تفسير قول الله تعالى : << يآأهل الكتاب قد جآءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جآءنا من بشير ولا نذير فقد جآءكم بشير ونذير و الله على كل شيئ قدير >> حفظ
ثم قال الله تبارك وتعالى: (( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل )) في هذه الصفحة الواحدة نداء لأهل الكتاب مرتين (( يا أهل الكتاب )) والمراد اليهود والنصارى . (( قد جاءكم رسولنا )) وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم . (( يبين لكم )) يبين الجملة الحالية حال من رسول يعني حال كونه يبين لكم أي يوضح ويفسر ، ولم يذكر الله تعالى المبين ليكون أعم ، لأن حذف المفعول يفيد العموم ، وهذه القاعدة المعروفة في اللغة العربية أن الحذف يفيد العموم . فهنا (( يبين لكم )) أي شيء يبين ؟ نقول يبين كل ما يحتاج الناس إلى بيانه ، ولهذا قال الله تعالى في القرآن الكريم: (( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء )) . وقوله: (( على فترة من الرسل )) يعني حال كون البيان على فترة من الرسل أي مدة من الزمن لم يأت فيها رسول ، هذه المدة ليس لنا كبيرة فائدة في معرفتها على التحقيق لكن نعرف أنها مدة طويلة تقدر بنحو ستمائة سنة بين عيسى وبين محمد صلى الله عليهما وسلم ، لأن آخر الأنبياء الذين بعثوا على الناس هو عيسى عليه الصلاة والسلام ومن بعده محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس بينهما نبي، ولهذا ما يذكر في بعض التواريخ أن خالد بن سنان وفلان و فلان أنهم أنبياء وأنهم بعثوا بعد عيسى فهذا كله ليس بصحيح ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أخبر بأنه ليس بينه وبين عيسى نبي، ويدل لذلك أن عيسى قال: (( مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )) فلم يأت بعد عيسى إلا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، (( على فترة من الرسل )) وإنما نص على هذه الفترة ليتبين أن الناس في أشد الحاجة إلى بعثة الرسول ، وهذا هو الواقع فإن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم ـ أي أبغضهم وكرههم ـ لأنهم ليسوا على دين إلا بقايا من أهل الكتاب ، بقايا قليلة كما قال تعالى: (( فلو لا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين )) بقي القليل ، وهذا القليل أيضا يحتاج إلى رسول فلهذا نص على الفترة وهي المدة الطويلة التي بلغت نحو ستمائة سنة ليتبين شدة حاجة الناس إلى بعث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ثم قال: (( أن تقولوا )) أي لئلا تقولوا ، فأن وما دخلت عليه هنا في موقع التعليل يعني أرسلناه إليكم لئلا تحتجوا فتقولوا ما جاءنا من بشر ولا نذير ، ولذلك لطول المدة لم يأتهم رسل ولا أنبياء ، فيحتجون يقولون ما جاءنا من بشير ولا نذير . وقوله: (( ما جاءنا من بشير ولا نذير )) هذه من يعربونها على أنها زائدة لفظا لكنها تزيد في المعنى ، تزيد في المعنى التوكيد وهذه القاعدة معروفة عند البلاغيين أن جميع الحروف الزائدة تفيد التوكيد ، وأصل الكلام: ما جاءنا بشير ولانذير ، هذا الأصل ، لكن إذا دخلت من صارت أدل على النفي مما لو لم تدخل ، ولهذا يقولون إن النفي قد يكون نصا في التعميم إذا كان حرف النافي هي لا أو اقترن بحرف الجر الزائد سواء كان من أو الباء . هنا يقول: (( من بشير )) قلنا من زائدة من حيث الإعراب فمن يستطيع أن يعربها ؟ بشير فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره من عن ظهورها اشتغال المحل بحركة الحرف الجر الزائد ، لأن حرف الجر أداة لفظية فلابد أن يكون تأثيرها في اللفظ أكثر من تأثير المعنى .
سؤال خارجي: لو عطفنا على الباء للمجرور بمن ما لم تدخل عليه من فماذا نصنع ؟
الطالب : يرفع الحركة التي بعدها ،
الشيخ : يرفع وجوبا ؟
الطالب : وجوبا ،
الشيخ : فيه وجهان ؟ يعني يجوز وجهان فقوله تعالى: (( ما لكم من إله غيره )) و(( غيره )) كلاهما صحيح ، والمعطوف على المجرور بحرف الجر الزائد يجوز فيه اعتبار المحل واعتبار اللفظ . (( ما جاءنا من بشير ولا نذير )) (( من بشير )) مبشر بالخير، ونذير مخوف من الشر . قال الله تعالى: (( فقد جاءكم بشير ونذير )) يعني فالآن لا حجة لكم ، (( قد جاءكم بشير ونذير )) من هو ؟ رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم . (( والله على كل شيء قدير )) ختم هذه الآية بالقدرة إشارة إلى أنه تبارك وتعالى قادر على أن يبعث الرسل وأن لا يبعث الرسل وأن الأمر كله بيده تبارك وتعالى .