الثانية والسبعون ان في الاشتغال بالذكراشتغالا عن الكلام الباطل من الغيبة واللغو ومدح الناس وذمهم وغير ذلك فان اللسان لا يسكت البتة فاما لسان ذاكر واما لسان لاغ ولا بد من احدهما فهي النفس ان لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل وهو القلب ان لم تسكنه محبة الله عز وجل سكنته محبة المخلوقين ولا بد وهو اللسان ان لم تشغله بالذكر شغلك باللغو وما هو عليك ولا بد فاختر لنفسك احدى الخطتين وانزلها في احدى المنزلتين # الثالثة والسبعون وهي التي بدانا بذكرها واشرنا اليها اشارة فنذكرها هاهنا مبسوطة لعظيم الفائدة بها وحاجة كل احد بل ضرورته اليها وهي ان الشياطين قد احتوشت العبد وهم اعداؤه فما ظنك برجل قد احتوشه اعداؤه المحنقون عليه غيظا واحاطوا به وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشر والاذى ولا سبيل الى تفريق جمعهم عنه الا بذكر الله عز وجل وفي هذا الحديث العظيم الشريف القدر الذي ينبغي لكل مسلم ان يحفظه فنذكره بطوله لعموم فائدته وحاجة الخلق اليه وهو حديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب قال خرج علينا رسول الله يوما وكنا في صفه بالمدينة فقام علينا فقال اني رايت البارحة عجبا رايت رجلا من امتي اتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه ورايت رجلا من امتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوؤه فاستنقده من ذلك ورايت رجلا من امتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه ورايت رجلا من امتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من ايديهم ورايت رجلا من امتي يلتهب وفي رواية يلهث عطشا كلما دنا من حوض منع وطرد فجاءه صيام شهر رمضان فاسقاه وارواه ورايت رجلا من امتي ورايت النبيين جلوسا حلقا حلقا كلما دنا الى حلقة طرد فجاءه غسله من الجنابة فاخده بيده فاقعده الى جنبي ورايت رجلا من امتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها فجاءه حجة وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وادخلاه في النور ورايت رجلا من امتي يتقي بيده وهج النار وشرره فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار وظللت على راسه ورايت رجلا من امتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت يامعشر المسلمين انه كان وصولا لرحمة فكلموه فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم ورايت رجلا من امتي قد احتوشته الزبانية فجاءه امره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من ايديهم وادخله في ملائكة الرحمة ورايت رجلا من امتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله عز وجل حجاب فجاءه حسن خلقه فاخذه بيده فادخله على الله عز وجل ورايت رجلا من امتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله فجاءه خوفه من الله عز وجل فاخذه صحيفته فوضعها في يمينه ورايت رجلا من امتي خف ميزانه فجاءه افراطه فثقلوا ميزانه ورايت رجلا من امتي قائما على شفير جهنم فجاءه في الله عز وجل فاستنقده من ذلك ومضى ورايت رجلا من امتي قد أهوى في النار فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك ورايت رجلا من امتي قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكن رعدته ومضى ورايت رجلا من امتي يزحف على الصراط ويحبو احيانا ويتعلق أحيانا فجاءته صلاته علي فاقامته على قدميه وانقذته ورايت رجلا من امتي انتهى الى ابواب الجنة فغلقت الابواب دونه فجاءته شهادة ان لااله الا الله ففتحت له الابواب وادخلته الجنة رواه الحافظ ابو موسى المديني في كتاب الترغيب في الخصال المنجية والترهيب من الخلال المردية وبنى كتابه عليه وجعله شرحا له وقال هذا حديث حسن جدا رواه عن سعيد بن المسيب عمرو بن ازر وعلي بن زيد بن جدعان وهلال ابو جبلة وكان شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه يعظم شان هذا الحديث وبلغني عنه انه كان يقول شواهد الصحة عليه والمقصود منه قوله ورايت رجلا من امتي قد حتوشته الشياطين ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه فهذا مطابق لحديث الحارث الاشعري الذي شرحناه في هذه الرسالة وقوله فيه وامركم بذكر الله عز وجل وان مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو فانطلقوا في طلبه سراعا وانطلق حتى اتى حصنا حصينا فاحرز نفسه فيه فكذلك الشيطان لا يحرز العباد انفسهم منه الا بذكر الله عز وجل وفي الترمذي عن انس بن مالك قال رسول الله من قال يعني اذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله يقال له كفيت وهديت ووقيت وتنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان اخر كيف لك برجل قد هدى وكفى ووقى رواه ابو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن حفظ