التعليق على الأبيات السابقة، الرد على الجهمية وبيان أن كل تعطيل فأصله من الجهمية حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا المؤلف رحمه الله قال رحمه الله في هذه المقطوعة شرع يرد على هؤلاء المنحرفين في عقيدتهم في كلام الله. فبدأ أولا بالجهمية وهم أتباع الجهم بن صفوان أول من قال بالتعطيل حينما قال: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما. مذهب الجهمية يقولون: إن الله متكلم أي خالق للكلام في غيره، أما هو نفسه فلم يتكلم، لكن يخلق الكلام فيضيفه إلى نفسه تشريفا وتعظيما، كما خلق الناقة وأضافها إلى نفسه ناقة الله تشريفا وتعظيما، وكما خلق البيت وأضافه إلى نفسه فقال: (( وطهر بيتي )) تشريفا وتكريما، وكما أضاف محل عبادته إلى نفسه وهي المساجد، فقال: (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله )) إذن كلام الله هو كلام المخلوق خلقه في غيره، لكن أضافه إلى نفسه من باب التشريف، أما الله نفسه فلا يمكن أن يتكلم، وسيأتي بيان علتهم، عرفتم المذهب؟
إذن ما هو الكلام عندهم؟ كلام الله كلام مخلوق في غيره أضيف إلى نفسه على وجه التشريف والتعظيم، أما الله لا يمكن أن يتكلم، لا يمكن يقول الله: (( الحمد لله رب العالمين )) أبدا، لا يمكن أن يقول: (( وقال ربكم ادعوني استجب لكم )) لكن خلق كلاما بهذه الحروف سمعه جبريل فنزل به إلى محمد، ليس الله الذي قال لموسى: (( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري )) ما قالها ما هو الله اللي تكلم بها، ماذا؟ خلقه خلقه في شيء إما في الهواء وإما في الشجرة وإما في كذا أو كذا، وسمعه جبريل، قصدي وسمعه موسى، أما الله فلم يتكلم، عرفتم؟ أراد أن يرد عليهم، قال:
" فاعطف على الجهمية المغل الألى *** "
المغل يعني المغول، والمغول هم التتار الذين خرجوا على المسلمين فأفسدوا الدنيا والدين، وأصل طامة المغول أصلها من الجهمية، لأن كل تعطيل فأصله من الجهمية، كل تعطيل فأصله من الجهمية، كما أن كل خروج على الأئمة فأصله من الخوارج، وكما أن كل غلو في آل البيت فأصله من الرافضة، وهكذا، فأصول البدع كلها معروفة والحمد لله، الجهمية هم أصل التعطيل، وكان على مذهبهم هؤلاء المغول الذين أفسدوا الدنيا والدين، قال:
" *** خرقوا سياج العقل والقرآن "
سياج الشيء ما أحاط به من سور فهم خرقوا سياج العقل والنقل، من أين نأخذه أنهم خرقوا سياق النقل؟ من قوله:
" والقرآن "
" شرد بهم من خلفهم واكسرهم *** "
شرد بهم من خلفهم، يعني: نكل بهم نكالا يهرب به من خلفهم، كما قال الله تعالى: (( فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون )) فمعنى التشريد من خلفهم أن ينكل بهم حتى يشرد من خلفهم من شدة ما يرى في التنكيل بهم يخشى أن يصيبه ما أصابهم.
" شرد بهم من خلفهم واكسرهم *** بل نادي في ناديهم بأذان " ناديهم مجتعهم، بأذان أي بإعلان، قل:
" أفسدتم المعقول والمنقول *** والمسموع من لغة بكل لسان "
يعني كلامكم هذا أفسد المعقول والمنقول والمسموع من اللغات، إذن أفسد العقل هاه؟ والنقل واللغة، واللغة أفسدها، ثم بين السبب، قال:
" أيصح وصف الشيء بالمشتق *** للمسلوب معناه لذي الأذهان "
أجيبوا يصح ولا ما يصح؟ كيف يصح أن تصف الشيء بمشتق وهو لا يتضمن معناه؟! هل يصح أن تقول للقاعد أنت قائم؟ هاه؟
الطالب : لا
الشيخ : لا، لأنك لو قلت للقاعد قائم وصفت هذا القاعد بوصف مسلوب منه، مسلوب منه يعني منتفيا عنه، فهل يصح أن يوصف الشيء بالمشتق للمسلوب معناه لذي الأذهان؟ الجواب: كلا، لا يصح أبدا.
" أيصح صبار ولا صبر له *** " يعني: هل يصح أن يوصف الشيء بالمشتق وليس فيه ذلك المشتق فضلا عن أن يوصف به غيره؟ هاه؟ ما يصح، ما يصح أبدا.
" أيصح صبار ولا صبر له *** ويصح شكار بلا شكران
ويصح علام ولا علم له *** ويصح غفار بلا غفران
ويقال هذا سامع أو مبصر *** والسمع والإبصار مفقودان "

أنت رأيت واحد أصم، لو تضرب المدفع عند أذنه ما سمع، قلت: ما شاء الله! هذا الرجل سمعه يخرق الجدران، يصح ولا ما يصح؟ ما يصح؟ كيف ما يصح؟ ما يصح، رجل ما يسمع لو تضرب المدفع عند أذنه ما سمع تقول له سميع، لا يمكن. أيضا هل يصح أن يقال: هذا مبصر، والبصر مفقود منه؟ هاه؟ لو قلت لواحد أعمى، عندك رجل أعمى، فقلت: ما شاء الله! هذا الرجل يبصر النملة السوداء في الليلة الظلماء، ما تقول صح ولا غير صحيح؟ غير صحيح يا جماعة، واضح غير صحيح، لو قلت هذا لرماك الناس بالجنون، هذا لا يمكن، ولهذا قال:
" هذا محال في العقول وفي النقول *** وفي اللغات وغير ذي إمكان "
مستحيل، تصف شخصا بالبصر وهو أعمى، بالسمع وهو أصم، بالصبر وهو جزوع، بالشكر وهو كفور، لا يمكن هذا أبدا.