تفسير قول الله تعالى : << حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير و مآأهل لغير الله به و المنخنقة و الموقوذة و المتردية و النطيحة و مآأكل السبع إلا ما ذكيتم .....>>. حفظ
ثم قال الله تبارك وتعالى: (( حرمت عليكم الميتة والدم ... )) (( حرمت )) هذا فعل مبني لما لم يسم فاعله ، والفاعل من ؟ الله عزوجل ، فحذف الفاعل للعلم به . فإن قال قائل: قال هنا: (( حرمت )) وفي سورة البقرة والنحل: (( إنما حرم عليكم الميتة )) (( إنما حرم )) فنسب التحريم إلى الله صراحة فلماذا اختلف التعبير ؟ فالجواب من وجهين ، الوجه الأول: أن بلاغة القرآن لا يمكن أن يدركها كل الناس ، لأنها كلام من ؟ كلام الله عزوجل، والله تعالى لا نحيط به علما لا في ذاته ولا في صفاته ، فبلاغة القرآن أعظم من أن تدركها عقولنا ، وعلى هذا التقدير أو على هذا الجواب يجب الإمساك عن مثل هذه الأمور ، ونقول إن الله عزوجل عبر هناك أضاف الفعل إلى نفسه وهنا عبر بحرم وهذا أمر فوق عقولنا ، وبذلك يمسك كل مؤمن عن محاولة التكلف في الفرق . أما الوجه الثاني فيمكن أن يقال: هناك قال: (( إنما حرم )) لأنه بصيغة الحصر في أمور أربعة ، فكأنه قال ما حرم إلا هذا خلافا لما حرمتم أنتم في الجاهلية (( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام )) فقال ما حرم إلا هذا إظهارا لفضله عزوجل وأنه لم يحرم على الناس إلا أربعة أصناف فقط . (( حرمت عليكم الميتة )) الميتة هنا " أل " لبيان الحقيقة يعني كل ميتة فهي حرام ، والميتة هي ما مات على حتف أنفه أو ذكي على وجه غير شرعي ، هذه الميتة ، ما مات حتف على أنفه يعني بدون فعل فاعل ، أو بفعل فاعل لكن على غير الوجه الشرعي ، فمثلا إذا مرضت البهيمة وماتت ، نقول هذه ماتت حتف أنفه ، وإذا دق عنقها شخص فماتت ، نقول هذه ذكاة غير شرعية ، يستثنى من الميتة ميتة البحر فإنها ليست بحرام ، لقول الله تعالى: (( أحل لكم صيد البحر وطعامه )) قال عبد الله بن عباس: ( صيده ما أخذ حيا وطعامه ما أخذ ميتا ) وفي حديث عبد الله بن عمر: ( أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان الجراد والحوت ) ويستثنى الجراد كما في حديث ابن عمر ، والجراد ليس بحريا ، الجراد لا يعيش إلا في البر لكن ميتته حلال ، لماذا ؟ أولا لأن الأمر بتذكيته أو الإلزام بتذكيته إلزام بما لا يمكن ، من يستطيع أن يمسك كل جرادة ويذبحها ؟ وثانيا: أنه ليس فيها دم يحتاج إلى استخراجه ، فلذلك أحلت . هل يلزم من تحريم الميتة أن تكون نجسة ؟ نقول لا يلزم ، لكن هناك دليل على نجاستها ، وهو قوله تعالى: (( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس )) أي ما ذكر ، إذا يستثنى من الميتات الجراد وميتة البحر . (( والدم )) الدم هنا مطلق ، و" أل " فيه لبيان الحقيقة ، ولكنه قيد في سورة الأنعام بالدم المسفوح احترازا من الدم الذي يبقى في العروق بعد التذكية ، فإنه ليس بحرام ، الحرام هو الدم المسفوح الذي يخرج عند الذكاة أو يخرج عند فسخ العرق أو ما أشبه ذلك ، وكانوا في الجاهلية يأكلون الميتات ولا يبالون بها ويقولون كيف تحرمون ما قتله الله ولا تحرمون ما قتلتموه ؟ يعني بالذكاة ، وكانوا أيضا يأكلون الدم ، الدم المسفوح ، يفصد الإنسان عرق ناقته ويمصه فحرمه الله عزوجل ، يقيد الدم يقيد هذا بالدم المسفوح ، وعلى هذا فالكبد لا يحرم ، الطحال لا يحرم ، الكلى لا تحرم ، الدم الذي يكون في القلب لا يحرم ، الدم الذي يبقى في العروق لا يحرم ، لأن الدم قيده الله تعالى بالمسفوح . الثاني: (( لحم الخنزير )) حرام ، والخنزيز معروف حيوان خبيث من شأنه أن يأكل القاذورات والحشرات وما أشبهها ، وهو أيضا معروف بعدم الغيرة ، والذي يتغذى به يكتسب من طبيعته ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، لأن ذوات الأنياب والمخالف من طبيعتها الاعتداء ، وأن تفرس غيرها ، فلذلك نهيت عنها لئلا يتأثر الإنسان بغذائه منها ، كذلك أيضا لحم الخنزير يقولون ومشهور إنه قليل الغيرة . الرابع: (( ما أهل لغير الله به )) الإهلال في الأصل رفع الصوت ، والمراد به هنا ما ذكر اسم غير الله عليه مثل أن يقول: باسم المسيح ، باسم عزير ، باسم الرئيس الفلاني ، باسم الولي الفلاني ، باسم النبي ، باسم جبريل ، بأي اسم ، إذا ذبح على اسم غير الله فإنه حرام . (( والمنخنقة )) المنخنقة بنفسها والمخنوقة بفعل الفاعل ، المنخنقة بنفسها مثل أن تجر الحبل القلادة التي برقبتها ثم تضيق عليها حتى تنخنق ، أو تدخل رأسها كما قال بعض السلف تدخل رأسها بين غصنين من أغصان الشجرة ثم تعجز عن إخراجه فتنخنق ، والصحيح أنه يشمل المختنقة والمنخنقة ، المختنقة بفعل الفاعل يعني لو أن إنسانا أمسكها وضم رقبتها حتى ماتت فالصحيح أنها تدخل في المنخنقة وإن كان هذه تسمى مختنقة ، فهي شاملة لهذا وهذا ، إذا المنخنقة هي الميتة بالخنق سواء بفعل نفسها أو بفعل فاعل . (( والموقوذة )) من الوقذ ، وهو الضرب الشديد حتى تموت ، يأتي إنسان مثلا يضرب البهيمة ضربا شديدا فتموت إما بعصا وإما بحجر وإما بحبل أو بغير ذلك ، هذه أيضا لا تحل لأنها موقوذة . (( والمتردية )) الساقطة من عال، الساقطة من عال ، الساقطة من شيء عال سواء كان مترديا من فوق ، والمتردية من فم البئر إلى أسفله متردية من أسفل ، فالمتردية هذه حرام لأنها تموت بغير ذكاة شرعية . (( والنطيحة )) فعيلة بمعنى المفعولة أي: المنطوحة ، وهي التي تناطحت مع أختها حتى قتلتها ، لأن هذا الموت ليس بفعل فاعل ممن تصح ذكاته . (( وما أكل السبع إلا ما ذكيتم )) ما أكل السبع كالذئب والكلب والأسد وما أشبه ذلك ، فالمراد بالسبع هنا كل ما يعتدي على البهائم ويأكلها . وقوله: (( وما أكل السبع )) إذا قيل لك كيف ما أكل السبع ؟ ما أكل السبع كيف يستخرج من بطنه ؟ يقال: المعنى ما قتله ليأكله ، هذا معنى الآية أو ما شرع في أكله (( إلا ما ذكيتم )) . ننظر الآن كم عد الله عزوجل من المحرمات: الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ، تسعة ، العاشر: وما ذبح على النصب ، هذه التسعة هل الاستثناء في قوله: (( إلا ما ذكيتم )) يعود على التسع كلها ؟ أو على بعضها ؟ على بعضها قطعا ، لأن الميتة لا يمكن أن تذكي ، لأنها قد ماتت انتهت ، لحم الخنزير كذلك لا يمكن أن تحله الذكاة ، ما أهل لغير الله به أيضا لا يمكن أن تحله الذكاة اللهم إلا أن يدركه الإنسان قبل موته من غير الذي ذكر اسم الله عليه ، مثل أن يسمع إنسانا يذبح شاة يقول: باسم المسيح ، ثم ذكاها وانصرف وأدركنا ذكاته قبل أن يموت فهذا يدخل في الآية ، لكن إذا كان قد قطع الأوداج فإنه يعتبر في حكم الميت فلا يمكن أن تأتي عليه الذكاة بعده ، إذا يبتدئ ما في الاستثناء من قوله: المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ، كم ؟ خمسة ، النطيحة ربما تدركها قبل أن تموت ، المتردية كذلك ، ما أكل السبع كذلك ، الموقوذة كذلك يمكن أن تدركها قبل أن تموت . فإذا قال قائل: بماذا تكون تذكية هذه الأشياء التي أصابها سبب الموت ، بماذا تكون التذكية ؟ نقول: التذكية تكون بقطع الحلقوم والمري ، أو بقطع الودجين ، أو بقطع ثلاثة من أربعة ، أو بقطع الأربعة على خلاف بين العلماء ، وأرجح الأقوال أن التذكية تحصل بقطع الودجين ، هذا أرجح الأقوال ، وأن من كمالها قطع حلقوم المري أيضا . فما هما الودجان ؟ العروق الغليظة المحيطة بالحلقوم ، تسمون أيش يا أحمد ، أيش اسمها عندكم في مصر ؟ هي الودجين بهذا اللفظ ؟ أي نعم ، وعندنا ؟ جلاميد ، وعندكم ؟ الوردان ، أقرب ما يكون للقرآن والعربي لغة واسعة أنه الوردان (( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )) ، على كل حال إذا أدركها وقطع أوداجها قبل أن تموت فهذه تذكية . لكن ما علامة الموت ؟ هل لابد أن تتحرك بيدها أو رجلها أو عينها أو أذنها أو ذنبها ؟ أو لا تشترط الحركة ؟ أكثر العلماء يقول: لابد أن تتحرك ، لأنك إذا ذبحتها ولم تتحرك معناها أنها ماتت ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: علامة الحياة أن يخرج منها الدم السائل ، المسول الحار الأحمر ، لأن الحيوان إذا مات انقلب دمه إلى أسود وانتقل من الحرارة إلى البرودة ، وأيضا تجلط ما يسير كما يسير عند ذبحه ، فيقول رحمه الله إنه إذا خرج منه الدم الأحمر الحار الذي يسيل فإنها تحل سواء تحركت أم لم تتحرك ، لأنها قد لا تتحرك لشدة ما نزل بها ، فيكون قد أغمي عليها مثلا ما تتحرك لا بعينها ولا برجلها ولا بذنبها ، وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله هو الصحيح ، أنه متى خرج منها الدم الأحمر الحار الجاري فهي مذكاة .