القراءة من قول المصنف: وقال { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسولٍ إلا قالوا ساحرٌ أو مجنونٌ أتواصوا به بل هم قومٌ طاغون } فعزى سبحانه نبيه بذلك وأن له أسوةً بمن تقدمه من المرسلين وعزى أتباعه بقوله { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريبٌ } وقوله { الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآتٍ وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين }{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصرٌ من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين } فليتأمل العبد سياق هذه الآيات وما تضمنته من العبر وكنوز الحكم فإن الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين إما أن يقول أحدهم آمنا وإما ألا يقول ذلك بل يستمر على السيئات والكفر فمن قال آمنا امتحنه ربه وابتلاه وفتنه والفتنة الابتلاء والاختبار ليتبين الصادق من الكاذب ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه فإنه إنما يطوي المراحل في يديه . وكيف يفر المرء عنه بذنبه إذا كان تطوى في يديه المراحل فمن آمن بالرسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم وآذوه فابتلي بما يؤلمه وإن لم يؤمن بهم ولم يطعهم عوقب في الدنيا والآخرة فحصل له ما يؤلمه وكان هذا المؤلم له أعظم ألمًا وأدوم من ألم اتباعهم فلا بد من حصول الألم لكل نفسٍ آمنت أو رغبت عن الإيمان لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداءً ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداءً ثم يصير إلى الألم الدائم . وسئل الشافعي رحمه الله أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى ؟ فقال لا يمكن حتى يبتلى والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحدٌ أنه يخلص من الألم البتة وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول فأعقلهم من باع ألمًا مستمرا عظيمًا بألمٍ منقطعٍ يسيرٍ وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر . فإن قيل كيف يختار العاقل هذا ؟ قيل الحامل له على هذا النقد والنسيئة . و النفس موكلةٌ بحب العاجل { كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة } { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يومًا ثقيلًا } حفظ