القراءة من قول المصنف: قالوا : فإن قيل بل هذا الذي ذكره ابن سعدٍ يوافق قول زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وزيد بن أرقم من الأنصار والسورة مدنيةٌ وحينئذٍ فابن مسعودٍ سلم عليه لما قدم وهو في الصلاة فلم يرد عليه حتى سلم وأعلمه بتحريم الكلام فاتفق حديثه وحديث ابن أرقم . قيل يبطل هذا شهود ابن مسعودٍ بدرًا وأهل الهجرة الثانية إنما قدموا عام خيبر مع جعفر ٍ وأصحابه ولو كان ابن مسعودٍ ممن قدم قبل بدرٍ لكان لقدومه ذكرٌ ولم يذكر أحدٌ قدوم مهاجري الحبشة إلا في القدمة الأولى بمكة والثانية عام خيبر مع جعفرٍ فمتى قدم ابن مسعودٍ في غير هاتين المرتين ومع من ؟ وبنحو قلنا في ذلك قال ابن إسحاق قال وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا إلى الحبشة إسلام أهل مكة فأقبلوا لما بلغهم من ذلك حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن إسلام أهل مكة كان باطلًا فلم يدخل منهم أحدٌ إلا بجوارٍ أو مستخفيًا . فكان ممن قدم منهم فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة فشهد بدرًا وأحدًا فذكر منهم عبد الله بن مسعودٍ . فإن قيل فما تصنعون بحديث زيد بن أرقم ؟ قيل قد أجيب عنه بجوابين أحدهما : أن يكون النهي عنه قد ثبت بمكة ثم أذن فيه بالمدينة ثم نهي عنه . والثاني : أن زيد بن أرقم كان من صغار الصحابة وكان هو وجماعةٌ يتكلمون في الصلاة على عادتهم ولم يبلغهم النهي فلما بلغهم انتهوا وزيدٌ لم يخبر عن جماعة المسلمين كلهم بأنهم كانوا يتكلمون في الصلاة إلى حين نزول هذه الآية ولو قدر أنه أخبر بذلك لكان وهمًا منه .
ثم اشتد البلاء من قريشٍ على من قدم من مهاجري الحبشة وغيرهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذًى شديدًا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى أرض الحبشة مرةً ثانيةً وكان خروجهم الثاني أشق عليهم وأصعب ولقوا من قريشٍ تعنيفًا شديدًا ونالوهم بالأذى وصعب عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره لهم وكان عدة من خرج في هذه المرة ثلاثةً وثمانين رجلًا إن كان فيهم عمار بن ياسرٍ فإنه يشك فيه قاله ابن إسحاق ومن النساء تسع عشرة امرأةً . قلت قد ذكر في هذه الهجرة الثانية عثمان بن عفان وجماعةٌ ممن شهد بدرًا فإما أن يكون هذا وهمًا وإما أن يكون لهم قدمةٌ أخرى قبل بدرٍ فيكون لهم ثلاث قدماتٍ قدمةٌ قبل الهجرة وقدمةٌ قبل بدرٍ وقدمةٌ عام خيبر ولذلك قال ابن سعدٍ وغيره إنهم لما سمعوا مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثةٌ وثلاثون رجلًا ومن النساء ثمان نسوةٍ فمات منهم رجلان بمكة وحبس بمكة سبعةٌ وشهد بدرًا منهم أربعةٌ وعشرون رجلًا . كان شهر ربيعٍ الأول سنة سبعٍ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام وبعث به مع عمرو بن أمية الضمري فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وقال لئن قدرت أن آتيه لآتينه حفظ