القراءة من قول المصنف: فلما طلع المشركون وتراءى الجمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم هذه قريشٌ جاءت بخيلائها وفخرها ، جاءت تحادك ، وتكذب رسولك " ، وقام ورفع يديه واستنصر ربه وقال اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك " ، فالتزمه الصديق من ورائه وقال يا رسول الله أبشر فوالذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك واستنصر المسلمون الله واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه فأوحى الله إلى ملائكته { أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب } ، وأوحى الله إلى رسوله { أني ممدكم بألفٍ من الملائكة مردفين } قرئ بكسر الدال وفتحها ، فقيل المعنى إنهم ردفٌ لكم . وقيل يردف بعضهم بعضًا أرسالًا لم يأتوا دفعةً واحدةً . فإن قيل ها هنا ذكر أنه أمدهم بألفٍ وفي ( سورة آل عمران ) قال { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلافٍ من الملائكة مسومين } فكيف الجمع بينهما ؟
قيل قد اختلف في هذا الإمداد الذي بثلاثة آلافٍ والذي بالخمسة على قولين أحدهما : أنه كان يوم أحدٍ ، وكان إمدادًا معلقًا على شرطٍ فلما فات شرطه فات الإمداد وهذا قول الضحاك ومقاتلٍ وإحدى الروايتين عن عكرمة . والثاني : أنه كان يوم بدرٍ ، وهذا قول ابن عباسٍ ، ومجاهدٍ ، وقتادة . والرواية الأخرى رويت عن عكرمة ، اختاره جماعةٌ من المفسرين . وحجة هؤلاء أن السياق يدل على ذلك فإنه سبحانه قال { ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلةٌ فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا } إلى أن قال { وما جعله الله } أي هذا الإمداد إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به قال هؤلاء فلما استغاثوا ، أمدهم بتمام ثلاثة آلافٍ ثم أمدهم بتمام خمسة آلافٍ لما صبروا واتقوا ، فكان هذا التدريج ومتابعة الإمداد أحسن موقعًا ، وأقوى لنفوسهم وأسر لها من أن يأتي به مرةً واحدةً وهو بمنزلة متابعة الوحي ونزوله مرةً بعد مرةٍ . وقالت الفرقة الأولى : القصة في سياق أحدٍ ، وإنما أدخل ذكر بدرٍ اعتراضًا في أثنائها ، فإنه سبحانه قال { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميعٌ عليمٌ إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون } ثم قال { ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلةٌ فاتقوا الله لعلكم تشكرون } ، فذكرهم نعمته عليهم لما نصرهم ببدرٍ وهم أذلةٌ ثم عاد إلى قصة أحدٍ ، وأخبر عن قول رسوله لهم { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين } ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتقوا ، أمدهم بخمسة آلافٍ فهذا من قول رسوله والإمداد الذي ببدرٍ من قوله تعالى ، وهذا بخمسة آلافٍ وإمداد بدرٍ بألفٍ وهذا معلقٌ على شرطٍ وذلك مطلقٌ والقصة في ( سورة آل عمران ) هي قصة أحدٍ مستوفاةٌ مطولةٌ وبدرٌ ذكرت فيها اعتراضًا ، والقصة في سورة الأنفال قصة بدرٍ مستوفاةٌ مطولةٌ فالسياق في ( آل عمران ) غير السياق في الأنفال . يوضح هذا أن قوله { ويأتوكم من فورهم هذا } [قد قال مجاهدٌ : إنه يوم أحدٍ ، وهذا يستلزم أن يكون الإمداد المذكور فيه فلا يصح قوله إن الإمداد بهذا العدد كان يوم بدرٍ ، وإتيانهم من فورهم هذا يوم أحدٍ . والله أعلم .
حفظ