، فالصلاة بداية والصيام نهاية، صل يعني تعلم أسرارنا، صم يعني اكتمها، هذه الصلاة، هذه الصلاة والصيام عندهم، يا جماعة الصيام والصلاة معروفة عند المسلمين، قالوا: لا، هذا إسلام العامة، أما نحن فإن الكلمات عندنا رموز لمعاني لا يفهمها العامة هاه؟ يقول:
" حل لذي العرفان
فإذا تأولناه كان جناية منا *** وخرق سياج ذا البستان "

يعني: لو تأملناه تأولناه عند العامة كان هذا جناية، لأن من شروط، سبحان الله! من شروط التنسك عندهم أن تكتم أسرارهم، ولهذا العبادة عندهم على مراحل أظن عشرة مراحل، ينزلها الإنسان مرحلة مرحلة حتى يصل إلى الغاية.