قال الله تعالى :<< يآأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله و على الله فليتوكل المؤمنون >> . حفظ
ثم قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) . الكلام على قوله: (( يا أيها الذين آمنوا )) تقدم كثيرا وأظنه لا يحتاج . وقوله: (( اذكروا نعمة الله )) أمر الله تعالى أن يذكر نعمته لا من أجل مجرد الذكر والخبر ولكن للقيام لشكر هذه النعمة ، لأن مجرد أن نقول إن الله سلمني من العدو إن الله مكنني من العدو ، إن الله نصرني على العدو ، إن الله خذل عدوي لا يكفي ، لابد أن يكون ذلك شكرا لله عزوجل ، فإن كان شكرا بأن كان يتحدث الإنسان بنعمة الله ، نعم ثناء على الله فهذا من الشكر . وقوله: (( نعمة الله عليكم إذ هم )) هذه متعلق بقوله: (( نعمة الله عليكم )) فتكون في موضع نصب على الحال . (( هم قوم أن يبسطوا أيديهم إليكم )) من القوم ؟ المشركون ، هموا بقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهموا أيضا بأن يقاتلوه في مكة ولكن الله قال: (( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظهركم عليه )) وقال في سورة النساء: (( ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم )) فعدة وقائع يهمك الكفار بأن يبسطوا أيديهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه ولكن الله تعالى يكف أيديهم ويسلم الرسول وأصحابه . (( فكف أيديهم عنكم )) ولم يستطيعوا أن ينالكم بالسوء، وهذه نعمة عظيمة أن يهم عدوك بشيء ثم يحجزه الله عنه ، لقد قال الله عزوجل في سورة الأحزاب: (( إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها )) وقال فيها: (( وكفى الله المؤمنين القتال )) . (( واتقوا الله )) أمر بذكر النعمة والتقوى ، والتقوى هي اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل الأوامر واجتناب النواهي . (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) يعني وليتوكل المؤمنون على الله ، ونعلم جميعا أن قوله: (( على الله )) متعلق بـ" اليتوكل " فهي مقدمة عليها لإفادة الحصر ، والفاء زيدت لتحسين اللفظ ، وإلا لو قيل: وعلى الله ليتوكل ، لصح الكلام . وقوله: (( فليتوكل )) اللام لام الأمر وأصلها مكسورة لكنها تسكن إذا سبقها ؟ من يعرف ؟ إذا سبقها قلة ؟ نعم ؟ إذا سبقها الفاء والواو وثم ، صح ، في الآية التي معنا ما الذي سبقها ؟ الفاء ، وفي قوله: (( ثم ليقطع فلينظر )) ثم ، (( وليطوفوا )) الواو، (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) فاللام للأمر ، والتوكل أحسن ما قيل فيه أنه: صدق الاعتماد على الله ، صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار ثقة به تبارك وتعالى وتفويضا إليه ، هذا التوكل على الله ، أن تعتمد على الله في جلب المنافع والإنسان محتاج إلى المنافع، ودفع المضار ثقة بالله عزوجل وتفوضا إليه ، وبهذا يظهر الفرق بين توكل الإنسان على العبد وتوكله على الرب، توكل الإنسان على الرب تفويض مطلق فيعتقد الإنسان أن الله هو الذي له الحكم وله السلطة عليه، توكله على شخص وكله أن يشتري له حاجة ليس كذلك ، ليس تفويضا إليه ولكنه وكله يعتقد أنه دونه في المرتبة ، أليس كذلك ؟ يعني عندما تعتمد على شخص وكلته ليشتري لك حاجة هل هو كتوكلك على الله ؟ لا ، توكلي على الله توكل عبادة وتفويض واستسلام ، وتوكلي على إنسان وكلته ليس إلا اعتمادا على شخص أنا الذي أدبره وأنا الذي أريد أن يتوكل وأنا الذي بيدي فسخ وكالتي ، فالفرق بين التوكل على الله والتوكل على العبد فرق عظيم ، لكن مع ذلك لا ينبغي للإنسان أن يقول توكلت على فلان في شراء كذا وكذا ، بل يقول وكلت فلان لئلا يستعمل اللفظ الذي لا يطلق إلا لله في حق العبد . وقوله: (( المؤمنون )) يعني الذين آمنوا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .