تتمة الفوائد المستنبطة من الآية الكريمة . حفظ
من فوائد الآية الكريمة: ينبغي لقاضي الحاجة أن يستتر حتى يتوارى عن الناس ، وجهه قوله تعالى: (( أو جاء أحد منكم من الغائط )) فإن هذا هو سنة الصحابة رضي الله عنهم في حياة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم فيكون هذا دليل على أن من هديهم الاستتارة عن الأعين ولاشك أنه من كمال الأدب ، ولكن ليس كون الإنسان أمام الناس إذا كان قد ستر عورته ليس هذا من الأمور المذمومة لأنه فعله من هو أشد الناس حياء محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أتى سباطة قوم فبال فيها عليه الصلاة والسلام ، بال فيها قائما وكان حذيفة حوله . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: حكمة الشرع في التطهير ، حيث كان الاقتصار على أربعة أعضاء في الحدث الأصغر ، لأن هذه الأعضاء هي غالبا أدواة العمل وآلات العمل فالبطش باليد والمشي بالرجل والبصر والشم والكلام في الوجه ، والسمع والتخيل والتفكير في الرأس ، فشرعت التطهير لهذه الأعضاء الأربعة ، أما في الجماعة فشرع أن يطهر الإنسان جميع بدنه ، وذلك لأن الجنابة تخلخل البدن كله ، ولهذا يتعب الإنسان إذا حصلت منه الجنابة ويؤمر إذا أراد أن يعود أن يغتسل فإن لم يمكن فليتوضأ ، ويدل لهذا ـ أعني أن الجنابة تؤثر على جميع البدن ـ أن الرجل إذا زنى وهو محصن فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت من أجل يذوق جميع بدنه ألم العقوبة كما ذاق لذة الشهوة المحرمة . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: التكنية عما يستقبح ذكره ، لقوله: (( من الغائط )) وقوله: (( أو لامستم النساء )) . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التيمم جائز لجميع ما على الأرض سواء كان رملا أم ترابا أو حجرا أو غير ذلك . فإن قال قائل: ننازع في هذه الفائدة لقوله: (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه )) ومن تقتضي التبعيض ولا يمكن أن يكون شيء يعلق باليد من الأرض إلا إذا كانت ترابية ؟ قلنا هذا الإيراد وارد لاشك ، وهو دليل من يقول إنه لابد أن يكون التيمم بأرض لها تراب ، وأما التيمم على ما لا تراب فيه ولا غبار فيه فإنه لا يصح ، لكن الجواب على هذا الإيراد هو أنه قد علم للضرورة أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يسافر الأسفار الطويلة في أيام الشتاء وأيام الصيف وفي أسفاره يمر بالرمال ويمر بالأرض الممطورة ولم ينقل أنه كان يحمل التراب معه ولا أنه كان لا يتيمم على مثل هذه الأراضي ، واضح يا جماعة ؟ وبهذا اندفع هذا الاعتراض ، وسبق لنا أن قلنا في التفسير أن من هنا يحتمل أن تكون للتبعيض ويحتمل أن تكون للابتداء . ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لابد أن يكون الصعيد الذي يتيمم به طيبا وهو الطاهر ، ضده النجس ، ولكن ليس هناك صعيد يكون نجسا بل لابد أن يكون متنجسا والمتنجس كالنجس ، وعلى هذا فلا يصح التيمم على أرض متنجسة لقوله تعالى: (( فتيمموا صعيدا طيبا )) . ومن فوائدها: وجوب استيعاب الوجه في التيمم أي بالمسح ، وجوب استيعاب الوجه بالمسح بالتيمم ، لقوله: (( بوجوهكم )) ومن ثم يجب أن ننبه بعض العامة الذين إذا تيمموا مسح الأنف وما حولها وترك الباقي فيقال هذا لاشك أنه لا يجزئ ، لأن الآية صريحة (( بوجوهكم )) أي كلها . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن اليد عند الإطلاق لا يدخل فيها الذراع ، لقوله: (( وأيديكم )) وجه الدلالة: أن الله لما أراد تجاوز ما الكف قيده ، وذلك في نفس الآية التي معنا ، وذلك في طهارة الوضوء بالماء ، حيث قال: (( إلى المرافق )) . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الترتيب في التيمم بين الوجه واليدين ، فيبدأ أولا أيش ؟ بالوجه ثم باليدين ، وهل هذا الترتيب مطابق لترتيب الوضوء ؟ بلى ، بلى يا إخوان ، غسل اليدين قبل غسل الوجه أو بعده ؟ بعده ، إذا مطابق ، إذا مطابق . فإن قال قائل: الواو لا تقتضي الترتيب ، بل هي المطلق الجمعة ؟ قلنا: لكن تقتضيه القرينة ، القرينة هنا أن الله تعالى بدأ بالوجه وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أبدأ بما بدأ الله به ) . ومن فوائد الآية الكريمة: انتفاء الحرج في هذا الدين الإسلامي ، لقوله: (( ما يرد الله ليجعل عليكم من حرج )) أي من مشقة ، الدين الإسلامي والحمد لله كل مبني على اليسر ، وليس اليسر منوطا في هوى أو بهوى كل إنسان ، لأنه لو كان منوطا بهوى كل إنسان لكان بعض الناس يشق عليه أن يقوم يصلي الفجر في الشتاء ، ولكن المعنى أن كل ما شرعه الله فهو ميسر ليس فيه مشقة . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الإرادة لله ، لقوله: (( ما يريد )) (( ولكن يريد )) فأثبت لنفسه الإرادة بنفي إرادة الحرج وإثبات إرادة التطهير . ومن فوائد الآية الكريمة: أننا إذا قلنا إن الحرج منفي فهل معنى ذلك أن المشروع يرتفع بالكلية أو يخفف فيه إما بذاته أو بالانتقال إلى بدله ؟ الجواب: تارة ينتفي الحرج برفع المشروع بالكلية وتارة بتخفيفه وتارة بفعل بدله ، فهذه ثلاثة أقسام ، إما أن يرتفع التكليف بهذا الشيء الذي فيه الحرج كليا ، وإما أن يخفف ، وإما أن يجعل له بدلا ، فمثلا في كفارة القتل إذا عجز الإنسان عن صيام شهرين متتابعين ماذا يكون ؟ تسقط عنه ، ترفع بالكلية . في القيام في الصلاة إذا عجز الإنسان عنه أيش ؟ فيخفف فيصلي قاعدا إذا لم يستطع أن يصلي قائما . الثالث: أن يكون إلى بدل، فالإنسان العاجز عن الصيام عجزا مستمرا لا يلزمه أن يصوم ، لكن عليه البدل وهو إطعام مسكين عن كل يوم ، فصار الأمر الحمد لله واسعا ، وبناء على هذه القاعدة التي أخذناها من كلام ربنا عزوجل نقول إن من عجز عن الكفارات أيا كانت الكفارة وقت الوجوب فإنها تسقط عنه ، وأما قول بعض العلماء إنه لا يسقط الكفارات عند العجز إلا كفارة الجماع في الحيض وكفارة الجماع في نهار رمضان فهذا الحصر لا دليل عليه والصواب أن جميع الكفارات إذا كان حين وجوبها عاجزا عنها فإنها تسقط ، كما قلنا في الزكاة إذا كان الإنسان فقيرا فإنه لا زكاة عليه ، ولو اغتنى هل نقول اقض عن السنوات التي مضت بعد التكليف ؟ لا نقول بهذا . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: سعة رحمه الله عزوجل ، حيث نفى الحرج عن عباده ، ولكن لو سأل لنا السائل : أليس يوجد في بني إسرائيل شيء من الحرج في عباداتهم ؟ قلنا بلى ، لكن ذلك بسببهم ، هم الذين تسببوا لذلك (( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ... )) . من فوائد هذه الآية الكريمة: قوله: (( ولكن يريد )) هل الإرادة هنا شرعية أو كونية ؟ شرعية ، لإرادة هنا شرعية . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التيمم مطهر وليس بمبيح ، كيف الكلام هذا ؟ يرى بعض أهل العلم رحمه الله أن التيمم يبيح ما كان محظورا بدون ماء يعني يبيح الصلاة بدون ماء حرام ، لكن إذا عدم الماء أو خيف الضرر باستعماله وتيمم أبيحت الصلاة ، فيرى بعض العلماء أن طهارة التيمم استباحة لما كان محظورا ، وبناء على هذا لو تيمم لقراءة القرآن لم يصل نافلة ، لأن النافلة أعلى من قراءة القرآن، وإن شئت فقل لأن وجوب الطهارة للنافلة أقوى من وجوب الطهارة لقراءة القرآن ، بل الوضوء لقراءة القرآن سنة وليس بواجب ومس المصحف هو الذي يجب لها الطهارة . ولو نوى صلاة نافلة لم يصل بذلك فرضا ، لأن الفرض أعلى من النفل ، ولو خرج الوقت وهو على طهارته بطل تيممه لأن الضرورة تقدر بقدرها وهذا الرجل لم يتيمم إلا لصلاة حاضرة والصلاة الحاضرة تنتهي بخروج وقتها ، ولكن هذا القول ضعيف ، والصواب أن التيمم مطهر ، دلالة ذلك في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أين هي في كتاب الله ؟ (( ولكن يريد ليطهركم )) بعد أن ذكر الوضوء و الغسل والتيمم قال: (( ولكن يريد ليطهركم )) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) وطهور بالفتح ما تحصل به الطهارة ، وعلى هذا فيكون التيمم مطهرا رافعا للحدث . فإذا تيمم لقراءة القرآن يصلي به النافلة ؟ لا ، لأيش ؟ لأنه تطهر ، وإذا تيمم للنافلة به الفريضة ، وإذا تيمم للصلاة وخرج به وقتها يصلي به الأخرى مادام لم ينتقض الوضوء ، وهلم جرا ، وإذا تيمم عن الجنابة أول مرة كفاه فلا يتيمم بعد ذلك إلا عن حدث الأصغر فقط .