تفسيرقول الله تعالى : << قالوا يا موسى إن فيها قوم جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرج منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون >> حفظ
(( قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين )) انظر الخطاب يا موسى ولم يقولوا يا نبي الله ولا يا رسول الله، قالوا يا موسى ، وهذا لاشك أنه جفاء في مخاطبة أن يخاطبوا نبيهم باسمه ، ولهذا نهى الله هذه الأمة أن يخاطبوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باسمه في قوله: (( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا )) على أحد التفسيرين لقوله: (( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا )) لأن بعض العلماء يقول المعنى لا تدعوه باسمه كما يدعوا بعضكم بعضا ، وإن كانت الآية تشمل هذا المعنى وتشمل المعنى الثاني وهو أنه إذا دعاكم لا تجعلوا دعاءه كدعاء بعضكم بعضا إن شئتم أجبتم وإن شئتم لم تجيبوا بل يجب عليكم أن تجيبوا، قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )) ، هنا قالوا: (( يا موسى إن فيها قوما جبارين )) فذكروا العلة تدل على جبنهم وخورهم وضعف عزيمتهم بل عدم عزيمتهم . (( إن فيها قوما جبارين )) والجبار هو العاتي الكبير الجسم الطويل مأخوذ في اللغة العربية نخلة جبارة والنخلة الجبارة هي النخلة القوية العالية ، وإلى الآن هذا المعنى موجود يقال فلان عنده بستان جبار نخله يعني قويا عاليا لا يتناول الإنسان ثمره بيده ، إذا (( جبارين )) عتاة الأخلاق أقوياء الأجساد، هذا المعنى يعني يدور على هذا المعنى: عتاة الأخلاق ، والثاني ؟ أقوياء الأجساد ، لا نستطيع أن نقاتلهم . (( وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها )) سبحان الله هذا قول الصبيان ، لن ندخلها حتى يخرجوا منها من يقاتلون إذا لم يكن فيها أحد ؟ لا شيء ، وهذا مما يدل على سفاهة بني إسرائيل ، لن يدخلها حتى يخرجوا منها وأيضا أكدوا هذا المعنى بقولهم: (( فإن يخرجوا منها فإنا داخلون )) وتأمل قولهم هذا: (( إن يخرجوا )) لم يقولوا: فإذا خرجوا ، كأنهم يستب ... خروجهم لأن إن الشرطية تتميز عن إذا بأن إن يكون فعل الشرط فيها حاصلا وغير حاصل بل قد يكون من الأشياء المستحيلة ، لكن إذا تدل على وقوع الشرط لكن الموقت الشرط ، انتبه ! أنت إذا قلت: إن قام زيد قمت ، تجد الفرق بينها وبين قولك: إذا قام زيد قمت، أليس كذلك ؟ إذا قام يعني معناها لا أقوم إلا إذا قام ، فهو شرط للتوقيت توقيت القيام ، لكن إن قام زيد قمت شرط لحصول القيام وقد يحصل وقد لا يحصل وقد يكون من المستحيل أن يحصل كما في قول الله تعالى: (( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين )) هذا في حق الله ، في حق الرسول: (( لئن أشركت ليحبطن عملك )) وكلا الأمرين ممتنعان غاية الامتناع ، لا الأول وهو أن يكون للرحمن ولد ، ولا الثاني وهو أن يشرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الداعي إلى الإخلاص والتوحيد . إذا هم يقولون: (( فإن يخرجوا منها فإنا داخلون )) يعني كأنهم مستبعدين غاية الاستبعاد أن يخرجوا منها ، ولذلك ابتلوا بالتيه كما سيأتي إن شاء الله وهو الضياع وعدم الاهتداء إلى هذا المكان . وتأمل أيضا قولهم: (( فإن يخرجوا منها فإنا داخلون )) يعني يؤكد دخولهم إذا خرج هؤلاء، وإذا خرج هؤلاء هل يحتاج إلى أن يؤكدوا الدخول ؟ ما يحتاج ، لكن ـ سبحان الله ـ إذا تأمل حال هذه الأمة الغضبية وجد أنهم في غاية السفاهة في العقول كما أنهم في غاية الضلال في الدين ، ومن رأى مزيد بيان في هذا الأمر فليرجع إلى كتاب ابن القيم رحمه الله في " إغاثة اللهفان " فإنه تكلم رحمه الله عن خصائص الملل لما لا مزيد عليه .