تفسر قول الله تعالى : << ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة و البغضآء إلى يوم القيامة و سوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون >> حفظ
ثم قال الله تبارك وتعالى: (( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم ... )) يعني وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ، ولم يقل: ومن النصارى ، بل قال: (( قالوا إنا نصارى )) مع أنها في الآية الأخرى يثبت الله لهم هذا الوصف مثل قوله تعالى: (( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى )) فيثبت لهم هذا الوصف، لكن هنا قال: (( قالوا إنا نصارى )) وفائدتها إقامة الحجة عليهم، حيث يدعون أنهم نصارى وأنهم أهل النصر بالحق ومع ذلك نسوا حظا مما ذكروا به . (( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم )) إذا أخذ الله الميثاق من اليهود وأخذ الله الميثاق من النصارى ، وكذلك من هذه الأمة ، فإن الله تعالى أخذ منها الميثاق كما قال: (( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا )) وقد أخذ الله الميثاق على بني آدم كلهم أن يؤمنوا به وبرسله ويوحدوه ولا يشركوه به شيئا . أخذ الله الميثاق على النصارى الذين قالوا إنا نصارى (( فنسوا حظا مما ذكروا به )) نسوا أي تركوا، وهذا نسيان عملي ، وهل يمكن أن يكون نسيان علم ؟ لا يمكن، لا يمكن إن قلنا إن بني إسرائيل قد سقطت عنهم المؤاخذة بالنسيان يعني إذا كان سقطت عنهم المؤاخذة فهم لا يعاقبون ، لكن إذا قلنا إن عدم المؤاخذة بالنسيان خاص بهذه الأمة قلنا إن قوله: (( فنسوا حظا مما ذكروا به )) يتناول نسيان العلم ونسيان العمل ، ولاشك أن نسيان العمل أشد من نسيان العلم حتى على القول بأنهم يؤاخذون بنسيان العلم . وقوله: (( حظا )) معناها نصيب ، نسوا حظا مما ذكروا به . (( فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيمة )) ولم يذكر الله تعالى لهؤلاء النصارى مثل ما ذكر لليهود ، لأنه ذكر لليهود أنه لعنهم ، وجعل قلوبهم قاسية، وابتلوا بتحريف الكلم عن مواضعه ، ونسوا حظا مما ذكروا به ، أما هؤلاء فيقول: (( أغرينا بينهم العداوة )) . يقول الله عز وجل: (( فأغرينا بينهم العداوة )) أي ألقينا بينهم ، لكنه عبر بالإغراء كأن كل واحد قد أغري بالآخر من شدة العداوة بينهم ، العداوة والبغضاء ، العداوة في القول والفعل ، والبغضاء في القلب يعني فلا موالاة بينهم ولا مودة بل العداوة التي هي ضد الولاية والبغضاء التي هي ضد المودة . (( فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيمة )) حتى إلى يومنا هذا، فالنصارى مختلفون متعادون يضلل بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا . فإن قال قائل: نحن الآن نجد أن النصارى متفقون ؟ نقول هذا الاتفاق اتفاق ظاهري وإلا ففي قلوبهم من البغضاء بعضهم لبعض ما لا يعلمه إلا الله ، ثم هم متفقون على أيش ؟ على عدو ثالث مثل قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض )) فهم متفقون على عدو ثالث وإلا فهم فيما بينهم مختلفون ، قلوبهم متنافرة واعتداءات ظاهرة . وقوله: (( إلى يوم القيمة )) نقول العداوة والبغضاء بين النصارى وبين طوائفهم لاشك أنها موجودة لأن خبر الله صدق ، وقد قال: (( إلى يوم القيمة )) لكن ما نشاهده من الاتفاق الظاهرين فإنه مخالف لما في الباطن ، ثم كما قلت لكم اتفاقهم الآن الظاهري ضد أيش ؟ ضد عدو للجميع، وليس هذا بغريب في مسائل الدنيا وسياساتها ، قال: (( وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون )) . يوم القيمة مر علينا أنه اليوم الذي يبعث فيه الناس وأنه سمي بذلك اليوم لأمور ثلاثة، الأول: أن الناس يقومون فيه من قبورهم لرب العالمين ، والثاني: أنه يقام فيه الأشهاد ، والثالث: أنه يقام فيه العدل . (( وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون )) سوف للتحقيق، لكنها تدل على التراخي، وأختها السين للتحقيق ، لكنها تدل على الفورية أي إذا قلت: سيقوم يقوم زيد ، المعنى أنه يقوم الآن ، وإذا قلت: سوف يقوم ؟ فيما بعد ، لكن كلتاهما يدل على التحقيق وأن الأمر محقق ولابد من وقوعه ، (( وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون )) أي يخبرهم بما كانوا يصنعون ، وإخباره سبحانه وتعالى بأنه ينبئهم تهديد بأنه إذا نبئهم بما صنعوا فما بعد ذلك إلا الجزاء بما يستحقون . وقوله: (( بما كانوا يصنعون )) أي بما كانوا يعملونه من نسيان الحظ مما ذكروا به .