الفوائد المستنبطة من الآية الكريمة . حفظ
ففي الآية فوائد، منها: أن القرآن الكريم مثاني ، إذا ذكر أهل العمل الصالح ذكر أهل العمل السيئ ، وفائدة ذلك أيها الطلاب: ألا يغلب جانب الرجاء أو جانب الخوف ، وذلك لأن الإنسان إذا لم يكن أمامه إلا أوصاف مؤمنين وجزاء المؤمنين فإن ذلك قد يحمله على الرجاء وينسى الخوف ، وإذا لم يكن أمامه إلا أوصاف الكافرين وعقوبة الكافرين فقد يستولي عليه الخوف والقنوت من رحمة الله ، فلهذا كان الله تعالى يذكر هذا إلى جنب هذا حتى لا يستولي القنوت من رحمة الله عند ذكر ما يخوف ، أو الأمن من مكر الله عند ذكر ما يرجي . فإن قال قائل: أيهما أفضل للعامل أن يغلب جانب الخوف أو أن يغلب جانب الرجاء ؟ فالجواب: أن أحسن الأقوال في هذا أنه عند عمل الصالح يغلب جانب الرجاء وعند الهم بالسيئة يغلب جانب الخوف ، لأنه إذا عمل عمل الصالح وغلب جانب الرجاء أحسن الظن بالله وأن الله تعالى سيقبل عمله ويثيبه عليه فنشط على العمل واحتسب الأجر على الله ، وعند الهم بالمعصية لو غلب جانب الرجاء لقالت له نفسه إن الله غفور رحيم ، وهذه معصية سهلة ، وأنت إذا فعلتها فتب باب التوبة مفتوح ، وما أشبه ذلك ، لكن إذا غلب جانب الخوف وخاف ألا يوفق للتوبة وأن يزيغ قلبه حينئذ يكف عن المعصية ، فأحسن الأقوال في ذلك أن ينظر الإنسان إلى حاله، فعند ما يفعل الطاعات يغلب جانب الرجاء ، وعندما يهم بالمعصية يغلب جانب الخوف . فإن قال قائل: ألم يقل الله عزوجل: (( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون )) فبين الله تعالى من أوصاف هؤلاء السادة أنهم إذا آتوا ما يؤتون فقلوبهم وجلة يخافون ألا يقبل منهم كما جاء ذلك في تفسيره ؟ قلنا نعم هو كذلك، وهذا إذا خاف الإنسان أن يعجب بعمله فيجب أن يخاف ، وأما إذا كان بريئا من ذلك وهو يعلم أن ذلك العمل الصالح بمعونة الله فليحس الظن بالله عزوجل ، وقد قال الله عزوجل في الحديث القدسي: ( أنا عند ظن عبدي بي ) . من فوائد الآية الكريمة: أن الكفر قد يسحبه التكليف وقد لا يسحبه ، ولهذا أحيانا يذكر الله الكفر فقط مثل قوله تعالى: (( واتقوا النار التي أعدت للكافرين )) وأحيانا يذكر التكليف فقط (( ومن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه )) وأحيانا يقرن بينهما ، وذلك لأن كل واحد منهما قد يكون وحده موجبا للخلود في النار، فإذا اجتمعا جميعا صار ذلك أشد وأعظم ـ والعياذ بالله . ومن فوائد الآية الكريمة: أن على الإنسان أن يكون مستسلما استسلاما تاما لآية الله مصدقا لأخبارها منفذا لأحكامها ، لأن الله توعد المكذبين بالآيات والكافرين بها بأيش ؟ بأنهم أصحاب الجحيم ، وقد ذكر الله عزوجل في سورة النساء قسما مؤكدا أنهم لا يؤمنون إلا بشروط، فقال: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم )) هذه واحدة ، (( ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت )) هذا اثنين ، (( ويسلموا تسليما )) هذا ثلاثة، فمن حكم غير الله ورسوله فليس بمؤمن ، ومن حكم الله ورسوله ولكنه صار في قلبه ضيق لم ينشرح صدره بما حكم الله ورسوله فليس بمؤمن ، ولهذا قال: (( ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت )) ، ومن لم يجد حرجا لكن صار يتكاسل ويتهاون في التسليم فإنه لم يؤمن، ثم قد يكون انتفاء الإيمان عنه انتفاء كاملا وقد يكون انتفاء جزئيا حسب ما قام في قلبه وعمله . ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكافرين المكذبين مخلدون في النار ، لقوله: (( أصحاب الجحيم )) وكلما جاءت أصحاب فالمراد بها الملازمة الدائمة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيدي لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن ما جئت به ـ أو قال لا يتبع ما جئت به ـ إلا كان من أصحاب النار ) .