تتمة تفسير الآية السابقة حفظ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تعالى: (( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم )) . قال الله تعالى: (( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات )) (( آمنوا )) أي بما يجب الإيمان به ، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام إن الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر و القدر خيره وشره . أما (( عملوا الصالحات )) يعني عملوا أعمال الصالحات، فالصالحات إذا صفة لموصوف محذوف، والتقدير: الأعمال الصالحات . فمتى يكون العمل صالحا ؟ يكون العمل صالحا إذا تضمن أمرين ، الأول: الإخلاص لله ، والثاني: المتابعة لشريعة الله ، سواء كان لأمة محمد أو من الأمم السابقة ، لابد من أمرين ، الأول: الإخلاص لله عزوجل لأن العبادة حق الله وحده فلا يجوز أن تشرك بها معه غيره والأدلة كثيرة الدالة على وجوب الإخلاص لله تعالى (( فاعبدوا الله مخلصين له الدين )) (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ))، ( من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ) والنصوص في هذا كثيرة . أما المتابعة فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي عمل ليس عليه أمر الله ورسوله من عبادات أو معاملات فإنه مردود على صاحبه ، إذا لابد أن يكون العمل عليه أمر الله ورسوله، ولا تتحقق المتابعة إلا إذا وافق العمل الشريعة في أمور ستة، الأول: السبب ، والثاني: الجنس ، والثالث: النوع ، والرابع: القدر ، و الخامس: المكان ، والسادس: الزمان ، فلابد أن تكون الموافقة بالشريعة في هذه الأمور الستة: السبب ، والجنس ، والنوع ، والقدر ، والزمان ، والمكان . فمن تعبد لله بعبادة علقها بسبب لم يجعل الله ورسوله سببا فالعبادة باطلة ، بدعة مردودة ، مثال ذلك أن يقول المرء كلما ليس ثوبا: اللهم صل على محمد ، فقيل له لماذا ؟ قال أتذكر لبس النبي عليه الصلاة والسلام للثوب فأصلي عليه ، فماذا نقول له ؟ نقول: هذه عبادة بدعة ، لأنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يصلون على النبي إذا أرادوا اللباس . لابد أيضا أن يكون موافقا للشرع في جنس العبادة ، فإن تعبد لله بعبادة ما لم يشرع جنسها فالعبادة مردودة عليه ، ومثال ذلك أن يضحي بفرس بدلا عن البقرة مثلا ، نقول هذه أضحية غير مقبولة ، لأنها ليست من جنس ما شرع الله ورسوله فلا تقبل . النوع وهو أخص من الجنس ، في النوع تعبد لله سبحانه وتعالى بعبادة لم يشرع له فإنها لا تقبل ، كما لو أحدث أذكارا مشروعا من حيث الجنس لكنها على نوع آخر فإنها لا تقبل ، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) . كذلك أيضا القدر، لو تعبد لله تعالى بعبادة زائدة أو ناقصة لم تقبل منه فلو صلى الظهر ثلاثا لم تقبل ولو صلاها خمسا لم تقبل لمخالفة الشريعة في العدد . الكيفية أيضا ، لو أنها خالفت الشريعة في الكيفية فإنها لا تقبل كما لو سجد قبل الركوع فإنها لا تقبل لمخالفة الشريعة في كيفيتها ، صار سبعة ؟ لأيش يا أخي ؟ الكيفية ما ذكرت أولا ؟ هي في الواقع بدل النوع ، أحيانا يعبر بالنوع وأحيانا يعبر بالكيفية ، النوع هو الكيفية في الواقع . الخامس ؟ المكان ، لو اعتكف الإنسان في بيته بدلا عن المسجد وانقطع للعبادة في البيت فإنها لا تقبل فإنها غير موافقة للشرع في المكان . في الزمان، لو صام الإنسان في غير رمضان عن رمضان لم تقبل لأنه في غير الزمن المشروع ، وكذلك لو وقف بعرفة في غير يوم عرفة أو رمى الجمرات في غير موسم الحج أو ما أشبه ذلك ، إذا العمل الصالح هو ما وافق الشريعة في هذه الأمور الستة: السبب والجنس والكيفية والقدر و الزمان والمكان، ويجعل بدل النوع الكيفية لأنها أوضح . يقول الله عزوجل: (( الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة )) هذا في مقابل الذنوب ، (( وأجر عظيم )) في مقابل الحسنات ، فالسيئات تغفر والحسنات زائد عليها هذا الثواب العظيم .