الفوائد المستنبطة من الآية الكريمة . حفظ
في هذه الآية فوائد كثيرة، منها: تذكير هذه الأمة وتذكير بني إسرائيل بما أخذ الله عليهم من الميثاق ، أما تذكير بني إسرائيل فالأمر فيه واضح (( ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل )) ، وأما تذكير الأمة الإسلامية فلأنه ليس بين البشر وبين الخالق عهد يتضمن المحابات إلا تفضلا من الله عزوجل إذا قمنا بما أوجب علينا فلنا الأجر مرتين حسب ما جاء به النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن فوائد الآية الكريمة: ذكر الله نفسه بالغيبة تعظيما وتكبيرا له جل وعلا ، تؤخذ من أين ؟ من قوله: (( ولقد أخذ الله )) ما قال: لقد أخذنا، وهذا كما يقول الملك في جنوده: إن الملك يأمركم أن تفعلوا كذا، ما يقول أنا آمركم ، يقول إن الملك يأمركم ، نظيرها هذا (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )) . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من أساليب البلاغة الانتقال من أسلوب إلى أخر لتنبيه المخاطب ، تؤخذ من قوله: (( وبعثنا )) بعد قوله: (( ولقد أخذ الله )) ولاشك أن هذا أي تغيير الأسلوب يوجب الانتباه . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات أن الله تعالى خلق أعمال العباد، لقوله: (( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا )) لأن النقباء مفتشون وإذا كان الله هو الذي بعثهم لزم أن تكون أفعالهم مخلوقة لله، ففيها الرد على الجبرية ، وربما نأخذ من قوله: (( نقيبا )) الرد على القدرية لأن المنقب ينقب باختياره ، نعم ربما نأخذ الرد على الجبرية بقوله: (( نقيبا )) . نعود مرة ثانية يؤخذ من الآية الرد على القدرية في قوله: (( وبعثنا منهم )) إذا هم قاموا بأمر من ؟ بأمر الله ، القدرية يقولون إن أفعال العبد ليست مخلوقة لله ولا لله فيها تعلق . أيضا يؤخذ منها الرد على الجبرية بقوله: (( نقيبا )) لأن النقيب هو المنقب فأضاف الله إليه وهذا يدل على أن الإنسان غير مجبور، وهذا مقرر ـ والحمد لله ـ عدة مرات أن نصوص الكتاب والسنة تدل على بطلان قول القدرية وبطلان قول الجبرية . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي للناس أن يتخذوا نقباء يرجعون إليهم في أمورهم ، عند النزاع يكونون مصلحين ، وعند الإشكال يكونون مهتمين ، وما أشبه ذلك ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا كانوا ثلاثة في سفر أن يؤمروا أحدهم من أجل أن يوجههم ويدبر شئونهم ولا يكون الأمر فوضى . ومن فوائد الآية الكريمة: منة الله على بني إسرائيل بأنه ناصرهم ، تؤخذ من قوله: (( وقال الله إني معكم )) واعلم أن الله تعالى وصف نفسه بالمعية في عدة آيات ، فمرة ذكرها عامة ومرة ذكرها خاصة بوصف ، ومرة ذكرها خاصة بشخص ، وكلها حق . فالعامة مقتضاها الإحاطة بالخلق علما وقدرة وسلطانا وتدبيرا وملكا وغير ذلك، ومن هذا قوله تعالى: (( وهو معكم أين ما كنتم )) وقوله: (( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا )) . ومن ذكرها أي المعية مقيدة بوصف مثل قوله تعالى: (( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) ، لكن هذا تقتضي مع الإحاطة العامة تقتضي النصر والتأييد والدفاع (( إن الله يدافع عن الذين آمنوا )) . الثالث: مقيدة بشخص مثل قوله تعالى لموسى وهارون: (( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )) ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما حكاه الله عنه لصاحبه أبي بكر رضي الله عنه: (( لا تحزن إن الله معنا )) . هذه المعية هل هي حقيقة أو هي مجاز عن العلم والإحاطة والنصرة والتأييد وما أشبه ذلك ؟ الجواب: هي كالأول ، هي كسائر الصفات أنها حقيقة وأنها تقتضي لكل موضع ما يناسبه، لكن هل إذا قلنا إنها حقيقة هل تنافي ما ذكر من علو الله ؟ لا أبدا ، هو معنا وهو على عرشه وليس معنا أنه في الأرض كلا ، (( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه )) ومن كان هذا شأنه كيف يمكن أن يتصور عاقل فضلا أن يكون معنا في أماكننا ، لكن هو معنا وهو عال ولا مانع لأن الله بكل شيء محيط ، حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير قال: ( أيها الناس أرئعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ) أصم لا يسمع ولا غائبا لا يرى، إنما تدعون سميعا بصيرا ( إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) نحن نؤمن بهذا ، لكن ليس معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى في نفس المكان ، لأنك لو قلت هكذا لكنت ممن عمل بالنصوص ونظر إليها نظر الأعور أي من جانب واحد ، ولهذا لما نظر الجميع إلى هذا جانب واحد قالوا إن الله معنا في نفس المكان ، في كل مكان ، لكنهم بطلوا عن العلو ، ونحن نقول إن الله تعالى معنا حقيقة وعلى عرشه حقيقة ولا منافاة . فإن قال قائل: هل يتصور العقل أن الشيء يطلق عليه أنه معك وهو بعيد عنك ؟ قلنا نعم ، أولا أنه يتصور في الأمور المخلوقة ، فالقمر يقول المسافرون إنه معنا ، والنجم يقولون إنه معنا ، والشمس يقولون معنا، وأين أمثلة هذه ؟ في السماء ، يعني العرب تقول القمر معنا ، والقطب معنا ، يقولون هكذا ويعبرون عن هذا على أنه حقيقة ، ومحله بالسماء ولا يعد ذلك تناقضا ، ثم على فرض أنه تناقض للمخلوق وأنه لا تجتمع المعية حقيقة والعلو حقيقة فهل يقاس الخالق بالمخلوق ؟ لا ، لا يقاس ، يقال نثبت لله ما أثبته لنفسه بعلوه ومعيته ونعلم أنه لا تناقض بل هو عال ومعنا ، إذا الجواب على هذا نقول: أولا ليس بينهما تناقض للوجوه التالي ، ألف: أن الله جمع لنفسه بينهما ، وما جمع الله بينهما في كتابه فليس فيه تناقض إذ لو كان لما صدق قوله تعالى: (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) هذه واحدة ، كل شيئين جمع الله بينهما فاعلم أنه لا تناقض بينهما . ثانيا: لا تناقض ولا منافاة بين المعية حقيقة والعلو حقيقة أبدا ، لأننا نحس بالواقع المشاهد المتفق عليه عند علماء اللغة أنه يقال للشيء إنه معنا وهو في مكانه في السماء بعيدا عنه . ثالثا: على فرض أن هذا ممتنع في المخلوق فليس يمتنع في الخالق ، لأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في نعوته فهو علي في دنوه قريب في علوه ، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة المباركة ألا وهي " العقيدة الواسطية " وبه أيضا نسلم من أهل الإلزام أهل التأويل لأهل السنة حيث يقولون أنتم تنكرون علينا التأويل وأنتم تؤولون، لأنك إذا قرأت (( هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير )) كل هذه الضمائر تعود إلى من ؟ إلى الله ، ما الذي يخرج المعية عن هذا ؟ إذا كان خلق السموات أي الله ، استوى على العرش أي الله ، يعلم ما يلج أي الله ، وهو معكم أي الله ، أي الله لكن يجب كما قال شيخ الإسلام أن يصان هذا الفهم عن الظنون الكاذبة ، الظنون الكاذبة مثل أن يعتقد الإنسان أنه معنا أي في مكانه أو أنه على السماء يعني أن السماء تقله، أو أنه إذا نزل إلى السماء الدنيا صارت السموات الأخرى تظله، هذا يجب أن يصان عنه ، لأن الله تعالى في العلو وعلوه من لازم ذاته وهو من الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها كما لا ينفك عن سمعه وبصره ، لكن ورد عن السلف رحمهم الله عن كثير منهم أنه فسروا المعية بالعلم وهذا تفسير باللازم لأن من لازم من كان معه أن يكون عالما به ، ولاشك أن هذا تفسير صحيح غير منكر والتفسير باللازم تفسير صحيح ، لكنه ليس هو المطابق لأن الدلالات ثلاثة أنواع: دلالة التضمن، ودلالة المطابقة ، ودلالة الالتزام ، هذا من دلالة الالتزام ، واضطروا إلى ذلك من أجل الرد على أولئك الجهمية الذين كانوا يقولون إن الله معنا في نفس المكان ، ولهذا قال ابن المبارك رحمه الله: إن الله معنا بعلمه ولا نقول كما قال هؤلاء الجهمية إنه معنا هاهنا يعني في الأرض ، فتبين بذلك لماذا صارت أكثر عبارات السلف أن المعية يعني العلم ، ونحن نقول هذا تفسير صحيح غير منكر لأنه تفسير بأيش ؟ باللازم والتفسير باللازم قد استعمله السلف في كثير من الآيات ولا يعد هذا خروجا عن ما تقتضيه الآية ، لكن التفسير الذي ينكر على الإنسان أن يؤول تأويلا مخالفا للفظ بأنواع الدلالات الثلاثة وهي: المطابقة والتضمن والالتزام . المعية الخاصة بالوصف كثيرة في القرآن مثل: (( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) هذه الآية إذا آمن بها الإنسان سوف تحمله على ثقته بنفسه ، لكن ثقته بنفسه لا لأنه قوي قادر ولكن لأن الله معه ، فإذا اتقى الإنسان ربه التقوى حقيقة فإنه سوف يحصل له النصر والتأييد وإن الله يدافع عن الذين آمنوا ، لكن الذي في الحقيقة ينقصنا هو التقوى ، ولذلك نجد أننا فاشلون في كل المعاني التي خ مع إخوان القرد والخنازير وهم اليهود .