تتمة تفسير الآية السابقة . حفظ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموه وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل )) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تبارك وتعالى: (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل )) الجملة هنا مؤكدة ، بكم يا حامد ؟ بثلاثة ، ما هو عينه ؟ القسم ، واللام ، وقد . وذكرنا لكم قبله أنه إذا جاء مثل هذا التعبير فالتأكيد بثلاث مؤكدات ، باللام ، وقد ، وقسم المقدر ، و التقدير: والله لقد ، أعرفتم ؟ . (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل )) أي عهدهم ، والسياق هنا سياق غائي (( أخذ الله )) . قال: (( وبعثنا منهم )) هذا التفات من الغيبة إلى التكلم ، ولو كان الكلام على نسق واحد لقال: بعثنا منهم اثني عشر نقيبا أي جعلنا منهم اثني عشر رقيبا ، اثني عشر هذه لسنا نعربها على أن اثني وحدها أو عشر وحدها ، لو كانت في غير هذا اللفظ يعني من الثلاثة عشر أربع عشرة ، ثلاثة عشرة أربعة عشر ، لا نعربها هذه على أنها الجزء الأول وحده والثاني وحده إلا اثني عشر واثنتي عشر ، فيعرب الجزء الأول بحسب العوامل ، ففي الرفع نجعل بالألف ، وفي النصب والجر بالياء ، لأنه ملحق بالمثنى وإنما قلنا إنه ملحق مثنى ولم يجعله مثنى حقيقة لأنه ليس له مفرد إذ أن إثنى ليس مفرده اسم لكن مفرده واحد ، فلهذا يعربونه على أنه ملحق بالمثنى ويكون إعرابه بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرا ، ولكنه لا يضاف إلى عشرة بل يقال: اثنا مركب مع عشر وعشر مبني على الفتح لا محل له من الإعراب . (( اثني عشر نقيبا )) (( نقيبا )) هذه تمييز ، وكلما جاءت كلمة تفسر المعدد وهي المعدود فأعربها على أنها تمييز مثلا ثلاثة عشر رجلا، رجلا تمييز ، (( اثني عشر نقيبا )) نقول نقيب تمييز ، ولهذا يقول صاحب الألفية:
اسم بمعنى من مبين نكرة ينصب تمييزا لما قد فسره
(( اثني عشر نقيبا )) (( نقيبا )) فعيل بمعنى فاعل وناقب بمعنى منقب ، منقب يعني مفتش وهم العرفاء ، لأن العريف يفتش عمن جعل عريفا عليه ، وأصل التنقيب التفتيش ، ومنه قوله تعالى: (( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد )) أي فتشوا فيها ، إذا النقيب فعيل بمعنى فاعل أي منقب ، والتنقيب هو التفتيش ، ومعناه العرفاء جعل الله منهم اثني عشر نقيبا عرفاء على قومهم كل سد عليه عريف لأنهم هم اثنا عشر أسباطا ، (( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )) وهذا من عناية الله عزوجل بهم أن جعل عليهم العرفاء من أجل أن يوجهونهم ويؤدبونهم . (( وقال الله إني معكم )) (( قال الله إني معكم )) أي في النصر والتأييد ، وهذه المعية خاصة وسنتكلم إن شاء الله عليها عند أخذ الفوائد . ثم قال: (( لئن أقمتم )) هذا رد الميثاق (( لئن أقمت الصلاة )) أي أتيتم بها مستقيما ، والصلاة معروفة هي التعبد لله تعالى بذات الأقوال والأفعال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ، هذا هو الأصل ، وعلى هذا فصلوات اليهود والنصارى الآن صلوات محرفة ، فهم كما حرفوا في التأويل حرفوا أيضا في العقائد . (( وآتيتم الزكاة )) آتيتم بمعنى أعطيتم ، والزكاة مال واجب في أموال مخصوصة ، وقوله: (( آتيتم الزكاة )) إلى من ؟ إلى مستحقها ، ولهذا نقول إن آتى تنصب مفعولين ، الأول الزكاة والثاني محذوف ، أي آتيتم الزكاة أهلها ، والزكاة هي المال الذي ذكرنا لكم وسمي زكاة لأنه يزكي أخلاق باذله ، يزكيها يعني ينميها ، فإن بذل المال ينمي الأخلاق بلاشك ، وإذا أردت أن ينشرح صدرك فأكثر من النفقة ، لكن بدون إسراف . (( وآمنتم برسلي )) أي أقررتم إقرارا مستلزما للقبول والإذعان ، هذا معنى الإيمان هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، فمجرد الإقرار لا يعتبر إيمانا ، فلو كان مجرد الإقرار إيمانا لكان أبو طالب مؤمنا لأنه مقر برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، (( وآمنتم برسلي )) والرسل جمع الرسول وهم الذين أرسلهم الله تعالى إلى بني إسرائيل ، وأكثر الأنبياء الذين قصوا علينا من بني إسرائيل . (( وعزرتموه )) أي نصرتموه لأن التعزير يعني النصرة وأصله من التقوية ، قال الله تبارك وتعالى: (( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه )) تعزروا من ؟ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . (( وأقرضتم الله قرضا حسنا )) قوله: (( وأقرضتم الله )) أي بذلتم المال محتسبين الأجر من عنده ، لأن المقرض يعطي القرض على أنه سوف يرد إليه عوضه ، فالإقراض لله يعني احتساب الثواب منه كأنك بذلت الشيء ابتغاء مرضاته لتنال بذلك ثوابا . فإن قال قائل: (( أقرضتم )) مع قوله: (( آتيتم الزكاة )) هل هو من باب عطف المتغايرين أو هو من باب عطف العام على الخاص أم ماذا ؟ يرى بعض العلماء أنه من باب العطف العام على الخاص لأن الزكاة حقيقة من أقراض الله إذا أداها الإنسان متصفا ثوابها فهي من أقراض الله ، ويكون ذكر الإقراض وهو أعم من الزكاة بعد ذكر الزكاة ليشمل الزكاة وغيرها ، وقيل: المراد بالزكاة هنا المراد به الصدقة أي ما زاد على الزكاة ، وعلى هذا يكون العطف عليها من باب عطف المتغايرين . وقوله: (( قرضا حسنا )) القرض الحسن ما كان خالصا لله على وفق شريعة الله ، هذا هو القرض الحسن ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الإحسان في عبادة الخالق أنه تمام الإيمان والمراقبة فقال: ( أن تعبدوا الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . وقوله: (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) هذا جواب، لكن الجواب لأيش ؟ جواب لقوله: (( لئن أقمتم )) وهو جواب للشرط التي هي إن أو جواب للقسم المقدر المدلول عليه باللام في قوله: (( لئن أقمتم))
الشيخ : ما هو الصحيح ؟
الطالب : الثاني ،
الشيخ : الثاني فهو جواب القسم ، ولهذا لم يقترن بالفاء ولو كان جوابا للشرط اقترن بالفاء ، وفي هذا يقول ابن مالك :
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم
فما الذي أخر هنا ؟ القسم أو الشرط ؟ الشرط، إذا الذي حذف هو الشرط . (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) أي أجعلها مكفرة بالحسنات التي فعلتم: إقام الصلاة ، إيتاء الزكاة ، الإيمان بالرسل ، وتعزيرهم ، إقراض الله قرضا حسنا ، فالسيئات تفكر بهذه الحسنات . (( ولأدخلن جنات تجري من تحتها الأنهار )) هذه معطوفة على (( لأكفرن )) وإذا جمعت بينها وبين أكفر صار فيها النجاة من المرهوب وحصول المطلوب، النجاة من المرهوب في قوله: (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) لأنها إذا كفرت لم نعاقب عليه، حصول المطلوب (( ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار )) وبالتدبر والاستقراء نجد أن أغلب ما يكون تقديم النجاة من المرهوب ليرد المطلوب على محل خال مما يرخن ، فيكون التصفية قبل التحلية يعني صف الشيء قبل أن تخليه ، اقلص المكان قبل أن تفرشها ، تأمل الآن القرآن والسنة وفي غيرها أيضا تجد أن النفي غالبا يكون مقدما على الإثبات " لا إله إلا الله " كلمة الإخلاص قدم فيها النفي على الإثبات ليرد الإثبات على مكان خال من الشوائب . (( لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار )) جنات المراد بها جنة المأوى وهي كما ترون تذكر أحيانا مفردة وأحيانا مجموعة (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة )) مفرد ، وتأتي جنات كثيرا مجموعا ، فإفرادها باعتبار الجنس وجمعها باعتبار النوع لأن الجنة أنواع ، وقد ذكر الله تعالى في آخر سورة الرحمن أربعة أنواع (( ولمن خاف مقام ربه جنتان )) ثم قال: (( ومن دونهما جنتان )) أيهما أشرف الأوليان أو الأخريان ؟ الأوليان ؟ يعني سواه ، لا تعبدوا من دون الله من سواه ، طيب من يبين لنا الفروق ؟ ابن قيم ذكر في النونية أن الفروق عشرة لكن ... فمن يستطيع أن يذكر لنا ؟ ثلاثة كفاية لكن لا يستعين أحدكم بالثاني ، إذا تجمع جنة على جنات باعتبار أيش ؟ باعتبار الأنواع ، وتفرد باعتبار الجنس (( جنات تجري من تحتها الأنهار )) يعني الآن (( جنات تجري من تحتها الأنهار )) لو أننا فسرنا الجنات بما نفسر به الجنات في الدنيا وقلنا الجنات بساطين كثيرة الأشجار كثيرة الثمار لم يذهب الذهن بعيدا ولا استقل نعيم الآخرة ، لكن إذا قلنا الجنة هي الدار التي أعد الله تعالى لأوليائه ـ اللهم اجعلنا منهم ـ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، أيهما أشد هزا للمشاعر ؟ الثاني بلاشك ، ولهذا قد نعجب على بعض الناس أن يفسر جنة المأوى بأنها البستان الكثير الأشجار وأنها سميت بذلك لأن أشجارها متف بعضها إلى بعض فهي تستر من فيها ، نقول لاشك إنه يقلل من تخيل الجنة وأنها شيء عظيم ، فنقول الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، هذا يحس النشاط ويوجب أن يسارع الإنسان ويسابق إليه . وقوله: (( تجري من تحتها الأنهار )) معلوم أنه ليس المراد من تحت أرضها ، لأن النهر إذا جرت من تحت الأرض أي فائدة منها ؟ ولهذا لا ننتفع بالأنهار التي الجوفية ، ولكن (( من تحتها )) قال العلماء: من تحت قصورها وأشجارها ، وما أحسن تحت الأشجار الظليلة والقصور الفخمة العظيمة لها منظر لا يتصوره الإنسان في الواقع، (( تجري من تحتها الأنهار )) هذه الأنهار ليست كأنهار الدنيا، أنواعها أربعة: (( أنهار من ماء غير آسن )) يعني لا يمكن أن يتغير وأنهار الدنيا تتغير ، والثاني: (( أنهار من لبن لم يتغير طعمه )) بل هو من أحسن ما يكون مذاقه ، (( وأنهار من خمر لذة للشاربين )) وقد نفى الله الغول (( لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون )) ، (( وأنهار من عسل مصفى )) نقي ليس فيه شيء من ما يكون في عسل الدنيا، هذه أنهار أربعة تجري جريانا ، الماء ربما يتصور الإنسان أنه يجري ، لبن لم يتغير طعمه يتصور كيف يجري، لأن اللبن جاف، خمر يتصور أم لا ؟ يتصور، وقد لا يتصور، لأن الخمر ليس كله سواء، الرابع العسل في تصورنا الآن أنه لا يجري لكنه في الجنة يجري نهر، ثم إن ابن قيم رحمه الله ذكر في النونية أن هذه الأنهار تجري لغير أخدود فقال:
أنهارها من غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان
الله أكبر، النهر يجري ما له أخدود تمنعه يمين ويسار ؟ ولا حفر له ، على سطح ، سطح مكان ومع هذا أيضا لا يجري إلا حيث شاء صاحبه يصرفه كيف شاء ليس هناك عمال ولا عوامل وإنما هي إرادات (( فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذذ الأعين وأنتم فيها خالدون )) . نقول: (( تجري من تحتها الأنهار )) إذا هنا ميثاق بين متعاقدين، عمل يسير في مقابل ثواب كثير . يقول: (( فمن كفر بعد ذلك منكم )) فمن هنا شرطية جوابها (( فقد ضل )) أي فمن كفر بعد هذا الميثاق ولم يقم بما وثق الله عليه فقد ضل سواء السبيل ، الضلال بمعنى الضياع والتيه يعني تاه عن الصراط المستقيم ، و(( سواء السبيل )) أي مستقيم ، مستقيمه الموصل إلى المراد .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تبارك وتعالى: (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل )) الجملة هنا مؤكدة ، بكم يا حامد ؟ بثلاثة ، ما هو عينه ؟ القسم ، واللام ، وقد . وذكرنا لكم قبله أنه إذا جاء مثل هذا التعبير فالتأكيد بثلاث مؤكدات ، باللام ، وقد ، وقسم المقدر ، و التقدير: والله لقد ، أعرفتم ؟ . (( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل )) أي عهدهم ، والسياق هنا سياق غائي (( أخذ الله )) . قال: (( وبعثنا منهم )) هذا التفات من الغيبة إلى التكلم ، ولو كان الكلام على نسق واحد لقال: بعثنا منهم اثني عشر نقيبا أي جعلنا منهم اثني عشر رقيبا ، اثني عشر هذه لسنا نعربها على أن اثني وحدها أو عشر وحدها ، لو كانت في غير هذا اللفظ يعني من الثلاثة عشر أربع عشرة ، ثلاثة عشرة أربعة عشر ، لا نعربها هذه على أنها الجزء الأول وحده والثاني وحده إلا اثني عشر واثنتي عشر ، فيعرب الجزء الأول بحسب العوامل ، ففي الرفع نجعل بالألف ، وفي النصب والجر بالياء ، لأنه ملحق بالمثنى وإنما قلنا إنه ملحق مثنى ولم يجعله مثنى حقيقة لأنه ليس له مفرد إذ أن إثنى ليس مفرده اسم لكن مفرده واحد ، فلهذا يعربونه على أنه ملحق بالمثنى ويكون إعرابه بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرا ، ولكنه لا يضاف إلى عشرة بل يقال: اثنا مركب مع عشر وعشر مبني على الفتح لا محل له من الإعراب . (( اثني عشر نقيبا )) (( نقيبا )) هذه تمييز ، وكلما جاءت كلمة تفسر المعدد وهي المعدود فأعربها على أنها تمييز مثلا ثلاثة عشر رجلا، رجلا تمييز ، (( اثني عشر نقيبا )) نقول نقيب تمييز ، ولهذا يقول صاحب الألفية:
اسم بمعنى من مبين نكرة ينصب تمييزا لما قد فسره
(( اثني عشر نقيبا )) (( نقيبا )) فعيل بمعنى فاعل وناقب بمعنى منقب ، منقب يعني مفتش وهم العرفاء ، لأن العريف يفتش عمن جعل عريفا عليه ، وأصل التنقيب التفتيش ، ومنه قوله تعالى: (( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد )) أي فتشوا فيها ، إذا النقيب فعيل بمعنى فاعل أي منقب ، والتنقيب هو التفتيش ، ومعناه العرفاء جعل الله منهم اثني عشر نقيبا عرفاء على قومهم كل سد عليه عريف لأنهم هم اثنا عشر أسباطا ، (( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )) وهذا من عناية الله عزوجل بهم أن جعل عليهم العرفاء من أجل أن يوجهونهم ويؤدبونهم . (( وقال الله إني معكم )) (( قال الله إني معكم )) أي في النصر والتأييد ، وهذه المعية خاصة وسنتكلم إن شاء الله عليها عند أخذ الفوائد . ثم قال: (( لئن أقمتم )) هذا رد الميثاق (( لئن أقمت الصلاة )) أي أتيتم بها مستقيما ، والصلاة معروفة هي التعبد لله تعالى بذات الأقوال والأفعال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ، هذا هو الأصل ، وعلى هذا فصلوات اليهود والنصارى الآن صلوات محرفة ، فهم كما حرفوا في التأويل حرفوا أيضا في العقائد . (( وآتيتم الزكاة )) آتيتم بمعنى أعطيتم ، والزكاة مال واجب في أموال مخصوصة ، وقوله: (( آتيتم الزكاة )) إلى من ؟ إلى مستحقها ، ولهذا نقول إن آتى تنصب مفعولين ، الأول الزكاة والثاني محذوف ، أي آتيتم الزكاة أهلها ، والزكاة هي المال الذي ذكرنا لكم وسمي زكاة لأنه يزكي أخلاق باذله ، يزكيها يعني ينميها ، فإن بذل المال ينمي الأخلاق بلاشك ، وإذا أردت أن ينشرح صدرك فأكثر من النفقة ، لكن بدون إسراف . (( وآمنتم برسلي )) أي أقررتم إقرارا مستلزما للقبول والإذعان ، هذا معنى الإيمان هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، فمجرد الإقرار لا يعتبر إيمانا ، فلو كان مجرد الإقرار إيمانا لكان أبو طالب مؤمنا لأنه مقر برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، (( وآمنتم برسلي )) والرسل جمع الرسول وهم الذين أرسلهم الله تعالى إلى بني إسرائيل ، وأكثر الأنبياء الذين قصوا علينا من بني إسرائيل . (( وعزرتموه )) أي نصرتموه لأن التعزير يعني النصرة وأصله من التقوية ، قال الله تبارك وتعالى: (( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه )) تعزروا من ؟ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . (( وأقرضتم الله قرضا حسنا )) قوله: (( وأقرضتم الله )) أي بذلتم المال محتسبين الأجر من عنده ، لأن المقرض يعطي القرض على أنه سوف يرد إليه عوضه ، فالإقراض لله يعني احتساب الثواب منه كأنك بذلت الشيء ابتغاء مرضاته لتنال بذلك ثوابا . فإن قال قائل: (( أقرضتم )) مع قوله: (( آتيتم الزكاة )) هل هو من باب عطف المتغايرين أو هو من باب عطف العام على الخاص أم ماذا ؟ يرى بعض العلماء أنه من باب العطف العام على الخاص لأن الزكاة حقيقة من أقراض الله إذا أداها الإنسان متصفا ثوابها فهي من أقراض الله ، ويكون ذكر الإقراض وهو أعم من الزكاة بعد ذكر الزكاة ليشمل الزكاة وغيرها ، وقيل: المراد بالزكاة هنا المراد به الصدقة أي ما زاد على الزكاة ، وعلى هذا يكون العطف عليها من باب عطف المتغايرين . وقوله: (( قرضا حسنا )) القرض الحسن ما كان خالصا لله على وفق شريعة الله ، هذا هو القرض الحسن ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الإحسان في عبادة الخالق أنه تمام الإيمان والمراقبة فقال: ( أن تعبدوا الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . وقوله: (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) هذا جواب، لكن الجواب لأيش ؟ جواب لقوله: (( لئن أقمتم )) وهو جواب للشرط التي هي إن أو جواب للقسم المقدر المدلول عليه باللام في قوله: (( لئن أقمتم))
الشيخ : ما هو الصحيح ؟
الطالب : الثاني ،
الشيخ : الثاني فهو جواب القسم ، ولهذا لم يقترن بالفاء ولو كان جوابا للشرط اقترن بالفاء ، وفي هذا يقول ابن مالك :
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم
فما الذي أخر هنا ؟ القسم أو الشرط ؟ الشرط، إذا الذي حذف هو الشرط . (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) أي أجعلها مكفرة بالحسنات التي فعلتم: إقام الصلاة ، إيتاء الزكاة ، الإيمان بالرسل ، وتعزيرهم ، إقراض الله قرضا حسنا ، فالسيئات تفكر بهذه الحسنات . (( ولأدخلن جنات تجري من تحتها الأنهار )) هذه معطوفة على (( لأكفرن )) وإذا جمعت بينها وبين أكفر صار فيها النجاة من المرهوب وحصول المطلوب، النجاة من المرهوب في قوله: (( لأكفرن عنكم سيئاتكم )) لأنها إذا كفرت لم نعاقب عليه، حصول المطلوب (( ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار )) وبالتدبر والاستقراء نجد أن أغلب ما يكون تقديم النجاة من المرهوب ليرد المطلوب على محل خال مما يرخن ، فيكون التصفية قبل التحلية يعني صف الشيء قبل أن تخليه ، اقلص المكان قبل أن تفرشها ، تأمل الآن القرآن والسنة وفي غيرها أيضا تجد أن النفي غالبا يكون مقدما على الإثبات " لا إله إلا الله " كلمة الإخلاص قدم فيها النفي على الإثبات ليرد الإثبات على مكان خال من الشوائب . (( لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار )) جنات المراد بها جنة المأوى وهي كما ترون تذكر أحيانا مفردة وأحيانا مجموعة (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة )) مفرد ، وتأتي جنات كثيرا مجموعا ، فإفرادها باعتبار الجنس وجمعها باعتبار النوع لأن الجنة أنواع ، وقد ذكر الله تعالى في آخر سورة الرحمن أربعة أنواع (( ولمن خاف مقام ربه جنتان )) ثم قال: (( ومن دونهما جنتان )) أيهما أشرف الأوليان أو الأخريان ؟ الأوليان ؟ يعني سواه ، لا تعبدوا من دون الله من سواه ، طيب من يبين لنا الفروق ؟ ابن قيم ذكر في النونية أن الفروق عشرة لكن ... فمن يستطيع أن يذكر لنا ؟ ثلاثة كفاية لكن لا يستعين أحدكم بالثاني ، إذا تجمع جنة على جنات باعتبار أيش ؟ باعتبار الأنواع ، وتفرد باعتبار الجنس (( جنات تجري من تحتها الأنهار )) يعني الآن (( جنات تجري من تحتها الأنهار )) لو أننا فسرنا الجنات بما نفسر به الجنات في الدنيا وقلنا الجنات بساطين كثيرة الأشجار كثيرة الثمار لم يذهب الذهن بعيدا ولا استقل نعيم الآخرة ، لكن إذا قلنا الجنة هي الدار التي أعد الله تعالى لأوليائه ـ اللهم اجعلنا منهم ـ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، أيهما أشد هزا للمشاعر ؟ الثاني بلاشك ، ولهذا قد نعجب على بعض الناس أن يفسر جنة المأوى بأنها البستان الكثير الأشجار وأنها سميت بذلك لأن أشجارها متف بعضها إلى بعض فهي تستر من فيها ، نقول لاشك إنه يقلل من تخيل الجنة وأنها شيء عظيم ، فنقول الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، هذا يحس النشاط ويوجب أن يسارع الإنسان ويسابق إليه . وقوله: (( تجري من تحتها الأنهار )) معلوم أنه ليس المراد من تحت أرضها ، لأن النهر إذا جرت من تحت الأرض أي فائدة منها ؟ ولهذا لا ننتفع بالأنهار التي الجوفية ، ولكن (( من تحتها )) قال العلماء: من تحت قصورها وأشجارها ، وما أحسن تحت الأشجار الظليلة والقصور الفخمة العظيمة لها منظر لا يتصوره الإنسان في الواقع، (( تجري من تحتها الأنهار )) هذه الأنهار ليست كأنهار الدنيا، أنواعها أربعة: (( أنهار من ماء غير آسن )) يعني لا يمكن أن يتغير وأنهار الدنيا تتغير ، والثاني: (( أنهار من لبن لم يتغير طعمه )) بل هو من أحسن ما يكون مذاقه ، (( وأنهار من خمر لذة للشاربين )) وقد نفى الله الغول (( لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون )) ، (( وأنهار من عسل مصفى )) نقي ليس فيه شيء من ما يكون في عسل الدنيا، هذه أنهار أربعة تجري جريانا ، الماء ربما يتصور الإنسان أنه يجري ، لبن لم يتغير طعمه يتصور كيف يجري، لأن اللبن جاف، خمر يتصور أم لا ؟ يتصور، وقد لا يتصور، لأن الخمر ليس كله سواء، الرابع العسل في تصورنا الآن أنه لا يجري لكنه في الجنة يجري نهر، ثم إن ابن قيم رحمه الله ذكر في النونية أن هذه الأنهار تجري لغير أخدود فقال:
أنهارها من غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان
الله أكبر، النهر يجري ما له أخدود تمنعه يمين ويسار ؟ ولا حفر له ، على سطح ، سطح مكان ومع هذا أيضا لا يجري إلا حيث شاء صاحبه يصرفه كيف شاء ليس هناك عمال ولا عوامل وإنما هي إرادات (( فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذذ الأعين وأنتم فيها خالدون )) . نقول: (( تجري من تحتها الأنهار )) إذا هنا ميثاق بين متعاقدين، عمل يسير في مقابل ثواب كثير . يقول: (( فمن كفر بعد ذلك منكم )) فمن هنا شرطية جوابها (( فقد ضل )) أي فمن كفر بعد هذا الميثاق ولم يقم بما وثق الله عليه فقد ضل سواء السبيل ، الضلال بمعنى الضياع والتيه يعني تاه عن الصراط المستقيم ، و(( سواء السبيل )) أي مستقيم ، مستقيمه الموصل إلى المراد .