تفسيرقول الله تعالى : <<.....و لا تزال تطلع على خآئنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين >> . حفظ
وقوله: (( نسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم )) لا تزال أيها المخاطب ؟ أو لا تزال أيها الرسول ؟ الأول يعني لا تزال أيها الإنسان، لأنه لم يتقدم للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر ، أي لا تزال أيها الإنسان أو أيها المتأمل بحالهم تطلع على خائنة منهم، كلمة (( خائنة )) يحتمل أن تكون مصدرا ويحتمل أن يتكون اسم فاعل ، فإن كانت مصدرا فالمعنى: لا تزال تطلع على خيانة منهم ، وإن كانت اسم فاعل فالمعنى: لا تزال تطلع على طائفة خائنة منهم ، فتكون وصفا لموصوف محذوف ، أما كونها اسم فاعل فلا إشكال فيه لأن اسم الفاعل يأتي على وزن فاعل ، لكن كيف تكون مصدرا ؟ وهل يأتي بالمصادر ما هو على فاعل ؟ قلنا نعم يأتي ، كلمة العافية ، اللهم إني أسألك العافية ، هل اسم فاعل ؟ لا ، والله ما أدري ، يعني تتوقفون في شيء تدعون الله به في الليل والنهار ؟ أسألك العافية ؟ مصدر ، أسألك أن تعافيني عافية ، العاقبة ؟ كذلك مصدر ، فاللغة العربية واسعة ، فعلى هذا نقول: كلمة خائنة في الآية الكريمة يحتمل أن تكون مصدر كالعاقبة والعافية ، ويحتمل أن تكون اسم فاعل ، وعلى هذا التقدير يحتاج إلى تقدير موصوف ، إما أن يقال التقدير: على طائفة خائنة ، أو على نفس خائنة . ألا يمكن أن تكون اسم فاعل على أنها على أن التاء فيها للمبالغة وأن الأصل: على خائن منهم ، ولكن التاء للمبالغة أن يقال كما يقال في داع داعية ؟ نقول يمكن ، لأن فيهم أي في اليهود من طبيعته الخيانة فيكون فيصدق عليه أنه خائنة أي أن التاء فيه للمبالغة ، وهذا من سعة معاني القرآن الكريم أنك تجد اللفظة الواحدة تحتمل معاني كثيرة ، والقاعدة أن ما احتمل أكثر من معنى ولا مرجح ولا تضاد فإنه يحمل على كل ما يحتمله المعنى . (( ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم )) إلا قليلا من اليهود فإنهم سالمون من هذه الأوصاف والعيوب ، مثل من ؟ عبد الله بن سلام رضي الله عنه، عبد الله بن سلام من أحبار اليهود حبر من أحبارهم عالم من علمائهم وليس فيه شيء من هذه الأوصاف، من حين قدم النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة آمن به واتبعه وشهد له بالحق ، وله أمثال فمنهم من هو سالم من هذه الأوصاف والعيوب والأوصاف الذميمة لكنه قليل ، لأن الله قال: (( إلا قليلا منهم )) . ثم قال: (( فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين )) (( اعف عنهم )) عن القليل الذين لا خيانة فيهم أو عن جميعهم ؟ قيل: إنه يعود على أقرب مذكور وهو القليل يعني فاعف عن هؤلاء القليل الذين تقدم منهم الأذى والعداوة لرسالتك ثم زالت عنهم السيئة اعف عنهم ما مضى ، فيكون المراد اعف عما مضى من سيئاتهم ، وعلى هذا المعنى لا إشكال في الآية إطلاقا ، أو لا ؟ يا جماعة ! اعف عن القليل الذين سلموا من أوصاف الدميمة ، لأن هؤلاء القليل كانوا يهودا وكان منهم ما كان من المنابذة ونقض العهد لكن آمنوا، نقول على هذا التقدير لا إشكال فيه ، إذا قلنا اعف عنهم عن مجموعهم مع اتصافهم بهذه الأوصاف وخيانتهم يبقى في ذلك إشكال وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود بأمر الله ، قال الله تعالى: (( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )) فكيف الجمع ؟ ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة، منسوخة بآية الصيد أي بالآيات التي تأمر بقتالهم ، عرفتم ؟ وما أكثر الناس الذين إذا أعياهم الجمع بين النصوص قالوا هذا منسوخ ، فيكون كثير من الشريعة منسوخة مع أن النسخ يقول بعض العلماء والمحققين لا يتجاوز عشرة أحكام ، كل النسخ ، وعلى كل حال نحن نقول إن بعض العلماء قال إن هذه الآية منسوخة ، وفي هذا إشكال أن تكون منسوخة ، أولا: لأننا لا نعلم التاريخ ، ومن المعلوم أن من شرط النسخ العلم بالتاريخ حتى نعرف أن هذا بعد هذا فيكون ناسخا له . ثانيا من شرط النسخ أيضا: أن لا يمكن الجمع ، فإذا أمكن الجمع فلا نسخ ، لأنه إذا أمكن الجمع وقلت هذا منسوخ فإن هذا إلغاء نص آخر ، وإلغاء النص ليس أمر هين، يعني كونك تقول هذا بطل حكمه وهو ثابت في القرآن والسنة ما هو هين ، ولذلك لا يجوز الإقدام على دعوى النص إلا بدليل لا مفر منه ، وأما متى أمكن الجمع فإن القول بالنسخ محرم ، لأنه كما قلت لكم النسخ يعني إبطال أحد الدليلين ، وهذا صعب أن يكون دليل ثابت تدعي أنه باطل . ثالثا: أن سورة المائدة من آخر ما نزل حتى قال بعض أهل العلم إنه لا نسخ فيها ، وأن جميع الأحكام الموجودة فيها محكمة لا منسوخ فيها ، وهذا مشهور عند أهل العلم أن سورة المائدة من آخر ما نزل وأنه ليس فيها حكم منسوخ ، إذا دعوى النسخ غير صحيح . يبقى الآن الجمع، الجمع جمع بعض العلماء بين هذا وبين الأمر بالقتال أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمح عن الذين خانوا وعن الذين نابذوه ، سمح عنهم أي خفف عنهم العقوبة فلم يقتلهم ، بنو قينقاع وبنو نظير هل قتلهم الرسول ؟ ما قتلهم مع أنهم نقضوا العهد ، نقضوا العهد الذي بينهم وبين الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهذا نوع من العفو ، نوع من العفو والصفح ، بنو قريظة أيضا عفا عنهم في الواقع لأنه أنزلهم على حكم من رضوا حكمه ، أليس كذلك ؟ بلى ، على من ؟ على حكم من ؟ سعد بن معاذ ، أنزلهم على حكمه الذي اقترحوه هم وهذا نوع من العفو ، وإلا فإن الرسول وضع فيهم السيف لأنهم خانوا النبي صلى الله عليه وسلم وألفوا الأحزاب عليه ومع هذا أنزلهم على حكم سعد بن معاذ الذي رضوه ، هذا نوع من العفو ، فتكون الآية الآن محكمة ويكون المراد بالعفو ليس العفو الكامل الذي يقتضي عدم عقوبتهم بأي عقوبة ، ولكنه عفو جزئي ، ولاشك أن هذا خير من القول بالنسخ بل القول بالنسخ مع إمكان الجمع أيش قلنا ؟ محرم ، لأنه يعني إبطال النص الذي ادعي بأنه منسوخ . جاء وقت الأسئلة الآن ؟ نعم .