تفسيرقول الله تعالى : << قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون و على الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين >> حفظ
تجد الفرق بينها وبين قولك: إذا قام زيد قمت ، أليس كذلك ؟ إذا قام يعني معناها لا أقوم إلا إذا قام ، فهو شرط للتوقيت توقيت القيام ، لكن إن قام زيد قمت شرط لحصول القيام وقد يحصل وقد لا يحصل وقد يكون من المستحيل أن يحصل كما في قول الله تعالى: (( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين )) هذا في حق الله ، في حق الرسول: (( لئن أشركت ليحبطن عملك )) وكلا الأمرين ممتنعان غاية الامتناع، لا الأول وهو أن يكون للرحمن ولد ، ولا الثاني وهو أن يشرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الداعي إلى الإخلاص والتوحيد . إذا هم يقولون: (( فإن يخرجوا منها فإنا داخلون )) يعني كأنهم مستبعدين غاية الاستبعاد أن يخرجوا منها ، ولذلك ابتلوا بالتيه كما سيأتي إن شاء الله وهو الضياع وعدم الاهتداء إلى هذا المكان . وتأمل أيضا قولهم: (( فإن يخرجوا منها فإنا داخلون )) يعني يؤكدون دخولهم إذا خرج هؤلاء ، وإذا خرج هؤلاء هل يحتاج إلى أن يؤكدوا الدخول ؟ ما يحتاج ، لكن ـ سبحان الله ـ إذا تأمل حال هذه الأمة الغضبية وجد أنهم في غاية السفاهة في العقول كما أنهم في غاية الضلال في الدين ، ومن رأى مزيد بيان في هذا الأمر فليرجع إلى كتاب ابن القيم رحمه الله " إغاثة اللهفان " فإنه تكلم رحمه الله عن خصائص الملل لما لا مزيد عليه .
(( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب )) ، أولا نسأل عن تركيب هذه الآية الكريمة . (( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهم ))
الشيخ : رجلان معروف أنها نكرة ، أو معرفة ؟
الطالب : نكرة ،
الشيخ : تأمل (( قال رجلان )) ؟
الطالب : نكرة ،
الشيخ : بالإجماع ؟ ما فيه مخالف ؟ نعم رجلان نكرة . (( من الذين يخافون )) يجب أن تكون ما صفة لرجلان ، يجب أن تكون صفة لرجلان ، لأن النكرة ما يأتي بعدها من جملة و شبهها يكون صفة لها ، و(( يخافون )) هذه صلة الموصول ، (( من الذين يخافون )) صلة الموصول .
الشيخ : (( أنعم الله عليهما )) هل (( أنعم )) هنا مفعول (( يخافون )) ؟ أو منصوبة بفعل محذوف ؟ أو ماذا ؟ أنا أسأل عن (( أنعم )) ما أسأل عن إعرابها ، أقول هل هي مفعول (( يخافون )) أم لا ؟
الطالب : فعل ،
الشيخ : نعم (( أنعم )) هذه فعل ليست مفعولا ، مفعول (( يخافون )) محذوف نقدر ـ إن شاء الله ـ بعد ، (( أنعم )) هذه فعل ، (( من الذين يخافون أنعم الله عليهما )) (( أنعم )) فعل جملة الفعلية محلها من الإعراب صفة لرجلان ، ويجوز أن تكون حالا منها ، لأنها نكرة خصصت والنكرة إذا خصصت جاز وقوع الحال منها ، عرفتم ؟ لكن قد يقول قائل: أليس الأنسب تركيبا أن يقال: قال رجلان أنعم الله عليهما من الذين يخافون ؟ الجواب: لا ، لأن (( أنعم الله عليهما )) إن قدر أنها حال فالوصف التابع أولى بالموالاة ، إن قدر أنها حال فالوصف التابع لموصوفه إعرابا أولى بالموالاة ، لأن الحال تابعة لموصوفها معنى مفارقة له إعرابا بخلاف الصفة التي هي النعت ، فنقول: هذه إن جعلناها حالا فإنها تكون متأخرة عن الوصف المباشر ، ثانيا: أن (( من الذين يخافون )) شبه جملة فهي في حكم المفرد ، (( أنعم )) جملة ، والنعت بالمفرد أولى بالموالاة من نعت للجملة ، لأنه إما النعت أن يكون مفرد أو شبه جملة أو جملة ، فلهذا كانت الفصاحة تقتضي تقديم (( من الذين يخافون )) . (( قال رجلان )) إن الله سبحانه وتعالى لم يبين من هذان الرجلان ، وليس لنا في معرفة عينهما ضرورة ، ليس لنا ضرورة ، المهم ماذا قالا ، أما أن نعرف من هما فلو كان هذا من الأمر الذي تنبني عليه العقيدة لكان الله بينه إما في القرآن أو على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . وقوله: (( إن الذين يخافون )) يخافون من ؟ يخافون الله ، ولهذا نقول إن مفعول (( يخافون )) محذوف تقديره: الله . وقوله: (( أنعم الله عليهما )) بماذا أنعم ؟ أنعم الله عليهما بأمور ، أول: خوف الله عزوجل فإن خوف الله من أكبر النعم ، لأن خوف الله يستلزم اجتناب محارم الله والقيام بطاعته . ثانيا: أنعم الله عليهما بالقوة ، بقوة النفس لأنهما الآن يقابلان من ؟ يقابلان أمة ، قوم موسى كلهم قالوا له: لن ندخلها ، هذان الرجلان قابل الأمة كلها مما يدل على الشجاعة والعزيمة الصادقة ، وهذه لاشك أنها نعمة إذا وفق الله العبد قوة وشجاعة وعدم مبالاة بالكثرة ، لأن الكثرة ليس شيء مع الحق . أنعم الله عليهما أيضا بحصافة الرأي ، حصافة الرأي ، لأن كل من قرأ البشائر التي ذكر موسى عليه الصلاة والسلام لاشك أنه سوف يقدم ادخلوا الأرض المقدسة، والثاني: التي كتب الله لكم ، نعم إذا أنعم الله عليهما من هذه الوجوه الثلاثة وقد يكون أكثر من هذا . يقول: (( ادخلوا عليهم الباب )) أولا (( ادخلوا الأرض المقدسة )) ما معنى المقدسة ؟ قال العلماء معناها المطهرة ، المطهرة من الشرك ، لأن هذه الأرض كانت أرض الأنبياء ، ثم ما هي الأرض ما المراد بها ؟ قال العلماء هي أرض الشام ، أرض الشام التي تشمل ما يسمى في العصر الحاضر سوريا وفلسطين وجميع المنطقة الأردن وغيرها ، أرض الشام كلها ، هذه الأرض المقدسة لأنها كانت أرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .