الفوائد المستفادة من الآية الكريمة . حفظ
في هذه الآية فوائد ، أولا: تحريم تحليل الشعائر ، لقوله: (( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله )) . ومن فوائدها: أن إحلال شعائر الله وما ذكر في الآية نقص في الإيمان ، لقوله: ((يا أيها الذين آمنوا )) . ومن فوائدها: أن امتثال ما ذكر في الآية من مقتضيات الإيمان التي يزيد بها الإيمان . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تعظيم الشعائر ، لأن الله أضافها إلى نفسه ، والمضاف يشرف ويعظم بحسب المضاف إليه . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم إحلال الشهر الحرام بالقتال ، وكذلك أيضا بالمعاصي سوى القتال فإن المعاصي في هذه الأشهر الحرم أعظم من المعاصي في غيرها . القتال في الشهر الحرام اختلف فيه العلماء ، فمنهم من يقول إنه منسوخ ، ومنهم من يقول إنه محكم ليس بمنسوخ ، فالقائلون إنه منسوخ يقولون إن الرسول عليه الصلاة والسلام قاتل في الشهر الحرام، فإنه بعد فتح مكة برمضان خرج إلى هوازن وثقيف وقاتلهم في ذي القعدة ، وكذلك كانت غزوة تبوك في الشهر الحرام ، متى ؟ في محرم ، وهذا يدل على أ ن القتال في الشهر الحرام نسخ تحريمه ، ولكن الصحيح أنه باقي وأنه لا يجوز قتال في الشهر الحرام ابتداء، أما إذا كان دفاعا أو كان امتدادا لغزوة سابقة فإن ذلك جائز، وعليه تحمل قصة هوازن وتبوك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما غزاهم لأنه قيل له إنهم قد جمعوا له فلابد من الدفاع . ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم واحترام الهدي ، تحريم الهدي واحترامه ، لقوله: (( ولا الهدي ولا والقلائد )) . ومن فوائد الآية الكريمة: العمل بالقرائن ، العمل بالقرائن ، نعم القلائد هذه قرينة لأن هذه هدي ، والعمل بالقرائن جاءت به السنة ، بل أشار إليه القرآن ، قال الله تبارك وتعالى: (( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان )) وكانت ليلا وعلم ذلك بآثارهم ، كذلك أيضا سليمان عليه السلام لما تنازعت المرأتان عنده في ولد الباقي وهو للصغرى وطلب سكينا يشقه بين المرأتين نصفين وافقت الكبرى وامتنعت الصغرى ، فحكم به لمن ؟ للصغرى ، لأن كونها امتنعت أن ينشق يدل على أنها هي الأم لشفقتها ، وكذلك شاهد يوسف قال: (( إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين )) وكذلك السنة جاءت بالعمل بالقرائن ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر وطلب مال حيي بن أخطب قال له سلام بن مشكم قال إنه فني ، قال كيف يفني العهد قريب والمال كثير؟ ثم أمر زبير بن عوام أن يمسه بعذاب، لما أحس بالعذاب ، قال اصبروا أنا أرى حيي يطوف حول خربة هناك ، فذهبوا إلى الخربة وإذا فيها ذهب عظيم مدفون ، قيل: إنه ملئ جلد الثور ، لماذا حكم النبي عليه الصلاة والسلام بأنه لابد من المال ؟ لأن العهد قريب والمال كثير أين يذهب ، ولابد العمل بالقرائن لكن بشرط أن لا تكون مجرد تهمة ، فإن كانت مجرد تهمة ليس لها أصل فإنه لا يجوز ، الأصل براءة والسلامة . ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب احترام الحجاج والعمار ، لقوله: (( ولا آمين البيت الحرام )) وهو يفيد أن العدوان عليهم أشد من العدوان على غيرهم . ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى الإخلاص لقاصد المسجد الحرام ، من أين تؤخذ ؟ من قوله: (( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )) . وهنا يسأل من قصد البيت من غير هذا الغرض بأن قصد البيت لزيارة أو لتجار، لزيارة قريب ربما نقول هذه مما يبتغى به وجه الله ، لكن لتجارة هل يدخل في هذا أو لا ؟ يدخل لاشك لكن ذكر ذلك بناء على الأغلب ، والقيد المبني على الأغلب يقول أهل الأصول إنه لا مفهوم له ، وعلى هذا يكون قوله: (( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )) ليس قيدا ولكنه بناء على الأغلب كقوله تعالى في بنات الزوجات: (( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن )) فإن ابنة الزوجة تحرم على الزوج إذا دخل بها وإن لم تكن في حجر الزوج ، لكن ذكر الحجور بناء على الغالب . ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجوز للإنسان أن يعمل العبادة لطلب الأجر والرضى من الله ، وأن هذا من أعلى المقامات خلافا للصوفية الذين يقولون: اعبد الله لله فإن عبدت لثوابه فعبادتك ناقصة ، قاتلكم الله ، أليس الله تعالى امتدح محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في قوله: (( تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا )) ولاشك أن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم أعلى الناس مقاما ، لكن هؤلاء لقصورهم ظنوا أنك لابد أن تعبد الله لله فقط ـ نسأل الله العافية ـ وهذا خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى منة الله عزوجل على هؤلاء الذين قصدوا البيت الحرام ، إشارة إلى منته ، من أين نأخذها ؟ (( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا )) ، عندك (( فضلا من ربهم ورضوانا )) من أي الكلمات ؟ (( فضلا )) ، سليم ؟ (( رضوانا )) لا ، إضافة الربوبية إليهم دليل على عنايته تبارك وتعالى بهم ، لأن الربوبية عامة وخاصة ، وإليها الإشارة في قوله تعالى: (( قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون )) أيهما العامة ؟ (( رب العالمين )) (( رب موسى وهارون )) خاصة ، إذا كون الله تعالى أضاف الربوبية إليهم إشارة إلى عنايته بهم عزوجل ، ومن ذلك أن وفقهم الحضور إلى المسجد الحرام . ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الرضى لله عزوجل، وأنه من أكبر غايات المؤمنين بل هو أكبر غاياتهم ، أفهمتم يا جماعة ؟ الرضوان صفة من صفات الله عزوجل التي يثبتها أهل السنة والجماعة على وجه الحقيقة ، يقولون إن الله يرضى ويكره ويغضب، ورضاه من صفات كماله عزوجل وهو سبب للثواب ، إذا رضي الله من عبد أثابه، وحمل أهل التعطيل الرضوان على أنه الثواب ، وقالوا إنه مجاز عن الثواب عبر به لأنه سببه ، فهو من التعبير بالسبب عن المسبب، فيقال ما المانع ؟ أثبت الله لنفسه الرضا في القرآن وأثبته النبي صلى الله عليه وسلم في السنة ( إن الله يرضى لكم ثلاثا ) والنصوص في هذا كثيرة ، وأجمع عليه سلف الأمة أجمعوا عليه ، وطريق إجماعهم أنه لم يرد عنهم ما يخالف ذلك وهم يقرؤون الكتاب والسنة ولم يرد عن واحد منهم أنه فسر الرضا بالثواب ، وهذا طريق ينبغي أن يتفطن له الإنسان ، لأنه قد يقول له قائل: ما الدليل على أن السلف أجمعوا على أن الرضا على معناه الحقيقي ؟ نقول: الدليل هو أنهم يتلون كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ ولم يرد عنهم حرف واحد يدل أنه غير مراد . إذا كان الله يرضى والرضى من صفاته فهل هو من الصفات الذاتية أو الفعلية ؟ الجواب هو من صفات الفعلية لأن كل صفة لله تكون لسبب فهي من الصفات الفعلية ، إذ أن كونها تقع لسبب يدل على أنها كانت بمشيئة الله، فالرضاء صفة فعلية والغضب صفة فعلية والنزول صفة فعلية وهكذا ، فالقاعدة عندنا أن كل صفة من صفات الله تكون لسبب فهي فعلية لأنها قبل وجود السبب غير موجودة ، هذا هو القول الذي ندين الله به أن الله عزوجل يرضى ويغضب ، ويكره ويحب حقيقة لا مجازا والله أعلم .