القراءة من قول المصنف: فصلٌ فلما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأيده الله بنصره بعباده المؤمنين الأنصار وألف بين قلوبهم بعد العداوة والإحن التي كانت بينهم فمنعته أنصار الله وكتيبة الإسلام من الأسود والأحمر وبذلوا نفوسهم دونه وقدموا محبته على محبة الآباء والأبناء والأزواج وكان أولى بهم من أنفسهم رمتهم العرب واليهود عن قوسٍ واحدةٍ وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة وصاحوا بهم من كل جانبٍ والله سبحانه يأمرهم بالصبر والعفو والصفح حتى قويت الشوكة واشتد الجناح فأذن لهم حينئذ بالقتال ولم يفرضه عليهم فقال تعالى : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقديرٌ }. وقد قالت طائفةٌ إن هذا الإذن كان بمكة والسورة مكيةٌ وهذا غلطٌ لوجوهٍ أحدها : أن الله لم يأذن بمكة لهم في القتال ولا كان لهم شوكةٌ يتمكنون بها من القتال بمكة . الثاني : أن سياق الآية يدل على أن الإذن بعد الهجرة وإخراجهم من ديارهم فإنه قال { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } وهؤلاء هم المهاجرون . الثالث قوله تعالى: { هذان خصمان اختصموا في ربهم } نزلت في الذين تبارزوا يوم بدرٍ من الفريقين. الرابع أنه قد خاطبهم في آخرها بقوله يا أيها الذين آمنوا والخطاب بذلك كله مدني فأما الخطاب ( يا أيها الناس فمشتركٌ . الخامس أنه أمر فيها بالجهاد الذي يعم الجهاد باليد وغيره ولا ريب أن الأمر بالجهاد المطلق إنما كان بعد الهجرة فأما جهاد الحجة فأمر به في مكة بقوله { فلا تطع الكافرين وجاهدهم به } أي بالقرآن { جهادًا كبيرًا } فهذه سورةٌ مكيةٌ والجهاد فيها هو التبليغ وجهاد الحجة وأما الجهاد المأمور به في سورة الحج فيدخل فيه الجهاد بالسيف حفظ