كلمة من الشيخ في التمسك بالكتاب والسنة والمحافظة على ما أمر الله به والإبتعاد عما نهى الله عنه . والكلام على حديث : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) . وحديث : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) . حفظ
علي الحلبي : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد !
الشيخ : قبل الأسئلة لي كلمة .
علي الحلبي : لأستاذنا الفاضل محمد ناصر الدين الألباني كلمة يقدمها لنا كنصيحة عامة ، ودعوة لنا بين يدي الأسئلة فليتفضل .
الشيخ : لقد جاء في الحديث الصحيح كما تعلمون إن شاء الله جميعا قوله عليه الصلاة والسلام : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) والسنة في لغة النبي صلى الله عليه وآله وسلم معناها أعم من السنة في اصطلاح الفقهاء ، الفقهاء اصطلحوا ـ ولا مشاحة في الاصطلاح ـ أن السنة هي التي تقابل الفريضة ، أي التي تكون دون الفريضة ، والتي يخير فيه المسلم بين أن يأتي بها ويكون له على ذلك أجر عظيم ، وبين أن يدعها ولا يكون عليه إثم لا كبير ولا صغير ، وهذا مأخوذ من مثل قوله عليه الصلاة والسلام لذلك الرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عما فرض الله عليه فذكر له خمس صلوات في كل يوم وليلة ، وذكر له صيام رمضان ، قال في آخر الحديث الرجل .
السائل : هل علي غيرهن ؟ قال : ( لا إلا أن تطَّوع ) لا إلا أن تطوع ، أي لا إلا أن تتنفل ، لا عليك إلا أن تأتي بما فرض الله عليك إلا إذا شئت أن تتنفل ، أي أن تأتي بالنوافل والسنن التي لم تفرض عليك فهذا أفضل لك ، ماذا قال ذلك الرجل ؟ قال : والله لا أزيد عليهن ولا أنقص ، أنا رجال قنوع أرض بأن آتي فقط بالفرائض ، وما سوى ذلك لا أزيد ولا آتي بشيء من النوافل ، فماذا كان موقف الرسول عليه السلام تجاه هذا الكلام ؟
لم يكن ما جاء في الحديث الذي لا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويأتي ذكره في بعض كتب الفقه للمتأخرين : ( من ترك سنتي لم تنله شفاعتي ) هذا الحديث ليس له أصل ، ولم يذكر الرسول عليه السلام شيئا من ذلك بل على العكس من ذلك قال : ( دخل الجنة إن صدق ، أفلح الرجل إن صدق ) يعني إذا حافظ على ما فرض الله عليه فقط ولم يزد شيئا من السنن الرواتب والمستحبات عليها ، فإذا صدق فيما وعد به فهو يدخل الجنة ، والإتيان بالفرائض يشمل في الواقع الابتعاد عن المحرمات ، لأن الابتعاد عن المحرمات هو من الفرائض والواجبات ، ولذلك جاء في حديث آخر أن سائلا سأل : يا رسول الله أرأيت إن أنا حرمت الحرام وحللت الحلال وصليت الصلوات الخمس وصمت رمضان أأدخل الجنة ؟ قال : ( نعم ، إن أنت حللت الحلال وحرمت الحرام وصليت الصلوات الخمس وصمت رمضان دخلت الجنة ) إذا على المسلم أن يحرص على الأقل أن يحافظ على الإتيان بالفرائض والابتعاد عن المحرمات ، إن فعل ذلك فهو دخل الجنة كما يقال بالتعبير العصري اليوم : ترانزيت بدون توقف ، أما إذا خالطه شيء من التقصير من القيام بشيء مما فرض الله عليه ، أو من مواقعة وارتكاب بعض ما حرم الله عليه ، فهذا حسابه عند الله عز وجل ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .
أريد بأن أقول بأن السنة في الحديث السابق : ( كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) لا يقصد به السنة التي هي دون الفريضة ، وإنما يقصد به معنى الغوي الشرعي يجب أن تتنبهوا له فيما إذا مرت بكم هذه اللفظة (السنة) في شيء من الأحاديث الصحيحة ، فلا تفهموا منها معنى السنة اصطلاحا ، وإنما المعنى الشرعي ، وهو الطريقة والمنهج الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ) ليس المقصود هنا سنتي فقط النوافل أو الرواتب ، وإنما الطريقة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام يجب أن تُتَبنى كلا وليس بعضا وجزءا ، أولا فكرا وعقيدة ، وثانيا تطبيقا وعملا بقدر ما يستطيع الإنسان و (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) هذه السنة معناها الطريقة والمنهج وليس معناها السنة التي دون الفريضة ، فما جاء به عليه الصلاة والسلام من الشرع والبيان هو السنة ، أي الطريقة التي سار عليها الرسول عليه السلام .
والسنة بهذا المعنى الشرعي اللغوي المحدد هو المقصود بالحديث الصحيح المشهور : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) من رغب عن سنتي فليس مني ، لا يجوز لأحد أن يفهم من هذا الحديث ، من ترك السنن الرواتب مثلا وتمسك بمذهب ذلك الأعرابي الذي قال : ( والله يا رسول الله لا أزيد عليهن ولا أنقص ) ليس المعنى السنة بهذا المعنى الاصطلاحي الفقهي ، وإنما معنى السنة أيضا في هذا الحديث : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) نفس معنى الحديث الأول : ( كتاب الله وسنتي ) أي طريقتي ومنهجي التي كنت عليها ومت عليها ، هذه الطريقة وهذه السنة إذا أعرض الإنسان المسلم عنها فليس في شيء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا نحن ذكرنا لكم سبب رواية أو سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث الثاني : ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) يتضح لكم تمام الوضوح هذا المعنى الشرعي اللغوي للفظة : ( سنتي ) ذلك أن رهطا أي جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجدوه ، فسألوا نساءه عن صلاته عليه الصلاة والسلام في الليل وصومه في النهار وقربانه للنساء ، فأجبنهم بأنه عليه الصلاة والسلام يقوم الليل وينام أي أنه لا يقوم الليل كله كما يفعل بعض الغلاة المتعبدين ، ولا أنه أيضا ينام كل الليل كما يفعل بعض الراغبين الزاهدين عن الأجر الكبير من قيام الليل ، وإنما هو يقوم وينام ، وفيما يتعلق بالصوم قالت أزواج الرسول عليه السلام بأنه يصوم ويفطر ، فليس هو صائم الدهر ، وليس هو مفطرا للدهر ، وإنما هو تارة تراه صائما وتارة تراه مفطرا كما قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه : ( ما نشاء أن نراه صائما إلا رأيناه صائما ، وما نشاء أن نراه مفطرا إلا رأيناه مفطرا ) وفيما يتعلق بالنساء قلن : يتزوج النساء ، فماذا كان موقف هذا الرهط من هذا الجواب ؟ لقد قال أحدهم : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، يقولون عبادة الرسول عليه السلام هذه التي سمعوها من أزواجه ، هذه عبادة قليلة ، لكن سبب القلة هو أن الله غفر له ، فلماذا يكثر من العبادة ؟ وهذا خطأ منهم ، ولا يجوز أن يصدر مثله من مسلم في حق نبيه عليه السلام ولكنهم كانوا كما يبدوا حديثي عهد بالإسلام ، حديثي عهد بالعلم الإسلام ولذلك صدرت منهم هذه العبارة ، لما سمعوا هذه العبادة قال : تقالوها ، وجدوها قليلة ، ثم عادوا فعللوا القلة بأن الله غفر له فلماذا يتعب نفسه بقيام الليل كله ، بصيام الدهر كله ، في الترهب عن النساء كلهن ، لماذا ؟ وقد غفر الله له ، إذا هو ما ينبغي أن يكثر من العبادة ، وما ينبغي أن ينصرف عن النساء ، أخطئوا في ذلك أشد الخطأ ولاشك ، لكن الصحبة تمحوا مثل هذه الحوبة ، جاء الرسول عليه السلام بعد قليل فأخبرنه بما سأل الرهط ، وما أجبن به وما قالوا ، فصعد عليه السلام المنبر وقال : ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا ) ماذا قال هذا الرهط بعد أن وجدوا عبادة الرسول عليه السلام قليلة ؟ قالوا : نحن يجب أن نتعب أنفسنا وأن نزداد عبادة لربنا ، لماذا ؟ ليغفر لنا خطايانا ، الرسول الله غفر له وانتهى أمره ، أما نحن المساكين فعلينا أن نكثر من العبادة حتى يغفر الله لنا ، وليحصلوا على هذه العبادة بزعمهم ، قال أحدهم : أما أنا فأقوم الليل ولا أنام البتة ، وقال الثاني : أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر ، وقال الثالث : أما أنا فلا أتزوج النساء ، لماذا ؟ لأن النساء مشغلة .
وقد جاء بالمناسبة في الحديث على طريقتنا " نرمي عصفورين بحجر واحد " جاء في الحديث الموضوع : ( ضاع العلم بين أفخاذ النساء ) ضاع العلم بين أفخاذ النساء ، يضحك رحمه الله ، فلماذا يتزوج هذا الإنسان ، والمرأة على كل حال لها حقوق ، ولابد للزوج من القيام بهذه الحقوق ، فقيامه بهذه الحقوق يشغله بزعمه عن القيام بحق رب العالمين عليه ، لذلك هو يترهب ولا يتزوج .
قال عليه السلام في الخطبة : ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا ) حكى عبارة هؤلاء : ( أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله ، أما إني أصوم وأفطر ، وأقوم الليل وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) إذا من رغب عن سنتي ليس المقصود عن سنة النافلة ، المقصود الخط الذي مشى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام . ويدخل في هذا هو بيت القصيد من هذا الحديث أنه لا يجوز للمسلم أن يتعبد الله بكيفه ، بما يخطر في باله كما خطر في بال هؤلاء الثلاثة ، أحدهم يقوم الليل ولا ينام ، أكثر الناس اليوم لا يعبدون الله باتباع سنة الرسول عليه السلام ، وإنما يعبدون الله بأهوائهم بكيفهم ، ولذلك حينما يقيض لبعضهم من يعلمه السنة ويقول له : يا أخي لا تفعل هذا الشيء ، يقول له رأسا شو فيها يا أخي ، هذه عبادة أنا أتقرب بها إلى الله عز وجل زلفى ، نقول له فيها أن الذي سن لنا السنن لم يأت بها ، أحد هؤلاء الرهط أراد أن يقوم الليل كله ، ماذا رد عليه الرسول عليه السلام ؟ قال : ( أنا أخشاكم لله وأتقاكم لله ومع ذلك ما أقوم الليل كله ) أقوم الليل وأنام ، ورد على الشخص الثاني الذي قال : أصوم الدهر ، من أجل التقرب إلى الله بالزيادة ، فرد عليه الرسول عليه السلام فقال : ( أما أنا فأصوم وأفطر ) إذا السنة يعني النهج والطريقة التي جرى عليها الرسول عليه السلام هي أن يصوم نوافل وأن يفطر وأن لا يصوم الدهر ، فليس لإنسان أن يتقرب إلى الله عز وجل بما لم يتقرب به رسول الله إلى الله ، ليس لأحد أبدا أن يتقرب إلى الله بما لم يشرعه الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على فعله وعمله كما هو في هذه السنة . إنه كان يقوم الليل كله ؟ لا ، تقول السيدة عائشة في صحيح مسلم : ( وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة تامة كاملة ، وما علمت أنه صام شهرا كاملا إلا رمضان ، وإلا شعبان يوصله برمضان ) كما في بعض الروايات .
الشاهد إذا السنة في هذا الحديث وذاك الحديث هو المنهج الذي سرى عليه الصلاة والسلام طيلة حياته ، وترك الأمة على ليلة هي كالنهار الأبلج الأبيض ، كما قال في الحديث الصحيح : ( ليلها كنهارها لا يضل عنها إلا هالك ) .
الشيخ : قبل الأسئلة لي كلمة .
علي الحلبي : لأستاذنا الفاضل محمد ناصر الدين الألباني كلمة يقدمها لنا كنصيحة عامة ، ودعوة لنا بين يدي الأسئلة فليتفضل .
الشيخ : لقد جاء في الحديث الصحيح كما تعلمون إن شاء الله جميعا قوله عليه الصلاة والسلام : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) والسنة في لغة النبي صلى الله عليه وآله وسلم معناها أعم من السنة في اصطلاح الفقهاء ، الفقهاء اصطلحوا ـ ولا مشاحة في الاصطلاح ـ أن السنة هي التي تقابل الفريضة ، أي التي تكون دون الفريضة ، والتي يخير فيه المسلم بين أن يأتي بها ويكون له على ذلك أجر عظيم ، وبين أن يدعها ولا يكون عليه إثم لا كبير ولا صغير ، وهذا مأخوذ من مثل قوله عليه الصلاة والسلام لذلك الرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عما فرض الله عليه فذكر له خمس صلوات في كل يوم وليلة ، وذكر له صيام رمضان ، قال في آخر الحديث الرجل .
السائل : هل علي غيرهن ؟ قال : ( لا إلا أن تطَّوع ) لا إلا أن تطوع ، أي لا إلا أن تتنفل ، لا عليك إلا أن تأتي بما فرض الله عليك إلا إذا شئت أن تتنفل ، أي أن تأتي بالنوافل والسنن التي لم تفرض عليك فهذا أفضل لك ، ماذا قال ذلك الرجل ؟ قال : والله لا أزيد عليهن ولا أنقص ، أنا رجال قنوع أرض بأن آتي فقط بالفرائض ، وما سوى ذلك لا أزيد ولا آتي بشيء من النوافل ، فماذا كان موقف الرسول عليه السلام تجاه هذا الكلام ؟
لم يكن ما جاء في الحديث الذي لا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويأتي ذكره في بعض كتب الفقه للمتأخرين : ( من ترك سنتي لم تنله شفاعتي ) هذا الحديث ليس له أصل ، ولم يذكر الرسول عليه السلام شيئا من ذلك بل على العكس من ذلك قال : ( دخل الجنة إن صدق ، أفلح الرجل إن صدق ) يعني إذا حافظ على ما فرض الله عليه فقط ولم يزد شيئا من السنن الرواتب والمستحبات عليها ، فإذا صدق فيما وعد به فهو يدخل الجنة ، والإتيان بالفرائض يشمل في الواقع الابتعاد عن المحرمات ، لأن الابتعاد عن المحرمات هو من الفرائض والواجبات ، ولذلك جاء في حديث آخر أن سائلا سأل : يا رسول الله أرأيت إن أنا حرمت الحرام وحللت الحلال وصليت الصلوات الخمس وصمت رمضان أأدخل الجنة ؟ قال : ( نعم ، إن أنت حللت الحلال وحرمت الحرام وصليت الصلوات الخمس وصمت رمضان دخلت الجنة ) إذا على المسلم أن يحرص على الأقل أن يحافظ على الإتيان بالفرائض والابتعاد عن المحرمات ، إن فعل ذلك فهو دخل الجنة كما يقال بالتعبير العصري اليوم : ترانزيت بدون توقف ، أما إذا خالطه شيء من التقصير من القيام بشيء مما فرض الله عليه ، أو من مواقعة وارتكاب بعض ما حرم الله عليه ، فهذا حسابه عند الله عز وجل ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .
أريد بأن أقول بأن السنة في الحديث السابق : ( كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) لا يقصد به السنة التي هي دون الفريضة ، وإنما يقصد به معنى الغوي الشرعي يجب أن تتنبهوا له فيما إذا مرت بكم هذه اللفظة (السنة) في شيء من الأحاديث الصحيحة ، فلا تفهموا منها معنى السنة اصطلاحا ، وإنما المعنى الشرعي ، وهو الطريقة والمنهج الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ) ليس المقصود هنا سنتي فقط النوافل أو الرواتب ، وإنما الطريقة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام يجب أن تُتَبنى كلا وليس بعضا وجزءا ، أولا فكرا وعقيدة ، وثانيا تطبيقا وعملا بقدر ما يستطيع الإنسان و (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) هذه السنة معناها الطريقة والمنهج وليس معناها السنة التي دون الفريضة ، فما جاء به عليه الصلاة والسلام من الشرع والبيان هو السنة ، أي الطريقة التي سار عليها الرسول عليه السلام .
والسنة بهذا المعنى الشرعي اللغوي المحدد هو المقصود بالحديث الصحيح المشهور : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) من رغب عن سنتي فليس مني ، لا يجوز لأحد أن يفهم من هذا الحديث ، من ترك السنن الرواتب مثلا وتمسك بمذهب ذلك الأعرابي الذي قال : ( والله يا رسول الله لا أزيد عليهن ولا أنقص ) ليس المعنى السنة بهذا المعنى الاصطلاحي الفقهي ، وإنما معنى السنة أيضا في هذا الحديث : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) نفس معنى الحديث الأول : ( كتاب الله وسنتي ) أي طريقتي ومنهجي التي كنت عليها ومت عليها ، هذه الطريقة وهذه السنة إذا أعرض الإنسان المسلم عنها فليس في شيء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا نحن ذكرنا لكم سبب رواية أو سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث الثاني : ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) يتضح لكم تمام الوضوح هذا المعنى الشرعي اللغوي للفظة : ( سنتي ) ذلك أن رهطا أي جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجدوه ، فسألوا نساءه عن صلاته عليه الصلاة والسلام في الليل وصومه في النهار وقربانه للنساء ، فأجبنهم بأنه عليه الصلاة والسلام يقوم الليل وينام أي أنه لا يقوم الليل كله كما يفعل بعض الغلاة المتعبدين ، ولا أنه أيضا ينام كل الليل كما يفعل بعض الراغبين الزاهدين عن الأجر الكبير من قيام الليل ، وإنما هو يقوم وينام ، وفيما يتعلق بالصوم قالت أزواج الرسول عليه السلام بأنه يصوم ويفطر ، فليس هو صائم الدهر ، وليس هو مفطرا للدهر ، وإنما هو تارة تراه صائما وتارة تراه مفطرا كما قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه : ( ما نشاء أن نراه صائما إلا رأيناه صائما ، وما نشاء أن نراه مفطرا إلا رأيناه مفطرا ) وفيما يتعلق بالنساء قلن : يتزوج النساء ، فماذا كان موقف هذا الرهط من هذا الجواب ؟ لقد قال أحدهم : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، يقولون عبادة الرسول عليه السلام هذه التي سمعوها من أزواجه ، هذه عبادة قليلة ، لكن سبب القلة هو أن الله غفر له ، فلماذا يكثر من العبادة ؟ وهذا خطأ منهم ، ولا يجوز أن يصدر مثله من مسلم في حق نبيه عليه السلام ولكنهم كانوا كما يبدوا حديثي عهد بالإسلام ، حديثي عهد بالعلم الإسلام ولذلك صدرت منهم هذه العبارة ، لما سمعوا هذه العبادة قال : تقالوها ، وجدوها قليلة ، ثم عادوا فعللوا القلة بأن الله غفر له فلماذا يتعب نفسه بقيام الليل كله ، بصيام الدهر كله ، في الترهب عن النساء كلهن ، لماذا ؟ وقد غفر الله له ، إذا هو ما ينبغي أن يكثر من العبادة ، وما ينبغي أن ينصرف عن النساء ، أخطئوا في ذلك أشد الخطأ ولاشك ، لكن الصحبة تمحوا مثل هذه الحوبة ، جاء الرسول عليه السلام بعد قليل فأخبرنه بما سأل الرهط ، وما أجبن به وما قالوا ، فصعد عليه السلام المنبر وقال : ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا ) ماذا قال هذا الرهط بعد أن وجدوا عبادة الرسول عليه السلام قليلة ؟ قالوا : نحن يجب أن نتعب أنفسنا وأن نزداد عبادة لربنا ، لماذا ؟ ليغفر لنا خطايانا ، الرسول الله غفر له وانتهى أمره ، أما نحن المساكين فعلينا أن نكثر من العبادة حتى يغفر الله لنا ، وليحصلوا على هذه العبادة بزعمهم ، قال أحدهم : أما أنا فأقوم الليل ولا أنام البتة ، وقال الثاني : أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر ، وقال الثالث : أما أنا فلا أتزوج النساء ، لماذا ؟ لأن النساء مشغلة .
وقد جاء بالمناسبة في الحديث على طريقتنا " نرمي عصفورين بحجر واحد " جاء في الحديث الموضوع : ( ضاع العلم بين أفخاذ النساء ) ضاع العلم بين أفخاذ النساء ، يضحك رحمه الله ، فلماذا يتزوج هذا الإنسان ، والمرأة على كل حال لها حقوق ، ولابد للزوج من القيام بهذه الحقوق ، فقيامه بهذه الحقوق يشغله بزعمه عن القيام بحق رب العالمين عليه ، لذلك هو يترهب ولا يتزوج .
قال عليه السلام في الخطبة : ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا ) حكى عبارة هؤلاء : ( أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله ، أما إني أصوم وأفطر ، وأقوم الليل وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) إذا من رغب عن سنتي ليس المقصود عن سنة النافلة ، المقصود الخط الذي مشى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام . ويدخل في هذا هو بيت القصيد من هذا الحديث أنه لا يجوز للمسلم أن يتعبد الله بكيفه ، بما يخطر في باله كما خطر في بال هؤلاء الثلاثة ، أحدهم يقوم الليل ولا ينام ، أكثر الناس اليوم لا يعبدون الله باتباع سنة الرسول عليه السلام ، وإنما يعبدون الله بأهوائهم بكيفهم ، ولذلك حينما يقيض لبعضهم من يعلمه السنة ويقول له : يا أخي لا تفعل هذا الشيء ، يقول له رأسا شو فيها يا أخي ، هذه عبادة أنا أتقرب بها إلى الله عز وجل زلفى ، نقول له فيها أن الذي سن لنا السنن لم يأت بها ، أحد هؤلاء الرهط أراد أن يقوم الليل كله ، ماذا رد عليه الرسول عليه السلام ؟ قال : ( أنا أخشاكم لله وأتقاكم لله ومع ذلك ما أقوم الليل كله ) أقوم الليل وأنام ، ورد على الشخص الثاني الذي قال : أصوم الدهر ، من أجل التقرب إلى الله بالزيادة ، فرد عليه الرسول عليه السلام فقال : ( أما أنا فأصوم وأفطر ) إذا السنة يعني النهج والطريقة التي جرى عليها الرسول عليه السلام هي أن يصوم نوافل وأن يفطر وأن لا يصوم الدهر ، فليس لإنسان أن يتقرب إلى الله عز وجل بما لم يتقرب به رسول الله إلى الله ، ليس لأحد أبدا أن يتقرب إلى الله بما لم يشرعه الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على فعله وعمله كما هو في هذه السنة . إنه كان يقوم الليل كله ؟ لا ، تقول السيدة عائشة في صحيح مسلم : ( وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة تامة كاملة ، وما علمت أنه صام شهرا كاملا إلا رمضان ، وإلا شعبان يوصله برمضان ) كما في بعض الروايات .
الشاهد إذا السنة في هذا الحديث وذاك الحديث هو المنهج الذي سرى عليه الصلاة والسلام طيلة حياته ، وترك الأمة على ليلة هي كالنهار الأبلج الأبيض ، كما قال في الحديث الصحيح : ( ليلها كنهارها لا يضل عنها إلا هالك ) .