القراءة من قول المصنف: حول فأوحى إلى عبده ما مر على موسى فقال له بم أمرت ؟ قال بخمسين صلاةً قال إن أمتك لا تطيق ذلك ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار أن نعم إن شئت فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه . هذا لفظ البخاري في بعض الطرق فوضع عنه عشرًا ثم أنزل حتى مر بموسى فأخبره فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل حتى جعلها خمسًا فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف فقال قد استحييت من ربي ولكن أرضى وأسلم فلما بعد نادى منادٍ قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي . رأى ربه تلك الليلة أم لا ؟ فصح عن ابن عباسٍ أنه رأى ربه وصح عنه أنه قال رآه بفؤاده وصح عن عائشة وابن مسعودٍ إنكار ذلك وقالا : إن قوله { ولقد رآه نزلةً أخرى عند سدرة المنتهى }
إنما هو جبريل . وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك ؟ فقال نورٌ أنى أراه أي حال بيني وبين رؤيته النور كما قال في لفظٍ آخر رأيت نورًا وقد حكى عثمان بن سعيدٍ الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره . قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وليس قول ابن عباسٍ : " إنه رآه " مناقضًا لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال " رأيت ربي تبارك وتعالى " ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه وعلى هذا بنى الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقال نعم رآه حقا فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد ولكن لم يقل أحمد رحمه الله تعالى : إنه رآه بعيني رأسه يقظةً ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه ولكن قال مرةً رآه ومرةً قال رآه بفؤاده فحكيت عنه روايتان وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه وهذه نصوص أحمد موجودةٌ ليس فيها ذلك . وأما قول ابن عباسٍ : أنه رآه بفؤاده مرتين فإن كان استناده إلى قوله تعالى : { ما كذب الفؤاد ما رأى } ثم قال { ولقد رآه نزلةً أخرى }
والظاهر أنه مستنده فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئي جبريل رآه مرتين في صورته التي خلق عليها وقول ابن عباسٍ هذا هو مستند الإمام أحمد في قوله رآه بفؤاده والله أعلم . وأما قوله تعالى في سورة النجم { ثم دنا فتدلى } فهو غير الدنو والتدلي في قصة الإسراء فإن الذي في ( سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعودٍ والسياق يدل عليه فإنه قال { علمه شديد القوى } وهو جبريل { ذو مرةٍ فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى } فالضمائر كلها راجعةٌ إلى هذا المعلم الشديد القوى وهو ذو المرة أي القوة وهو الذي استوى بالأفق الأعلى وهو الذي دنى فتدلى فكان من محمدٍ صلى الله عليه وسلم قدر قوسين أو أدنى فأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء فذلك صريحٌ في أنه دنو الرب تبارك وتدليه حفظ