تفسير قول الله تعالى : << يآ أيها الذين ءامنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلآئد ولآ ءامين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم و رضوانا >> حفظ
ثم قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانه )) . نقول في قوله: (( يا أيها الذين آمنوا )) ما قلناه في الآية الأولى . (( لا تحلوا شعائر الله )) أي لا تنتهكوا حرماتها ، والشعائر جمع الشعيرة وهي العبادات الكبار كالحج والعمرة ونحو ذلك، وذلك لأن الأحكام الشرعية شعائر وغير الشعائر الأحكام الكبيرة تسمى شعائر ، قال الله تعالى: (( إن الصفا والمرة من شعائر الله )) . (( ولا الشهر الحرام )) الشهر المراد به هنا الجنس وليس المراد به الواحد ، فما هو الشهر الحرام ؟ الشهر الحرام شهور أربعة بين الله تعالى في قوله: (( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم )) وبين النبي صلى الله عليه وسلم أعيان هذه الأشهر بأنها ذو القعدة وذي الحجة والمحرم والرابع رجب ، رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ، هذه الأشهر الحرم يعني لا تحلوها بالمعاصي ولا تحلوها بالقتال أيضا، لأن القتال في الأشهر الحرم حرام حتى الكفار لا يحل أن نبدأهم بالقتال في الأشهر الحرم إلا دفاعا عن النفس أو إذا كان امتدادا بقتال سابق، انتبه وهذه المسألة يأتي إن شاء الله بيان حكمها واختلاف العلماء فيها . (( ولا الهدي )) يعني ولا تحلوا الهدي ، والمراد بالهدي ما يهدى إلى الحرم من إبل أو بقر أو غنم، وكيف إحلاله ؟ إحلاله أن يذبحه قبل أن يبلغ محله ، هذا إحلال ، فلو أن الإنسان ساق الهدي من الميقات من ذي الحليفة ثم أراد أن يذبحه أو ينحره قبل الوصول إلى مكة كان هذا حراما لا يحل ، ولهذا قال: (( ولا الهدي )) . (( ولا القلائد )) القلائد جمع أيش ؟ جمع قلادة ، فما المراد بالقلائد ؟ المراد بالقلائد ما تعلق به أعناق الهدي ، وكان من عادتهم أن يجعلوا في عنق كل واحدة قلادة إشارة إلى أنها هدي ، ويجعل هذه القلادة يعلق فيها النعال وأطراف الأسقية ، الأطراف القرب والأسقية وما أشبه ذلك إشارة إلى أن هذه للفقراء ، فمن حين أن يرى الإنسان هذه الشاة أو هذه البعير وعليها هذه القلادة يعرف أنها هدي فيحترمها ولا يضيرها بشيء ، (( ولا القلائد )) ويحتمل أن يقال إن القلائد أعم من ذلك وأن المراد: ولا أن تقلدتموه ، ما تقلدتموه من عهود ووعود وغيرها ، ولكن السياق يدل على المعنى الأول ، الهدي يعني القلائد يعني قلائد الهدي . (( ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )) يعني ولا تحلوا أيضا (( آمين )) بمعنى قاصدين ، (( البيت الحرام )) وهو الكعبة (( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )) وسماه الله بيتا لأنه بيت في الواقع إذ أنه حجرة ذات أركان وسقف فهي بيت ، ووصف الله بالحرام لما لها من حرمة والتعظيم ، ولهذا كان ما حولها محترما حتى الأشجار محترمة في الحرم مع أن الأشجار جماد ، الحصى ؟ غير محترم الحصى والتراب غير محترم ، ولهذا لك أن تكسر الحصى ولك أن تنقل التراب إلى خارج الحرم بخلاف الأشجار ، الأشجار التي لا تنمو كالتي قد يبست وكأغصان كسرت هل هي بحرام أو ليست بحرام ؟ الجواب ليست بحرام ، اليابسة التي انتهت ليست حراما . (( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )) جملة (( يبتغون )) في موضع نصب على الحال من (( آمين )) أما (( البيت الحرام )) فهي مفعول به لـ(( آمين )) (( يبتغون )) أي يطلبون ، (( فضلا من ربهم )) والفضل هنا يشمل الفضل الدنيوي والفضل الأخروي ، دليل ذلك قوله تعالى لما ذكر أحكام الحج قال: (( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم )) وهذا فضل الدنيا يشير به إلى من أتى إلى الحج يبيع ويشتري أو يكاري إبله أو سيارته أو ما أشبه ذلك، وهنا يقول: (( يبتغون فضلا من ربهم )) يعم الفضلين: فضل الدنيا وفضل الآخرة ، وقوله: (( ورضوانا )) أي رضا من الله عز وجل ، وفيها قراءتان: ضم الراء وكسرها (( رضوانا )) و (( رضوانا )) ورضوانا أي من ربهم ، أو أعم من ذلك يعني هل هم يريدون رضوانا من الله عز وجل ؟ أو رضوانا من الله ومن أنبيائه وأوليائه وأصفيائه ؟ العموم ، لكن أصل الأصيل أنهم يريدون الفضل من الله عز وجل . ثم قال: (( وإذا حللتم فاصطادوا )) جاء وقت السؤال ؟ نعم .