القراءة من قول المصنف: وفيها أموالٌ عظيمةٌ لقريشٍ ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها ، وأمر من كان ظهره حاضرًا بالنهوض ولم يحتفل لها احتفالًا بليغًا ، لأنه خرج مسرعًا في ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلًا ، ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان فرسٌ للزبير بن العوام ، وفرسٌ للمقداد بن الأسود الكندي ، وكان معهم سبعون بعيرًا يعتقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ، ومرثد بن أبي مرثدٍ الغنوي ، يعتقبون بعيرًا ، وزيد بن حارثة ، وابنه وكبشة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرًا، وأبو بكرٍ وعمر ، وعبد الرحمن بن عوفٍ ، يعتقبون بعيرًا ، واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن أم مكتومٍ ، فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة بن عبد المنذر ، واستعمله على المدينة ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عميرٍ ، والراية الواحدة إلى علي بن أبي طالبٍ ، والأخرى التي للأنصار إلى سعد بن معاذٍ ، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة ، وسار فلما قرب من الصفراء ، بعث بسبس بن عمرٍو الجهني ، وعدي بن أبي الزغباء إلى بدرٍ يتجسسان أخبار العير . وأما أبو سفيان فإنه بلغه مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده إياه فاستأجر ضمضم بن عمرٍو الغفاري إلى مكة ، مستصرخًا لقريشٍ بالنفير إلى عيرهم ليمنعوه من محمدٍ وأصحابه وبلغ الصريخ أهل مكة ، فنهضوا مسرعين وأوعبوا في الخروج فلم يتخلف من أشرافهم أحدٌ سوى أبي لهبٍ ، فإنه عوض عنه رجلًا كان له عليه دينٌ وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب ، ولم يتخلف عنهم أحدٌ من بطون قريشٍ إلا بني عدي ، فلم يخرج معهم منهم أحدٌ ، وخرجوا من ديارهم كما قال تعالى : { بطرًا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله } وأقبلوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدهم وحديدهم تحاده وتحاد رسوله وجاءوا على حردٍ قادرين وعلى حميةٍ وغضبٍ وحنقٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما يريدون من أخذ عيرهم وقتل من فيها ، وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي ، والعير التي كانت معه فجمعهم الله على غير ميعادٍ كما قال الله تعالى : { ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا } ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريشٍ ، استشار أصحابه فتكلم المهاجرون فأحسنوا ، ثم استشارهم ثانيًا ، فتكلم المهاجرون فأحسنوا ، ثم استشارهم ثالثًا ، الأنصار أنه يعنيهم فبادر سعد بن معاذٍ ، فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك تعرض بنا ؟ وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم فلما عزم على الخروج استشارهم ليعلم ما عندهم فقال له سعدٌ لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقا عليها أن لا ينصروك إلا في ديارها ، وإني أقول عن الأنصار ، وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت وما أمرت فيه من أمرٍ فأمرنا تبعٌ لأمرك فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان ، لنسيرن معك ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر خضناه معك . وقال له المقداد : لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك . فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسر بما سمع من أصحابه وقال سيروا وأبشروا ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين وإني قد رأيت مصارع القوم فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدرٍ ، وخفض أبو سفيان فلحق بساحل البحر ولما رأى أنه قد نجا ، وأحرز العير كتب إلى قريشٍ : أن ارجعوا ، فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم فأتاهم الخبر وهم بالجحفة فهموا بالرجوع فقال أبو جهلٍ : والله لا نرجع حتى نقدم بدرًا ، فنقيم بها ، ونطعم من حضرنا من العرب ، وتخافنا العرب بعد ذلك فأشار الأخنس بن شريقٍ عليهم بالرجوع فعصوه فرجع هو وبنو زهرة ، فلم يشهد بدرًا زهري فاغتبطت بنو زهرة بعد برأي الأخنس فلم يزل فيهم مطاعًا معظمًا ، وأرادت بنو هاشمٍ الرجوع فاشتد عليهم أبو جهلٍ وقال لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع فساروا ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عشيا أدنى ماءٍ من مياه بدرٍ ، فقال أشيروا علي في المنزل فقال الحباب بن المنذر : يا رسول الله أنا عالمٌ بها وبقلبها ، إن رأيت أن نسير إلى قلبٍ قد عرفناها ، فهي كثيرة الماء عذبةٌ فننزل عليها ونسبق القوم إليها ونغور ما سواها من المياه . وسار المشركون سراعًا يريدون الماء وبعث عليا وسعدًا والزبير إلى بدرٍ يلتمسون الخبر فقدموا بعبدين لقريشٍ ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يصلي ، فسألهما أصحابه من أنتما ؟ قالا : نحن سقاةٌ لقريشٍ ، فكره ذلك أصحابه وودوا لو كانا لعير أبي سفيان فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما : أخبراني أين قريشٌ ؟ قالا : وراء هذا الكثيب . فقال كم القوم ؟ فقالا : لا علم لنا ، فقال كم ينحرون كل يومٍ ؟ فقالا : يومًا عشرًا ، ويومًا تسعًا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم ما بين تسعمائةٍ إلى الألف حفظ