القراءة من قول المصنف: ثم ذكرهم بحالهم وقت الفرار مصعدين أي جادين في الهرب والذهاب في الأرض أو صاعدين في الجبل لا يلوون على أحدٍ من نبيهم ولا أصحابهم والرسول يدعوهم في أخراهم إلى عباد الله أنا رسول الله فأثابهم بهذا الهرب والفرار غما بعد غم غم الهزيمة والكسرة وغم صرخة الشيطان فيهم بأن محمدًا قد قتل . وقيل جازاكم غما بما غممتم رسوله بفراركم عنه وأسلمتموه إلى عدوه فالغم الذي حصل لكم جزاءً على الغم الذي أوقعتموه بنبيه والقول الأول أظهر لوجوهٍ أحدها : أن قوله { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم } تنبيهٌ على حكمة هذا الغم بعد الغم وهو أن ينسيهم الحزن على ما فاتهم من أصابهم من الهزيمة والجراح فنسوا بذلك السبب وهذا إنما يحصل بالغم الذي يعقبه غم آخر . الثاني : أنه مطابقٌ للواقع فإنه حصل لهم غم فوات الغنيمة ثم أعقبه غم الهزيمة ثم غم الجراح التي أصابتهم ثم غم القتل ثم غم سماعهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ثم غم ظهور أعدائهم على الجبل فوقهم وليس المراد غمين اثنين خاصةً بل غما متتابعًا لتمام الابتلاء والامتحان . الثالث أن قوله " بغم " من تمام الثواب لا أنه سبب جزاء الثواب والمعنى : أثابكم غما متصلًا بغم جزاءً على ما وقع منهم من الهروب وإسلامهم نبيهم صلى الله عليه وسلم وأصحابه وترك استجابتهم له وهو يدعوهم ومخالفتهم له في لزوم مركزهم وتنازعهم في الأمر وفشلهم وكل واحدٍ من هذه الأمور يوجب غما يخصه فترادفت عليهم الغموم كما ترادفت منهم أسبابها وموجباتها ولولا أن تداركهم بعفوه لكان أمرًا آخر . ومن لطفه بهم ورأفته ورحمته أن هذه الأمور التي صدرت منهم كانت من موجبات الطباع
حفظ