القراءة من قول المصنف: وأكثر السلف فسروا الفتنة ها هنا بالشرك كقوله تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ } ويدل عليه قوله { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } أي لم يكن مآل شركهم وعاقبته وآخر أمرهم إلا أن تبرءوا منه وأنكروه . وحقيقتها : أنها الشرك الذي يدعو صاحبه إليه ويقاتل عليه ويعاقب من لم يفتتن به ولهذا يقال لهم وقت عذابهم بالنار وفتنتهم بها : ذوقوا فتنتكم قال ابن عباسٍ : تكذيبكم . وحقيقته ذوقوا نهاية فتنتكم وغايتها ، ومصير أمرها ، كقوله { ذوقوا ما كنتم تكسبون } وكما فتنوا عباده على الشرك فتنوا على النار وقيل لهم ذوقوا فتنتكم ومنه قوله تعالى : { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا } فسرت الفتنة ها هنا بتعذيبهم المؤمنين وإحراقهم إياهم بالنار واللفظ أعم من ذلك وحقيقته { وكذلك فتنا بعضهم ببعضٍ } وقول موسى : { إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء } فتلك بمعنًى آخر وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنعم والمصائب فهذه لونٌ وفتنة المشركين لونٌ وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لونٌ آخر والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب علي ومعاوية ، وبين أهل الجمل وصفين ، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا ويتهاجروا لونٌ آخر وهي الفتنة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم ستكون فتنةٌ القاعد فيها خيرٌ من القائم ، والقائم فيها خيرٌ من الماشي ، والماشي فيها خيرٌ من الساعي حفظ